حقوق الملكية الفكرية تتعرّض للقرصنة والاختلاس بانتظار الرقابة
نصَّ القانون 75/99 الخاص بحماية الملكية الفكرية، الصادر عام 1999 في مادته الـ 74، على عقوبة السجن، من شهر إلى ثلاث سنوات، وبجزاء نقدي، من خمسة ملاين ليرة لبنانية، إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، أو إحدى هاتين العقوبتين، على كل شخص أقدم، أو كلَّف أحداً أن يضع بقصد الغش، اسماً مختلساً على عمل أدبي، أو قلَّد بقصد الغش، أو قام بخداع المشتري بإمضاء المؤلِّف، أو بالإشارة التي يستعملها، أو قلَّد عن معرفة، عملاً أدبياً وفنياً.
انتهاكات مستمرة
على الرغم من صدور هذا القانون، إلا أنّ انتهاكات حقوق الملكية الفكرية لم تخفّ وتيرتها، بل تصاعدت عملية القرصنة للمصنَّفات التي شملها؛ وهي تعدَّت ذلك، لتشمل إنتاجات وابتكارات ذهنية متعددة. وهذا ما حدث مع الكاتب والباحث السياسي “سركيس أبو زيد”، والذي يقول في حديثه لـ “أحوال” إنّه فوجئ، منذ مدة، بدراسة منشورة في صحيفة محلية، وموقَّعة باسم أحد الكتَّاب، وفيها فصل كامل من كتابٍ صادر له، في وقت سابق لتاريخ الدراسة، من دون الإشارة إلى المصدر أو الحصول على إذن مسبق من مؤلفه. وإزاء ذلك، بعث بتوضيح للصحيفة التي نشرت الدراسة يثبت فيها حقيقة التعدِّي على حقوقه الفكرية والمادية.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فكثيراً ما يُفاجأ الكتَّاب والباحثون بدراسات ومقالات، منشورة في صحف، أو كتب، وموقَّعة بأسماء كتَّاب غيرهم؛ فيما هي تكون منقولة عن كتابات لهم، وصادرة في وقت سابق لتاريخ الدراسة، أو المقال، من دون الإشارة إلى المصدر، أو الحصول على إذن مسبق من المؤلف. ويندرج هذا الفعل وغيره، من الأعمال المشابهة، تحت إطار التعدّي على حقوق الملكية الفكرية لصاحب العمل الأصلي، والتي تسمَّى حقوق الملكية الفكرية. وهذه تعدُّ من الحقوق المعنوية غير المحسوسة، وتمنح المؤلف حقَّ احتكارها واستغلالها معنويّاً وماديّاً. وتنظمها تشريعات قانونية ينبغي على كلّ مؤلف أن يراعيها، ويلتزمها؛ من أجل حماية حقوقه وحقوق الآخرين.
وفي هذا الإطار، تروي الباحثة والأستاذة الجامعية، رنا خوري، لـ “أحوال” كيف قامت كاتبة بنشر عددٍ من المقالات، تتضمّن نصوصاً لها، كُتبت بتاريخ سابق لنشر المقالات. وتتحدث خوري عن قيام إحدى دور النشر بطباعة نسخة ثانية من كتاب لها، ثم قيامها بتوزيعها، من دون علمها، مخالفةً بذلك شروط العقد. وتتابع خوري أنّه لم يتسنَّ لها اكتشاف ذلك، إلا بعد ثلاث سنوات، كونها تقيم، بشكل دائم تقريباً، خارج لبنان. وتضيف، أنّها حتى الآن لا تملك أدنى فكرة عن عدد النسخ التي طُبعت، أو بِيعت.
بُطْء التقاضي
يعرّف المحامي سلام عبد الصمد، في حديثه لـ “أحوال”، التعدي على الملكية الفكرية: بأنّه “استغلال المصنَّف المتمتِّع بحقِّ الحماية استغلالاً تجاريّاً، بأيِّ وسيلة كانت، من دون الحصول على ترخيص من صاحبه. وقد يكون التعدي بنسخ أو بتقليد كاملين للمصنَّف، أو بتحويره، وإضافة أمور أخرى إليه. ويضيف المحامي، “يُعتبر لبنان، بحسب التصنيفات العالمية، من الدول التي ترتفع فيها نسبة القرصنة الفكرية، بشكل كبير، بكل أنواعها. ويعزو السبب في ذلك، إلى ضعف ملاحقة الأجهزة الأمنية المختصة للمعتدين على قانون الملكية الفكرية، من جهة؛ وإلى طول المدة التي يستغرقها الفصل في الدعاوى القضائية ضدَّ منتهكي هذه الحقوق، من جهة أخرى. وعلى الرغم من تدوين عبارة “الحقوق محفوظة” على المنتج، يلفت عبد الصمد إلى عدم قيام لبنان، حتى الآن بالتوقيع على عدد من الإتفاقيات المهمة التي تحمي الملكية الفكرية، موضحاً أنّ هذا يعني أنّ اللبنانيين غير مشمولين بحماية الملكية الفكرية، خارج حدود دولتهم؛ مما يحتِّم عليهم التوجُّه إلى كل دولة من دول العالم؛ لتسجيل براءة ابتكاراتهم، ومؤلفاتهم، وهذا أمر مستحيل”، يقول عبد الصمد.
حقوق مادية معنوية
أمّا الكاتب ومدير دار نلسن للنشر “سليمان بختي”، فيشدد في حديثه لـ “أحوال”، على ضرورة أن يحصل المبدعون والمستثمرون لهذه الأعمال، على العائدات المالية المعقولة، التي تمكِّنهم من تغطية كُلَف إبداعاتهم واستثماراتهم من الجهد والمال، وذلك لن يتحقق، إلا بوجود أنظمة قانونية للحفاظ عليها من عملية الانتهاك.
ويشير “بختي” أيضاً إلى مخالفات واضحة لقانون الملكية الفكرية، ترتكبها بعض دور النشر، كقيامها بإعادة طباعة كتبٍ لكتَّاب الذائعي الصيت، خارج أيِّ اتفاق معنوي، أو مادي معهم، أو مع ورثتهم، في حال كانوا متوفِّين، ثم بيعها بنصف سعرها الأصلي.
معركة على القانون
قانون حماية الملكية لم يمرّ بسهولة في مجلس النواب، وقد شهد ضغوطات وتدخلات خارجية، من سفراء الولايات المتحدة، من أجل إقراره بالشكل الذي يناسب مصالح أميركا وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، يكشف النائب السابق الدكتور مروان فارس، والذي كان من أبرز العاملين على إقرار هذا القانون لـ “أحوال” بعض ما جرى في الكواليس، قبل إقرار القانون، فيقول: “تقدَّم عدد من النُّواب باقتراح لتعديل هذا القانون، وأُقرَّ في اللجان النيابية”. ويضيف، كان واضحاً منذ البداية أنّ هذا القانون لا يرمي إلى حماية إنتاجات المبدعين، بل يرمي إلى حماية مصالح أصحاب شركات الكمبيوتر، في وقت أصبحت فيه برامج الكمبيوتر أداة الولوج إلى العصر المقبل؛ وهي في الوقت عينه أداة السيطرة العالمية الجديدة، في نظام العولمة.
ويوضح النائب السابق عندما قرأنا اقتراح القانون تبيَّن لنا أنّ هناك شيئاً غامضاً في الموضوع؛ فالمادة 24 من اقتراح القانون كانت ترمي إلى حماية برامج الكمبيوتر، وليس حماية الملكية الأدبية، وهي أتت بطلب مباشر من سفراء الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، من ريتشادر جونز، إلى ديفيد سترفيلد، وهي أي المادة، تسعى لحماية المصالح الأميركية المستفيدة من شركة “مايكروسوفت”.
ويضيف: “لذلك اعتبرنا أنّ المعركة ليست معركة شركة، بل معركة الدولة المسيطرة على النظام العالمي الجديد”، لافتاً إلى أنّ سيطرة هذا النظام تصبح أكثر إحكاماً عبر برامج الكمبيوتر.
لا يمكن للبنان أن يدخل المعركة
كما يكشف “فارس” أيضاً أنّ وزير التجارة الخارجية الأميركي الذي زار لبنان، يومها، أسهب بالحديث عن قانون حماية الملكية الفكرية، في لبنان. ويضيف: رأينا أنّ المعركة كبيرة، وهي معركة العصر، ولا يمكن للبنان أن يدخل هذه المعركة، دون أن يكون مزوَّدا بالمعارف والمعلومات الحقيقية حول هذا الموضوع.
ويتابع فارس، يومها، وبناءً على مطالبة كتلة نوَّاب الحزب السوري القومي الاجتماعي، تعهَّد وزير الاقتصاد، ياسين جابر، أمام اللجان النيابية بأن تحدَّد أسعاراً خاصة للطلاب والجامعات والمدارس وطلاب التعليم المهني والتقني، إلا أن تعدُّد شركات الكمبيوتر في العالم جعل هذا الوعد مجرد وهم؛ وهذا ما جعلنا نعتبر أنّ ما يحدث يشكِّل خطراً كبيراً على مصلحة الناشئة، والطلاب، وعلى كل المتعلمين والباحثين عن المعرفة. وكان رأينا أنّ خطورة القانون، في حال إقراره، تكمن كما ورد، في المادة 24 من الفصل السادس، فهو يحوّل في الفقرة الأخيرة دون أن يتمكَّن الطلاب من اقتناء برنامج تعليمي واحد، في عصر لا يمكن الدخول إلى معارفه، إلا عبر الكمبيوتر؛ لذا اقترحنا أن يُضاف على الفقرة الأخيرة من المادة 24 ما ملخَّصه: “لا تُسجَّل ولا تُنسَخ برامج الحاسوب، إلا إذا قام بذلك الشخص لأسباب تعليمية مدرسية، أو جامعية تحدَّد بموجب قرار من وزير الاقتصاد، حتى لا يصبح الإبداع في لبنان سلعة تجارية”.
ويضيف فارس، “كنَّا في السابق قد تقدَّمنا باقتراحات لتعديل هذه المادة أيضاً: “كان شعورنا، منذ البداية، أنّ هناك شيء مريب. ونتيجةً للاتصالات التي قمنا بها أجَّل الرئيس بري البتَّ باقتراح القانون إلى جلسة مقبلة. واشترط أن تقدِّم الحكومة الضمانات الضرورية والكافية لحماية مصلحة الطلاب والقطاع التعليمي والأكَّاديمي. ويؤكد أنّ المكان الذي تجري فيه القرصنة هو إسرائيل، ومعظم أجهزة الكمبيوتر تُصنَع هناك، والقرصنة تجري في منازل الإسرائيليين، ومنها تأتي إلى لبنان والدول العربية، عن طريق قبرص”.
نبيل المقدم