منوعات

قب الياس بلدة “منكوبة” بيئيًا.. و”التلوّث” العنوان الأبرز!

تقع بلدة “قب الياس” في البقاع الأوسط، وتُعتبر بوابة البقاع الغربي والجنوب، كما تُعد ثالث أكبر بلدة في البقاع من حيث المساحة والامتداد الجغرافي بعد كل من زحلة وبعلبك.

تتميّز “قب الياس” بإنتاجها الزراعي والآثار التاريخية، إلا أنها بالمقابل تواجه أزمة التلوّث والتدمير البيئي، إذ يمكن وصفها بـ”المنكوبة بيئيًا” بكل ما للكلمة من معنى، فكأن لا يكفيها مشكلة الكسارات والمقالع وما تسبّبه من تلوّث لمزروعات سهلها بالغبار، إلى جانب تلوّث نهر الليطاني الذي يهدّد حياة أبنائها بالأمراض، فضلًا عن مكب النفايات الذي يحترق بين الفينة والأخرى، ليظهر مؤخرًا “معمل سيكومو” لإنتاج الكرتون والمحرقة التابعة له، ويزيد نسب التلوّث أكثر فأكثر.

روحي: مصنع ومحرقة

ابن قب الياس، الناشط مالك روحي، شرح في حديث لـ”أحوال” الظروف والمعاناة التي يواجهها سكان البلدة نتيجة المعمل المذكور، وأثره السلبي على البيئة، ما جعل عدد من الناشطين البيئيين القيام بالتحركات محاولين حماية بلدتهم وبيئتها، فقال روحي: “الهدف من تحركنا كمواطنين ليس الهجوم على مصنع الكرتون الموجود في بلدتنا منذ سبعينيات القرن الماضي والذي يوظّف أبناء المنطقة والجوار، بل بسبب ممارسات هذا المصنع ولا سيما المحرقة التابعة له وما تجلبه من ويلات، مع ما تنشره من سموم في الهواء”، مضيفًا: “الدخان الأسود يخنقنا في منازلنا، وخصوصًا في فترة الليل، كما وأن المياه ذات الرائحة الكريهة التي يصرِّفها المعمل بعد معالجة الكرتون في المجاري، تؤكّد أن المصنع لا يعالج المياه الناتجة عنه بل يصرّفها كما هي في المجاري المائية، التي بدورها تروي المزروعات وتتسبب بالتلوث”.

الصالح: شكوى للمحافظ

من جهته، وثّق المواطن جبر الصالح ما هو قائم بالصور، وقال في حديث لـ”أحوال”: “المصنع ليس مشكلتنا، بل المحرقة، فهي بؤرة تلوّث كبيرة، حتى أننا حُرِمنا من فتح نوافذ منازلنا أو الجلوس على الشرفات في فصل الصيف”، مضيفًا: “وبعد إنكار مدير الشركة المهندس كريم حداد بأن شاحنات النفايات التي تمر بالبلدة لا تخص المحرقة، قمتُ ومجموعة من الشباب بتاريخ 12/10/2020، بإيقاف شاحنة محمّلة بالنفايات بكميات تقدر بـ9500 كيلوغرام، وأنزلنا حمولتها وتأكدنا أنها للمحرقة، ثم أعاد العمال تحميلها ونقلها إلى المحرقة وفقًا للأوراق التي تثبت هذا الأمر”. (الصورة المرفقة)

وتابع الصالح: “هذه المحرقة أَولى بمعالجة نفاياتنا بدلاً من جلب النفايات من زحلة ومن بلدة مجدلبعنا وبلدات أخرى، لكنها تنقل نفاياتنا ويتم أخذ رسوم لنقلها إلى المكبات مثل مكب بر الياس، وقد رفعنا شكوى بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020، وتحمل الرقم 204 لدى محافظ البقاع كمال أبو جودة”. (الصورة المرفقة)

وتابع: “إلا أن المصنع رفع شكوى ضدنا ومنعنا من التعرض لشاحنات النفايات”، مشيرًا بالمقابل إلى أن المصنع يستخدم الإطارات والبلاستيك لحرق المواد وتوليد الكهرباء، وهي تُنتج مواد سامّة وخانقة، في حين أنه من المفترض قانونيًا استخدام الخشب لحرق المواد حيث ينفث دخانًا أسود في الهواء نتيجة هذه العملية (الصورة المرفقة)

كما يتم تصريف المياه غير المعالَجة في نهر الليطاني، ما يؤكد أن المعمل لا يلتزم بأي من الإجراءات البيئية الملزمة لعمله وفق القوانين”. (الصورة المرفقة)

مصلحة الليطاني

وفي هذا المجال، تستمرّ مصلحة مياه نهر الليطاني في توثيق وكشف التعديات التي تطاول النهر لجهة تصريف المياه من المنشآت المختلفة. وفي هذا الخصوص، قال رئيس دائرة الثروة المائية في المصلحة، المهندس وسام شرانق لـ”أحوال”: “منذ أيلول/سبتمبر 2018، تابعت المصلحة الكشف على كافة المنشآت الإنتاجية، سواء الصناعية أو الزراعية أو التجارية أو غيرها. أما في ما يخصّ شركة “سيكومو” لصناعة الكرتون والورق في منطقة حوش قيصر في قب الياس، وبناءًا على التقرير الذي رفعته اللجنة الفنية والمكلفة آنذاك من جانب المصلحة بالكشف على المنشآت الصناعية، فقد تقدّمت المصلحة بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية في البقاع، بعد أن تبيّن أن “سيكومو” تعمل على التخلّص من النفايات الصناعية السائلة دون معالجة وبصورة مباشرة في المسطحات المائية”.

وأردف شرانق: “وبناء على الشكوى بحق الشركة، وبتكليف من محكمة جزاء زحلة، قام الخبيران المكلّفان من المحكمة، د. ناجي قديح والخبير البيئي بول أبي راشد بالكشف الميداني والحسي على المصنع، حيث عاينا عن كثب الصرف الصناعي وكمية النفايات السائلة الناتجة عنه. وبناء على التقرير الذي أشار إلى عدم وجود أي معالجة جدية للنفايات السائلة قبل صرفها إلى المسطحات الطبيعية، تم إلزام شركة “سيكومو” قضائيًا بإنشاء وحدة معالجة لنفاياتها السائلة، وهو ما قامت به الشركة في أيلول/سبتمبر الماضي. ولكن عند زيارة أبي راشد إلى “سيكومو” بتاريخ 10/9/2020 بهدف جمع العينات من وحدة المعالجة، تفاجأ بأن الشركة ما زالت تتخلص من صرفها السائل في المسطحات الطبيعية، وأن وحدة المعالجة كانت موضوعة خارج الخدمة، ليبرّر مدير الشركة الأمر بأن عطلًا كان قد طرأ عليها، ما اضطر الشركة إلى تحويل صرفها الصناعي إلى القناة الترابية خلف المصنع ريثما تنتهي عملية الصيانة، كما أوضح لأبي راشد أن الشركة اعتمدت تطبيق مبدأ ترشيد استخدام المياه، وأنها لم تعد بوارد التخلص من نفاياتها السائلة في المسطحات الطبيعية، بل سيعاد استخدامها كاملة في العملية الصناعية وذلك بعد معالجتها داخل حرم الشركة”.

لا جدية في المعالجة

من هنا تابع شرانق قائلًا: “في إطار الحملة الدورية التي تقوم بها مصلحة الليطاني في تقصي واقع إدارة النفايات الصناعية في منطقة الحوض، تبيّن لفِرَق الكشف أن “سيكومو” ما زالت تتخلّص من صرفها السائل يوميًا في المسطحات المائية، ما استدعى إبلاغ أبي راشد بالأمر الذي أوعز بدوره إلى ضرورة الاسراع بجمع العينات للوقوف على جدية المعالجة”. وأضاف: “وبتاريخ 2/11/2020 حضر فريق من مختبرات مصلحة الابحاث العلمية الزراعية وعمل على جمع العينات من وحدة المعالجة، وقد أتت نتائج التحاليل المخبرية للعينات الصادرة عن مختبرات مصلحة الابحاث العلمية الزراعية والتي تم جمعها بتاريخ 2/11/2020 من مدخل الخزان الحيوي (primary effluent) ومن مخرج وحدة المعالجة البيولوجية (secondary effluent) بإيعاز من أبي راشد، بهدف الوقوف على فعالية هذه المرحلة ومدى كفاءة الكتلة الحيوية (Biomass) في التخلص من الحمولة العضوية الذائبة، غير مطابقة للمعايير الموضوعة لها بالقرار 8/1 الصادر عن وزارة البيئة عام 2001 من نواحٍ عدة، مؤكدة عدم كفاءة المعالجة الحيوية البكتيرية”. (الصورة المرفقة)

وانطلاقًا من ذلك، أشار شرانق إلى أنه “بتاريخ 9/11/2020، تم أخذ عينة من القناة الترابية خلف مصنع شركة سيكومو، وقد أتت النتيجة غير مطابقة وشبيهة إلى حد ما بالنتيجة السابقة، ما يعزّز فرضية عدم جدية المعالجة، ليعود فريق الكشف الليلي في مصلحة الليطاني بتاريخ 19/11/2020 لجمع العينات من مخرج مصنع الشركة بعدما تبين أن الأخيرة تقوم بالتخلص من نفاياتها ليلًا في المجاري الطبيعية، وذلك بهدف الوقوف على طبيعة هذه النفايات السائلة والتثبت من جدية وفعالية المعالجة”.

الصرف الصحي

من جهة أخرى، شدد شرانق على أنه لا يمكن إهمال الصرف الصناعي الناتج عن مصنع شركة “سيكومو”، والمصنف في الفئة 2 (فئة الترخيص الصناعية)، حيث تقدر الحمولة العضوية اليومية الكلية (total applied BOD) بحوالي 705 كيلوغرامات وفقًا لمعدّل التدفق اليومي والمقدّر بحوالي 840 م3، وهي كميات ضخمة من المياه الملوثة، في ظلّ الغموض الحاصل في كفاءة وحدة المعالجة، ناهيك عن أن “سيكومو” لم تبرز شهادة الالتزام البيئي التي تفرضها وزارة البيئة كل ثلاث سنوات على المنشآت الصناعية، ذوات الفئات الصناعية الأولى والثانية والثالثة.

رقابة معدومة

ختاماً، لم تأتِ أي من الإجراءات المتبعة بحق الشركة بأي التزام بيئي وفق القوانين المرعية في المنشآت الصناعية بحسب وزاراتي الصناعة والبيئة، وهذا الوضع ليس حكرًا على “سيكومو”، بل إن معظم المؤسسات لا تلتزم، وبالمقابل فالرقابة من الوزارات المختصة معدومة تقريبًا، حيث لم يصدر عن وزارة البيئة على سبيل المثال، ما يشير إلى قيامها بأخذ عينات من الهواء أو المياه لمتابعة تلوث هذا المصنع.

وباستثناء متابعة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، فهناك غياب لسائر الجهات المعنية، الأمر الذي يشجع المنشآت الصناعية على أنواعها والأفراد على التمادي في تلويث هذا الشريان الحيوي.

سوزان أبوسعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى