مقايضة هوكشتاين للبنان.. تنازل في البلوك 9 مقابل خط الغاز العربي
خبراء يُحذّرون من الفخ الاسرائيلي: ترسيم "الحقول" "طُعم" التطبيع
لايزال الغموض يعتري زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود آموس هوكشتاين لجهة طبيعة المقترحات التي حملها خلال جولة المباحثات التي أجراها مع المسؤولين في لبنان.
وإذ حرص المسؤولون على إبقاء المباحثات طيّ الكتمان، كشفت جهات مطلعة على بعض اللقاءات التي أجراها الزائر الاميركي لـ”أحوال” إلى أنه لم يقدم أي طرح جديد، بل كرر طروحاته السابقة لكن بصيغ أخرى مع بعض التعديلات التي تحمل إغراءات للبنان بيد والجزرة بيد أخرى، ولو أنها كانت أكثر جدية، لكنها تحمل طروحات بطرق مواربة في محاولة لإقناع الدولة اللبنانية بحلول أقرب للمصلحة الاسرائيلية.
ولخصت الجهات الموقف اللبناني الرسمي الذي سمعه، مشيرة الى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري رفض خط “هوف” أي الخط رقم1 فضلاً عن رفضه التلزيم الاسرائيلي في المنطقة المتنازع عنها قبل أي حل يثبت الحقوق اللبنانية كاملة وتمسك باتفاق الاطار. أما رئيس الجمهورية ميشال عون فسمع طروحات هوكشتاين ووعده بدراستها والرد عليها قريباً، وتم الخوض في تفاصيل هذه الطروحات التقنية والقانونية خلال لقاء جمع المبعوث الاميركي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب ومستشار عون النائب الياس بوصعب، فيما فضل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التريث والتشاور مع عون وبري للاتفاق على موقف موحد.
وأشارت أوساط مطلعة على ملف الترسيم لـ”أحوال” إلى أن المناخ التفاؤلي الذي يبث في وسائل الاعلام عن تقدم في الملف غير صحيح والهدف منه المزيد من الضغط على لبنان وتحميله مسؤولية فشل المفاوضات، كاشفة أن اقتراح هوكشتاين غير مقبول لبنانياً لأنه يهدد الحقوق البحرية اللبنانية. وتلخص ما أراد هوكشتاين ايصاله للمسؤولين: تنازلوا في البلوك 9 (حقل قانا) ونُقنِع “إسرائيل” بحل يمنحكم حصة منه ونسهل خط الغاز العربي.
وتستشف المصادر عقبات عدة أمام استئناف مفاوضات الترسيم في الناقورة المتوقفة من حوالي العام وأبرزها ما يعيق الحل:
السبب الأول: رفض “إسرائيل” الإقرار بالخط 29 الذي رسمه الجيش اللبناني وأكد عليه الوفد اللبناني العسكري المفاوض في جولة المفاوضات الأخيرة وكرسته الرسالة اللبنانية الأخيرة الى الأمم المتحدة وبالتالي لاتزال إسرائيل ترفض البدء بالمفاوضات من الخط 29 وهي التي انسحبت من الجلسة الأخيرة وعلقت المفاوضات بسبب تشبث الوفد اللبناني بهذا الخط.
السبب الثاني: الخلل الناشئ في الوفد اللبناني وعدم الاتفاق على تعيين بديل عن رئيس الوفد العميد الركن بسام ياسين الذي أُحيل الى التقاعد، وبالتالي هناك صعوبة لإيجاد ضابط يقبل التنازل عن الخط 29 الذي رسمه الجيش ويكون محل توافق بين عون و”الثنائي الشيعي”، وكذلك لا يمكن تعيين ضابط غير شيعي ما يؤدي الى توتر بين بعبدا وعين التينة.
الثالث: لا يمكن للبنان أن يقبل بالترسيم المتعرج تحت الماء لأنه يفقد الدولة اللبنانية أوراق قواتها ويكرس واقعاً جديداً على الحدود تستفيد منه “إسرائيل” لقرصنة ثروة لبنان، لذلك ترى الأوساط بأن المفاوضات معقدة أكثر مما نتوقع.
وعن الحل الذي طرحه هوكشتاين أي التفاوض تحت الماء واقتسام المساحة المتنازع عليها والاستثمار المشترك، أوضح خبراء عسكريون وقانونيون متابعون للملف لـ”أحوال” أن “هذا الطرح يواجه عقدة تداخل الحقول ما سيفرض التعاون الميداني بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي بمثابة “الطعم” للتطبيع النفطي – الغازي – الاقتصادي المقنع، وهذا ما وضع عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الخط الأحمر العريض في اطلالته الاخيرة.
ولاحظ الخبراء تبدلاً في أدبيات المبعوث الاميركي بين زيارته الاولى والثانية:
*استخدم مصطلح “الاتفاق الحبي” بدل “اتفاق الإطار” أي يريد تنازلاً متبادلاً من الطرفين خارج قواعد التفاوض والمرجعيات الدولية
*استخدم مصطلح “صفقة” بدل “ترسيم”
*ربط بين الترسيم وبين استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر، ما يخفي ابتزازاً أميركيا واضحاً للمقايضة بين تسهيل وصول الغاز والكهرباء مقابل تنازل لبنان في ملف الترسيم.
ويضيئ الخبراء على خطورة بالغة تتمثل بالاطاحة بقانون البحار والمرجعيات الدولية التي يستند اليها لبنان في المفاوضات وتحمي الحقوق والثروة النفطية والغازية، محذرين من فخ “أميركي – اسرائيلي” للسطو على حقوق لبنان مستخدمين وسائل الضغط الاقتصادية وسلاح العقوبات والتهديد واستغلال الانهيار المالي والاقتصادي الذي يواجهه لبنان، لأن أي حل بهذا الاطار (الترسيم تحت الماء) سيعني أخذ “إسرائيل” ما تريده وتكرس اسقاط مرجعية القانون الدولي في المفاوضات. ودعا الخبراء لبنان لعدم التنازل والرضوخ للضغوط حتى لو طال أمد الترسيم، لأن الامر لم يعد مساحة بحرية أو الاف أمتار مكعبة، بل كشف الحدود اللبنانية.
محمد حمية