بالصور – وزير الثقافة يفتتح الملتقى الاقليمي حول “حماية التراث الثقافي وصونه في فترة الازمات”
تساءل وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى “كيف يترك لبنان وشعبه يعاني وحيدا أدهى المرارات على الرغم من انه حمل عن الامة جمعاء الاحمال الجسام، احمال لا قبل له نظريا على حملها، فهو حمل وكاد ان يكون منفردا هم القضية العربية ثم واجه، وكاد ان يكون منفردا، تلك القوة الشيطانية العتية التي زرعتها يد الشر في منطقتنا والتي استهدفتنا على مر عقود بعدوانها طمعا في ارضنا وثرواتنا”.
وقال المرتضى امام وفد من الدول العربية: “بقلب متصالح، ايها الاشقاء الاحبة، بالله عليكم اجيبوني، كيف يستقيم ان يسعى بعض اشقائنا بحجة البراغماتية والواقعية الى تطبيع مع الشيطان ويديرون في الآن عينه ظهورهم ويوصدون قلوبهم تجاه شقيقهم الاصغر لبنان؟”.
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وافتتاحه الملتقى الاقليمي “حماية التراث والممتلكات الثقافية في البلدان العربية في اوقات الازمات”، الذي استضافته وزارة الثقافة بالتشارك مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو، في المكتبة الوطنية، في حضور وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال القاضي عباس الحلبي، ممثل المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الالكسو” مراد محمودي، محافظ بيروت القاضي مروان عبود ورئيس بلدية بيروت جمال عيتاني وعدد كبير من الفاعليات والشخصيات وممثلي المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالحدث.
المرتضى
وكانت كلمة للوزير المرتضى قال فيها: “أيها الأشقاء، أهلا وسهلا بكم في بلدكم وفي المكتبة الوطنية جوهرة الجمهورية اللبنانية، أهلا وسهلا بكم في لبنان، الشقيق الأصغر لأشقائه وشقيقاته الذي وفي زمن جميل مضى كان صاحب الدور الأفعل والأفضل في عائلته العربية اذ كان مدرسة العرب وجامعتهم ومشفاهم ودار نشرهم ومؤئل فكرهم الحر ومبطعتهم وقبلتهم الثقافية وملاذهم اذا ادلهمت أوضاعهم السياسية ومصرفهم ومتنفسهم ووجهتهم في الصيف وفي كل الفصول وارض نزهتهم…كان اشقاؤنا العرب، وما برحوا، يعشقون لبنان عشقهم للحياة، وفيه كانت الترجمة الفعلية لتوقهم بأن يحيوها على أجمل وأوفى ما تكون”.
اضاف: “ذلك أيها الأحبة كان في زمن جميل مضى، أما اليوم فلبنان، ذلك الشقيق الأصغر، الذي ما برح ينبري للعب أكبر الأدوار على مستوى مصير منطقتنا وأمتنا، متروك هو شعبه ليعاني وحيدا أدهى المرارات، على الرغم من أنه حمل عن الأمة جمعاء الأحمال الجسام، أحمال لا قبل له نظريا على حملها فهو حمل وكاد أن يكون منفردا هم القضية العربية ثم واجه وكاد أن يكون منفردا تلك القوة الشيطانية العتية التي زرعتها يد الشر في منطقتنا والتي استهدفتنا على مر عقود بعدوانها طمعا في ارضنا وثرواتنا مرات ولنكون وطنا بديلا ولكوننا بتنوعنا وانفتاحنا النقيض لعنصريتها المقيتة مرات أخرى، لكننا تعملقنا وخرجنا من كهف منطق “أن قوة لبنان في ضعفه” الى رحاب فجر أن قوة لبنان في اقتداره ووحدة ابنائه ومقاومتهم فأجهضنا مساع اسرائيل ودحرناها الى خارج حدودنا مع فلسطين المحتلة ثم رددناها خائبة عندما عاودت كرة محاولة اجتياحنا في العام 2006 كما رفضنا الرضوخ والتسليم لمشروع الشرق الأوسط الجديد وتصدينا لوحش الإرهاب التكفيري الذي أطلق على منطقتنا .وعلى اثر تجاوزنا لتلك المحن ونجاحنا في كل امتحانات العزة تلك ابتلتنا يد الشر بحصار اقتصادي يحول اليوم دوننا والأساسيات. لكننا ما برحنا، وسوف نستمر، صامدين ثابتين على قاعدة ” أن الروح هي اللي بتقاتل فينا”. ولكن ويا للأسف ما برحنا، وأرجو أن لا نبقى، متروكين لمصيرنا ولا سيما من بعض اشقائنا العرب”.
وتابع:” أيها الأشقاء الأحبة بالله عليكم اجيبوني كيف يستقيم أن يسعى بعض اشقائنا بحجة البراغماتية والواقعية الى تطبيع مع “الشيطان” ويديرون في الآن عينه ظهورهم ويوصدون قلوبهم تجاه شقيقهم الأصغر لبنان؟ أيها الأحبة لا اقول هذا الا من قلب محب متصالح ومن عقل يتطلع الى أحسن العلاقات مع اشقائنا العرب منطلقا من ما قاله شاعرنا “المقنع الكندي” في قصيدته الشهيرة:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن بادهوني بالعداوة لم أكن أبادههم إلا بما ينعت الرشدا
وإن قطعوا مني الأواصر ضلة وصلت لهم مني المحبة والودا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كريم القوم من يحمل الحقدا”
واردف: “الحقيقة أيها الأحبة أنه على الرغم من كل شيء فإن لبنان لم يتوقف عن السعي إلى المحافظة على دوره الريادي في التربية والثقافة والحفاظ على مواقعه الأثرية ومحاربة الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية، عبر التعاون مع المنظمة والهيئات الدولية المعنية، ولم يتوقف كذلك عن إيلاء التنوع الثقافي الذي هو هواء لبنان أولوية قصوى. لكن أزماته التي تزداد وطأتها بالاعتداءات الإسرائيلية المتمادية، وبوجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين المنتشرين على كامل الجغرافيا اللبنانية، ممن ينوء بهم الاقتصاد، توجب علينا جميعا السعي إلى إيجاد حلول جذرية للمسألتين الفلسطينية والسورية برفع الاحتلال ووقف الاعتداء واجتثاث الإرهاب، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان ومقتضيات ثقافة السلام”.
وأكد “ان لبنان حريص على البقاء في طليعة الدول المتمسكة برسالة الحرية والتعددية والتنوع، فهو بتكوينه مساحة عيش واحد ولقاء وحوار، أما ما عجزت عنه الحروب العسكرية المتكررة التي جرى خوضها ضده وفيه من أجل إخضاعه وهدم دوره فتخاض اليوم- وكما ذكرت- بشكل آخر ووسائل أخرى منها تأليب اللبنانيين بعضهم على بعض ورفع الحواجز النفسية فيما بينهم وتأجيج الغرائزية والطائفية فضلا عن تزخيم الأزمات ومنها الإقتصادية بما لها من تداعيات إجتماعية على نحو أدى ويؤدي الى جعل العديد من اللبنانيين يركنون الى الهجرة سعيا للعيش في ظروف أفضل وهذا ما يتهدد التنوع اللبناني الفريد بنوعيته المتميزة ويتهدد بالتالي فرادة لبنان بل السبب الموجب لبقائه ككيان؛ ووزارة الثقافة اللبنانية مصرة على أن تلعب دورا على مستوى بناء جسور التلاقي التي وحدها تجعلنا نخرج من كهوفنا النفسية ونتحرر من خوفنا ونستعيد ثقتنا بذواتنا وببلدنا وننطلق في عملية بناء الإنسان والوطن على اسس افضل ليستعيد دوره مركزا للإشعاع الحضاري والتعاون الإنساني وأنموذجا يقتدى به على مستوى قبول الآخر، ونحن نتطلع إلى دعم المنظمة ودعمكم، ليبقى لبنان وفيا لدوره قائما به على أكمل وجه، تحقيقا لرسالته الإنسانية ولمعنى وجوده”.
وقال المرتضى: “أنتم في لبنان بلد حميد فرنجية رئيس المؤتمر العام للأونيسكو، وبلد عارف الريس وإشارات قدموس التي ترتفع على أحد حيطان مركز تلك المنظمة في باريس، وبلد أنطوان غطاس كرم صاحب “كتاب عبدلله” من سلسلة “الروائع الأدبية” للمنظمة، وبلد الإمام موسى الصدر وكمال جنبلاط والشيخ صبحي الصالح والمطران جورج خضر والأب يواكيم مبارك والمطران غريغوار حداد وكثيرين غيرهم ممن بادروا إلى إجراء حوار مسيحي إسلامي في سبعينيات القرن الماضي لتكون مبادرتهم فاتحة ما عرف لاحقا بحوار الأديان، وينبغي لي أن أذكر بأن بيروت التي استضافت المؤتمر العام الثالث سنة 1948 شيدت لتلك المناسبة قصرا لا يزال اسمه حتى اليوم “قصر الأونسكو اصبح اليوم هو المقر الرسمي لوزارة الثقافة. وبيروت أيضا منذ العام 1961 تستضيف مكتبا إقليميا فاعلا جدا. وهي العاصمة التي صنفت مدينة مبدعة للأدب عام 2019 بعدما كانت عاصمة عالمية للكتاب في 2009. وغير بعيد منها، تقع مدينة جبيل أم الأبجدية وناقلتها إلى العالم، التي تستضيف المركز الدولي لعلوم الإنسان. استلهموا ذلك جميعهم وايضا جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة وحسن كامل الصباح وفيروز وغيرهم مئات الآلاف من اللبنانيين المبدعين عربيا وعالميا استلهموه فتجدون مؤتمركم موفقا بإذن الله”.
وختم: “حللتم أهلا ووطأتهم سهلا، أنتم أهلنا وبني قومنا وفي بلدكم وبين أخوانكم الذين يحبونكم حبا جما ويقولون فيكم ما قاله ذلك الشاعر:
على أن قومي ما ترى عين ناظر كشيبهم شيبا ولا مردهم مردا
بفضل أحلام وجود وسؤدد وقومي ربيع الزمان اذا شدا
أتمنى لكم كل الخير والتوفيق، عاشت الألكسو منارة تشع على عالمنا العربي تعاونا وتعاضدا وسلاما، عشتم وعاش لبنان”.
نشابه
كما ألقت الامينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو هبه نشابه كلمة بالمناسبة اكدت فيها “ان التراث شاهد التاريخ العربي المجيد وحافظ الهوية الاصلية التي نتغنى بها ونصونها ونحفظها في كل آن وزمان”.
وعرضت ما يحصل في فلسطين من فعل “متعمد من سلطات الاحتلال الصهيوني على محو الطابع العربي والمحاولة في تهويد قدسنا الشريف، عدا عما حصل في العراق وتهريب الاثار وما فعلته العصابات التكفيرية من تدمير للاثار ايضا في افغانستان”، لافتة الى ان “ما حصل في عاصمتنا بيروت والكارثة التاريخية جراء انفجار 4 اب الذي أطاح ايضا بمعالم الحياة وحجب البسمة وأرخى بصوب الحزن والموت على مدينة كطائر الفينيق تنهض من رمادها”.
واعتبرت “ان التراث، بكل اشكاله، عادة ما يكون اول ضحايا النزاعات والحروب حين تسود فلسفة الحفاظ على النفس، وهو ليس التهويد الوحيد، هناك انواع اخرى من التهويد كالعولمة التي تهمش خصوصياتنا الثقافية والمخاطر البيئية وانعدام ثقافة الحرص على التراث وتعزيزه”، آملة من المؤتمر الاخذ بالاعتبار كل ما ذكرته ومناقشته.
بوشناكي
وتخلل الافتتاح كلمة لممثل الامين العام للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع “أليف” عضو اللجنة العلمية للتحالف منير بوشناكي، موضحا ان “أليف” تمنت ان تكون شريكا في هذا اللقاء جنبا الى جنب مع الالكسو ولبنان واليونيسكو، لانها تمثل اليوم اكثر من 150 مشروعا لحماية او اعادة تأهيل التراث في 30 دولة في حالة نزاع او خارجة من الازمات”.
واعلن “ان التحالف يعمل على تمويل ودعم المشاريع التي تلبي اكبر قدر من احتياجات الدول في حالة حرب او خارجة منه”.
محمودي
بدوره قال ممثل المدير العام لـ “الالكسو” محمودي: “ان المنظمة من واقع مسؤوليتها التاريخية للحفاظ على رمز الهوية العربية قررت الانخراط في السياسات الدولية مع شركائها من المنظمات لايجاد الحلول المناسبة لايقاف هذا النزيف من التدهور والمتعلق بالتراث خلال الازمات”.
واعرب عن أمله في “أن يسفر الملتقى الذي ينعقد تحت عنوان حماية التراث والمتلكات الثقافية في البلدان العربية في اوقات الازمات بافضل النتائج وذلك من خلال البرامج المقررة وتبادل الخبرات بين المجتمعين من مختلف الدول العربية وعرض التجارب لا سيما منها اللبنانية، حيث سيؤدي كل ذلك حتما الى الاستفادة والتشجيع على المزيد من الاهتمام بالتراث الثقافي وتقديم المساعدة التقنية والفنية للدول العربية ذات الاوضاع الخاصة والاستفادة من البرامج الدولية المتوافرة في الغرض، والمزيد من التنسيق مع منظمتهم العربية للدعم العربي المشترك لما لذلك من نجاعة واستدامة كبيرة، ليس فقط في مجال التراث الثقافي وانما في كل مجالات عمل الالكسو”.