وصفت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب الحكومة اللبنانية التي تدخل في مرحلة تصريف الاعمال غداً السبت عقب الانتخابات البرلمانية، انها حكومة “الفرص الضائعة والوعود الكاذبة، كما غيرها من الحكومات التي سبقتها منذ انشاء الهيئة حتى اليوم”.
وفي هجوم هو الاعنف تشنه هيئة رسمية مستقلة معينة بموجب قانون يمنح اعضائها ولاية شبه قضائية وحصانة بالاستناد إلى قسم يمين يؤدونه أمام رئيس الجمهورية، قال رئيس الهيئة الدكتور فادي جرجس خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر جمعية “المفكرة القانونية” في بيروت ” ندين بشدة جميع المحاولات التي سعت إلى تكريس سلطة وصاية أو رقابة مسبقة على الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لاسيما من قبل وزارتي العدل والمالية، وادعو حكومة تصريف الأعمال الى استكمال دورها، دون مماطلة او ابطاء، في تفعيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة اللجنة الوقاية من التعذيب، وإقرار جميع مراسيمها التنظيمية لا سيما نظامها الداخلي والمالي ومخصصات اعضائها وتخصيص مقر لائق لتسيير أعمالها، لتكون مستقلّة عن أي سلطة، ولكي تتمكن من الاضطلاع بفعالية بولايتها المتمثّلة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة للجميع، على النحو المبيّن في إعلان وبرنامج عمل فيينا، وعلى القيام بذلك وفقًا لمبادئ باريس التي ترعى عمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان”.
وأضاف جرجس:” الإعلام ملاذ لنا لخلق رأي عام يدعم حقوق الانسان في لبنان، التجاوزات لحقوق الإنسان ضخمة وكبيرة لدرجة انه ضربت الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً لجهة عدم قدرة المودعين في الوصول إلى مدخراتهم في المصارف وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى ضرب معظم حقوق الإنسان في لبنان.
ودعا جرجس “السلطات القضائية إلى ممارسة دور ريادي في تكريس استقلالية الهيئة وتفعيل دورها، لا سيما لجهة إبداء الرأي في أنظمتها بما لا يخالف مبدأ الاستقلالية وبما يتوافق مع قانون إنشائها لا سيما صلاحيتها لجهة مراقبة النزاع ورصد وتوثيق الانتهاكات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وشدد على ضرورة الكف عن الاستنسابية في تطبيق القوانين المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان خصوصاً لجهة تجريم التعذيب ومحاكمة مرتكبيه، واحترام الضمانات المكرسة في التعديل الأخير على المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، وغيرها من القوانين ذات الصلة.
وختم جرجس” استنفذت جميع المهلة. وكشفت جميع الأقنعة. وسقطت جميع الذرائع والحجج. واضاع مجلس الوزراء الفرصة الأخيرة لاثبات حسن النية بأن يقر النظامين الداخلي والمالي للهيئة دون تعديل ودون تدخل من وزير العدل أو وزير المالية أو أي وزير آخر، وطالما لم يقم مجلس الوزراء بهذه الخطوة فإن القرار بتعطيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان واضح وضوح الشمس، والجهات المعطلة معروفة بالاسم والدور. ومَا خَفِيَ كَانَ أَعْظَمَ!
بدوره رحب المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية بأعضاء الهيئة لافتاً إلى أن الهيئة التي أنشئت عام 2016 يواجه تفعيلها العراقيل تلو الاخرى، وهذا المؤتمر يعقد للاعتراض على هذه العوائق واترك لأعضاء الهيئة الإعلان عن التفاصيل المتعلقة بهذه القضية.
مفوض العلاقات الدولية والإعلام في الهيئة بسام القنطار أعلن أن الهدف من المؤتمر هو فضح الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من قبل وزارتي العدل والمالية بحق هيئة مستقلة كفل القانون اللبناني والاتفاقات الدولية ذات الصلة استقلاليتها ولم يكن الهدف من انشائها من قبل السلطات اللبنانية إلا من أجل أن تكون مستقلة ولديها مهمة واضحة وهي حماية وتعزيز حقوق الإنسان في لبنان.
واضاف” لدينا حزمة كبيرة من المراسلات بين الوزارات ومحاضر التفاوض واللقاءات على امتداد أربع سنوات شملت جميع الجهات المعنية لا سيما رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيين والادارة من مدراء عامين ورؤساء مصالح واللجان البرلمانية وصولاً إلى مجلس شورى الدولة، حيث ابلغنا الجميع بالأسباب الموجبة التي تحتم على الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وضع نظام داخلي يكرس استقلاليتها ويمكنها من أداء مهامها ومن الحصول على الاعتماد في المركز “ألف” ضمن الائتلاف العالمي للهيئات الوطنية المستقلة داخل منظومة الأمم المتحدة لا سيما مجلس حقوق الإنسان.
وتابع:” للأسف الشديد هذه الحكومة التي تجتمع اليوم في جلسة هي الأخيرة قبل الدخول في مرحلة تصريف الأعمال يمكن وصف ما حدث معنا باننا واجهنا حكومة الفرص الضائعة والوعود الكاذبة كما غيرها من الحكومات التي سبقتها منذ انشاء الهيئة حتى اليوم. وفقًا لأحكام المادة 7 من القانون رقم 62/2016، قدّمت الهيئة إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء مشروع رسوم النظامين الداخلي والمالي انسجاماً مع رأيين صادرين عن مجلس شورى الدولة وملاحظات قدمتها وزارة المالية. عرض المرسومين في جلسة عقدها مجلس الوزراء في 24 كانون الثاني 2022 وتأجل البحث إلى جلسة لاحقة، لنفاجأ أن وزارة المالية أرسلت ملاحظات اضافية على النظام المالي تقوض استقلالية الهيئة وتخالف مبادئ باريس التي ترعى انشائها، قبل يوم من مناقشة مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت بتاريخ 8 شباط 2022 مشروع مرسومي النظام الداخلي والمالي للهيئة . كما قدمت وزارة العدل ملاحظات يوم أمس 19 أيار 2022، تتعارض مع أحكام القانون والاتفاقيات الدولية لا سيما البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، معطلة بذلك إمكانية عرض الموضوع على جدول اعمال مجلس الوزراء الأخير اليوم قبل الدخول في فترة تصريف الأعمال.
وأضاف القنطار:” تبين لنا ان السلطات القضائية الممثلة بمجلس شورى الدولة إما انه لا يناسبها وجود هيئة مستقلة بصلاحيات شبه قضائية أو لم تقرأ القانون 62 / 2016 لأن ما صدر عن الغرفة الإدارية التي يرأسها رئيس مجلس شورى الدولة فضيحة. حيث انحازت السلطة القضائية بشكل غير مسبوق إلى نزع صفة “الاستقلال الكامل للهيئة عن أية سلطة أخرى” كما نص قانون انشائها، وسعت إلى تكريس سلطة وصاية وزارة العدل عليها، ونزع صلاحياتها لا سيما صلاحية رصد انتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما يخالف قانون انشائها. وجاء رأي وزير العدل ليستكمل نفس النهج معترضاً على دور الهيئة في رصد انتهاكات حقوق الطفل ومكافحة الاتجار بالبشر معتبراً أن هذه الصلاحيات تتعارض مع ما تقوم به الضابطة العدلية الممثلة بالشرطة القضائية وهذا ان دل على شيئ يدل على أن وزارة العدل لا تميز أبسط قواعد عمل الهيئات المستقلة لحقوق الإنسان التي تعمل كوسيط مظالم وهيئة لتلقي الشكاوى ورصد انتهاكات جميع اجهزة انفاذ القانون لا سيما الضابطة العدلية. ووضع القنطار “هذه الفضيحة برسم التفتيش القضائي ومجلس القضاء الاعلى داعياً إلى التراجع عن اصدار قرارات وتفسيرات تتعارض مع القوانين والدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وحول دور وزارة المالية في تقويض استقلالية الهيئة قال القنطار:” ترفض وزارة المالية تطبيق القانون رقم 273 الصادر عن مجلس النواب في شهر آذار الماضي، والذي أكد أن للهيئة الوطنية باب مستقل في الموازنة على غرار الباب المخصص للمجلس الدستوري ، كما ترفض إنشاء وظيفة تعزيز وحماية حقوق الإنسان ضمن الوظائف العامة في الموازنة وتصر على توصيف وظيفة الهيئة تارة في خانة الحماية المدنية وتارة أخرى في خانة الحماية الاجتماعية غير المصنفة، داعياً وزير المالية إلى إصدار قرار باسرع وقت ينهي هذه الممارسات والتوصيفات غير القانونية ويحدد تبويب موازنة الهيئة ووظيفتها ضمن الموازنة العامة في باب مستقل وفق ما ينص عليه القانون وإلى التراجع عن اي ملاحظات على النظام المالي يكرس سلطة وصاية من قبل وزارة المالية على الهيئة أو سلطة رقابة مسبقة لديوان المحاسبة خصوصاً أن القانون واضحة لجهة سلطة الرقابة اللاحقة للديوان على مالية الهيئة وحساباتها التي تخضع ايضا لتدقيق داخلي ولتدقيق خارجي من قبل جهة مختصة بالتدقيق المالي”.
وختم القنطار” جميع الآراء التي صدرت عن وزارتي المالية والعدل مرفوضة ومردوده ولا يمكن لهيئة حقوق الإنسان أن تقبل بهذه الوصاية التي يسعون لتكريسها وبهذا التقليم لصلاحيات الهيئة التي كرسها القانون”.