منوعات

ترشيش “عاصمة” الكستناء في لبنان تروي قصتها في الإنتاج

اكتسب المزارعون في المناطق الجبلية موسماً زراعياً من شأنه أن يرفد حياتهم بمقومات الإستمرار، رغم الضائقة الاقتصادية، وسط ما تعاني الزراعة عموماً من مشكلات، إنتاجاً وتصريفاً؛ فهل تلاقيهم الدولة عند تخوم أحلامهم وهم يدأبون ليكون لبنان منتجاً للكستناء راهناً، ومصدِّراً لها مستقبلاً؟

وثمة أسئلة أيضاً، ومنها، هل تصبح زراعة الكستناء عامل استقرار وأمان للمزارعين في المناطق الجبلية؟ وهل يُستعاض عن التفاح والأشجار الجبلية المثمرة بهذه الشجرة البريّة المعمرة؟

قبل نحو عشرين سنة، بدأ المزارعون التوجه نحو الزراعات البديلة، ومن بينها الكستناء، لأسباب عدة، أهمها أنّ هذه الشجرة عصية في حدود معينة على الأمراض ومقاوِمة أيضاً لظروف المناخ، وكلفة الإنتاج متدنية مقارنة مع زراعة التفاح والأشجار الجبلية المثمرة، ولا تحتاج لرعاية على مدار السنة، فضلاً عن أن شجرة الكستناء تلقي ثمارها تلقائيا عند الينوع، وما على المزارعين إلا جمعها وتوضيبها، دون الحاجة لارتقاء الأشجار العالية وقطف الثمار وتكبد أعباء مالية إضافية.

في هذا السياق نلقي الضوء على هذه الزراعة الناشئة والواعدة في آن، وقد التقى “أحوال” عدداً من المزارعين والمواطنين من بلدة ترشيش – قضاء بعبدا باعتبارها “عاصمة الكستناء” في لبنان، ومنها انطلقت زراعتها إلى العديد من المناطق، وقد أجابوا عن كثير من الأسئلة حيال الكستناء وخصائص زراعتها وإنتاجها والتحديات الماثلة أمامهم.

سمعان: ننتج ألفي طن سنوياً

أشار غابي سمعان إلى أنّه كان أول من دعا لزراعة الكستناء في ترشيش، وتحديداً منذ أكثر من 25 سنة (1996-1997)، لافتاً “لدى ترشيش مساحات شاسعة مزروعة بالكستناء منذ سنوات طويلة وفيها أشجار معمرة وتنتج كميات كبيرة”، وقال: “كنت أراهن منذ ذلك الوقت على هذا المحصول الهام، وسافرت مرات عدة وبالإتفاق مع التعاونيات الإيطالية والفرنسية للحصول على الحبوب المؤصلة وزراعتها وإكثارها”.

ورأى أنّ “زراعة الكستناء في تحسن دائم عاماً بعد عام، خصوصاً وأننا بدأنا إنتاج نصوب الكستناء”، وأشار إلى أنه “على الرغم من تقدم هذه الزراعة، إلا أن الوصول إلى اكتفاء ذاتي لا زال مبكراً، ذلك أننا ننتج نحو ألفي طن سنوياً، بينما حاجة السوق المحلية تقدر بأكثر من 8 آلاف طن، فضلاً عن أن جميع الدول العربية لا تنتج الكستناء ولا يمكنها زراعتها لأنها تحتاج لبيئة جبلية متوفرة في لبنان وسوريا وتركيا”.

وأضاف سمعان: “الكستناء مقاومة للأمراض ولا تحتاج لعناية كبيرة، ولا تحتاج كذلك للتقليم السنوي بل كل عدة سنوات بحيث نخفف من أغصانها، ولا تحتاج للمبيدات على غرار زراعات أخرى، وقد يصاب الجذع ولكن يمكن معالجته، وتصاب شجرة الكستناء بالمن، وتحتاج رشة في العام أو إثنتين على الأكثر، وهي تزهر في شهر حزيران (يونيو) وتبدأ بالإنتاج في هذا الشهر تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، وتكبر الشجرة لتنتج إلى حدود 200 كيلو وأحيانا أكثر، وهو القطاع الزراعي الوحيد في لبنان الذي يكون منتجوه راضين عن النتائج”.

ولفت إلى أن “زراعة الكستناء بدأت في البقاع الغربي، وعلى طرقات بعض القرى وبعض المناطق الجبلية مثل جزين، ريفون، بشري، بسكنتا، بكفيا، كفرسلوان وغيرها”، ورأى أنّ “التغير المناخي لا يؤثر كثيراً، فالإنتاج جيد بشكل عام، إلا أن تغير المناخ يؤثر على حجم الثمار وهذا ما لحظناه هذا العام، أما بالنسبة لتصريف الإنتاج فلا مشاكل تواجهنا، كون الموسم اللبناني يسبق الموسم في تركيا والصين ويتهافت عليه التجار”.

المزارع إيلي حنا: الأشجار تلقّح بعضها

أشار إيلي حنا إلى أنّ لديه حالياً 3 آلاف م2 مزروعة بالكستناء، وقال: “بعد عودتنا إلى ترشيش عقب التهجير القسري بدأنا زراعة الكستناء وكانت النتائج جيدة، ولكن حجمها كان صغيراً وكنا بحاجة لزراعة الأشجار المذكرة، ولكن مع التطور أصبحنا نقتني أشجاراً مؤصلة ذات نوعية جيدة وكبيرة، ومع كثرة الأشجار، أخذت تلقح بعضها البعض”.

ولفت حنا إلى أنّ إنتاجه “بين 2000 و2500 كيلو في الموسم”، وقال: “المشكلة أن الموسم بدأ ولا طلب عليه حالياً، ونحاول التخزين حتى الميلاد ورأس السنة في برادات التفاح، وهي لا تلائمها، لذا نطلب من الدولة العمل على دعم هذا القطاع بإنشاء براد خاص للكستناء”.

“أبو طريف”: 5  آلاف متر مربع مزروعة بالكستناء

أما المزارع محمد حمزة المعروف بـ “أبو طريف”، فقال: “لدي حوالي 5 آلاف متر مربع مزروعة بالكستناء، وأنوي زراعة قطعة أرض جديدة مساحتها حوالي دونمين لأنّ إنتاج الكستناء ممتاز ولا تحتاج للكثير من العناية”، وأشار إلى أنّ لديه شجرة عمرها 45 سنة تنتج حوالي 200 كيلوغراما”.

وذكّر “أبو طريف” بأهم المشاكل التي تعترضه، وهي تصريف الإنتاج، وقال إنّه حاول “حفظ الكستناء تحت التراب في أكياس بلاستيكية ليواكب الطلب مع بدء موسم البرد”، وأضاف: “أفكر باستبدال أشجار التفاح نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبدتها خصوصاً التفاح الأبيض، كون أسعار الأسمدة والأدوية ارتفعت بسبب ارتفاع الدولار”، مشيراً إلى أن “الكثير من المزارعين يتركون أراضيهم بوراً بسبب مشاكل التفاح والعديد يستبدلها بالكستناء، فهي لا تحتاج للكثير من العناية، وتبقى مشاكل التصريف وتخزينها، لذا حاجتنا لبراد ملحة لتوفير المنتج وقت الطلب”.

الزمّار: براد خاص

أما المزارع علي الزمار، فقد حلّ مشكلة التخزين باستحداث براد خاص منذ حوالي سنتين في منطقة صنين، وقال: “لدي حوالي 45 دونماً، يملكها خالي ولكنني أعتني بها، معظمها مزروعة بالتفاح، ولكن لدي النية بزراعة مساحة إضافية بالكستناء”.

وعن المشاكل التي تواجهه، قال الزمار: “المشكلة بالإنتاج التركي الذي يغزو الأسواق وقت تصريف إنتاجنا، لذا نواجه مشكلة الأسعار، وعلى الرغم من أنّ البلدي أغنى ونكهته أفضل، إلا أنّ تقشيره أصعب من التركي، ولكن تمكنا من ابتكار طريقة خاصة ليسهل تقشيره، ويتم تصريف إنتاجنا فورا في تعلبايا، فيما المشكلة الأهم تظل متمثلة في الأسعار المنافسة”.

وعن مواصفات البراد، قال الزمار: “يتسع لإنتاجنا الذي يبلغ حوالي طن ونصف الطن وأكثر، والكستناء يحتاج برودة أكثر من التفاح ولكن بنسبة رطوبة أقل، وعملية التخزين هذه تفيدنا أكثر، خصوصا وأننا نرسله إلى الأسواق وقت الطلب الأكبر، أي في عيدي الميلاد ورأس السنة وبداية الطقس البارد”.

صرخة ألبير سمعان

أطلق المزارع ألبير سمعان صرخة عبر “أحوال” للمسؤولين بـ “ضرورة استحداث براد للكستناء، ليتشجع المزارع على زراعة المزيد، خصوصا وأنّ الإنتاج ممكن أن يبقى حتى آذار (مارس)”، لافتا إلى أن “الإنتاج يخضع لمزاج التجار، وبعد الإتفاق على السعر، يحاولون التنصل من التزاماتهم لناحية الأسعار المتفق عليها وهذا يحصل معنا كل مرة”.

وطالب “بضرورة العمل على استراتيجية للتسويق وطرق حفظ مبتكرة”، لافتاً إلى أنّ “شجرة الكستناء لا تحتاج للعناية كثيراً، وهي بحاجة للحديد، “لذا أزوّدها بنترات الحديد، وهي تنبت ابتداء من 900 متر، ولكن أفضل إنتاج يكون في العادة فوق الـ 1200 مترا كما هو الحال في ترشيش”.

جبرايل: آفة دخيلة

في هذا السياق، أشار المهندس الزراعي المختص في الإنتاج النباتي غابريال جبرايل إلى أنّ “الكستناء في ترشيش الأنجح بين مثيلاتها في لبنان وبين الزراعات الأخرى لعدة عوامل، منها التربة الرملية التي تتميز بها ترشيش، وبعض المناطق الشبيهة جيولوجياً مثل بكفيا وبعض مناطق الشمال، وهي تلائم هذه الزراعة تماما”.

ولفت جبرايل إلى آفة جديدة تطاول الكستناء، وقال: “مؤخرا فقدت ثلاث أشجار كستناء، بسبب آفة دخيلة introduced غازية زراعية  invasive horticultural pest ليس لها عدو طبيعي في بلادنا، وهي نوع من الدبابير chestnut gall wasp  اسمها العلمي (Dryocosmus kuriphilus)، ويبدو أنّ هذه الآفة موجودة منذ سنوات ولكن لم نكن نلاحظها، وهي تهاجم براعم الشجرة وتنتج البيوض وتغلّفها بغلاف لونه يميل إلى اللون الزهري Gall، وتوجد في مناطق عدة من العالم، ويواجهون مشاكل في السيطرة عليها، ويبدو أن هذه الآفة وصلت لبنان عبر استيراد النباتات دون فحص”.

وأشار جبرايل إلى أنّ “المكافحة حالياً باستخدام مبيد جهازي وبالملامسة لقتل الحشرات، علماً أن الأنثى تتكاثر بطريقة عذرية أي لا تحتاج ذكراً، وتبيض حوالي مئة بيضة، تضعها داخل غلاف Gall، وحالما تفقس، تبدأ بالتغذي على براعم الكستناء وبالتالي تضعف الشجرة، وتؤثر بشكل كبير على الإنتاج وتجعل الكستناء عرضة للأمراض الفطرية وغيرها”. وناشد وزارة الزراعة المساعدة في مكافحة هذه الآفة بالمبيدات قبل استفحالها.

وعن المشاكل الأخرى، وصفها جبرايل بالثانوية، مدرفاً “أنتج ما بين 5 و10 أطنان ولكن الآفة أثرت على الإنتاجية إلى حد ما، وهناك مشكلة التغير المناخي، فأرضي بعلية، وتغير المناخ أثر إلى حد كبير في حجم الثمرة”، ونصح المزارعين “باختيار بذور مؤصلة لزراعتها، فالشجرة تحتاج بين 10 و15 سنة لتحمل، وعليهم اختيار الأنواع المناسبة لأراضيهم”.

أنور عقل ضو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى