مقاربة جديدة لعون بملف الترسيم وتلازم المسارين يعقّد المفاوضات
ثوابت رئيس الجمهورية: ترسيم البحر وتحرير البر
أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري التوصّل إلى اتفاق إطار للمفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في ملف ترسيم الحدود بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة على أساس تلازم الترسيم على المسارين البرّي والبحري، موضحاً أيضاً أنّ مهمته انتهت وانتقلت إدارة التفاوض في الملف إلى قيادة الجيش اللبناني بإشراف رئيس الجمهورية والحكومة المقبلة، وفقاً للمادة 52 من الدستور التي تمنح رئيس البلاد حق المفاوضة وعقد الاتفاقات الدولية.
فهل يعني أنّنا اقتربنا من التوصّل إلى حلّ لترسيم الحدود أم أننا ما زلنا في بداية الطريق المليئة بألغام التفاصيل وشياطينها؟
ثوابت عون ومرجعيات التفاوض
أوساط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشير لـ”أحوال” إلى أنّ الملف أصبح بعهدة رئيس الجمهورية الذي سيعيد تنظيم التفاوض حياله مع المسؤولين التقنيين والعسكريين في هذا الملف، كاشفة أنّ “رئيس الجمهورية لديه مقاربة مختلفة لمسألة تلازم المسارين البرّي والبحري”.
أكثر من مصدر مطّلع على الملف يشير لـ”أحوال” إلى أنّ لرئيس الجمهورية ثوابته لمقاربة الملف، وهي:
- ترسيم بحري لا ترسيم برّي، حيث تكون المرجعية الأولى هي اتفاقية البحار والمرجعية الثانية اتفاقية الهدنة التي تؤكد على الحدود البرية.
- المرجعية الثالثة القرار 425 .
- الرابعة القرار 1701.
أمّا الخط الأزرق بحسب المصادر، فلا يعني لبنان لأنّه ليس خط حدود دولية. وكانت اللجنة العسكرية الثلاثية التي تولّت المفاوضات الثلاثية غير المباشرة اعتبرت هذا الخط لاغياً في العام 2000 لانتهاء مهمته.
ويؤكد متابعون أنّ أي تفاوض على الحدود البرية المعترف بها دولياً وفقاً للقرارات الدولية يعني استعداداً للتنازل عن قسم من هذه الحدود، لذلك “آلية الترسيم يجب أن تحصر في الحدود البرية بحجة أن ليس هناك حدوداً بحرية مع فلسطين المحتلة.”
أمّا في البرّ، فسيُطالب لبنان بتحرير الحدود البرية من الإعتداءات الإسرائيلية في النقاط الـ13 بعد العام 2006.
ويشدّد المطّلعون على الملف على أنّ “لبنان لن يتنازل عن حقّه في المنطقة التي تُنازعنا عليها إسرائيل، بل ستركّز المفاوضات على تثبيت حقنا في مساحة 850 كيلومتراً مربعاً كاملة”،علماً أنّ لبنان بحسب المصادر أعدّ الدراسات والوثاثق والأدلة التي تثبت ذلك وسيعرضها في أول جلسة تفاوض.
لكن المصادر توضح أنّ “إعلان اتفاق الإطار لا يعني التوصّل إلى حلّ لملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي في وقت قريب، فالتباين حول نقطة تلازم المسارين في الترسيم يمكن أن يفجّر المفاوضات في أي وقت”.
شحيتلي: الملف بعهدة قيادة الجيش
وبحسب اللواء المتقاعد في الجيش اللبناني عبد الرحمن شحيتلي، والذي كان قد ترأس اللجنة الأمنية للتفاوض في هذا الملف في مراحل سابقة، فإنّ المفاوضات التقنية يمكن أن تبدأ خلال أسبوع أو أسبوعين.
ويوضح لـ”أحوال” أنّ التفاوض وفق آلية تلازم المسارين البرّي والبحري يعني ضرورة نجاح التفاوض على المسارين، وإنّ أي فشل في مسار سيوقف المسار الآخر حتى حلّ الخلاف على المسار الأول. ويلفت شحيتلي إلى أنّ لدى الجيش لجنة أساسية للتفاوض على البرّ ولجنة فرعية للتفاوض على البحر من أصحاب الإختصاص، ويمكنه الإستعانة بخبرات خارجية نظراً لأنّ تقنيات البحر تختلف عن تقنيات البرّ. ويشدّد على أنّ هذا الأمر يعود إلى قيادة الجيش التي هي قادرة على إدارة هذا الملف بكفاءة ووطنية عاليتين، وهو كان قد قاد هذه المفاوضات العملية منذ العام 2010.
ولفت إلى أنّ الجيش ملتزم بالسقف السياسي للمفاوضات، وعند كل جلسة تفاوض غير مباشر يرفع تقريراً بنتيجة المفاوضات إلى رئاسة الجمهورية وإلى الحكومة وقيادة الجيش، لكن تغيير اللجنة الحالية أم الإبقاء عليها يعود لمجلس الوزراء.
بين الحدود السيادية والاقتصادية
وسيتركّز التفاوض بعد حسم نقطة الإنطلاق بالترسيم على المنطقة المتنازع عليها بين لبنان و”إسرائيل” في “البلوكات” 8 و9 و10 وتبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً. ويفرّق شحيتلي بين الحدود الإقليمية التي هي حدود سيادية غير قابلة للتفاوض وبين حدود المنطقة الاقتصادية التي تخضع لمعايير أخرى في التفاوض، وتستند إلى اتفاقية البحار الدولية، فإمّا يحصل اتفاق بين لبنان و”إسرائيل” وإمّا يُصار إلى ترتيبات اقتصادية دولية لتحديد نقطة فاصلة لاستخراج النفط من الجهتين.
ويشير شحيتلي إلى نقطة مهمة على المفاوضين أخذها بعين الإعتبار، وهي أنّ لبنان يستند في الترسيم البرّي إلى حقوقه المكرّسة والمثبتة في القانون الدولي والقرارات الدولية، أمّا “إسرائيل” فلا تستند إلى أي مستند ومسوّغ قانوني.
هل يسهّل الترسيم ولادة الحكومة؟
لا شك أنّ ملف الترسيم أحد أهم الملفات الضاغطة على لبنان أميركياً ودولياً، فلطالما مارس المسؤولون الأميركيون الذين زاروا لبنان مراراً وتكراراً ضغوطاً على لبنان لا سيّما مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد شينكر الذي يزور لبنان خلال أسبوعين؛ حيث استخدموا كافة وسائل الضغوط لا سيّما العقوبات، التي كان آخرها تلك التي سيقَت ضد النائب علي حسن خليل بهدف الضغط على برّي ونزع الملف من يديه، حيث ربط بري آنذاك بين العقوبات وملف النفط. لكن مصادر أخرى تشير إلى أن لا علاقة بين ملف النفط وتأليف الحكومة، مشددة على أن الضغط الأميركي مستمر على لبنان وتعطيل تأليف حكومة يمثل فيها حزب الله.
مخاوف من نوايا “إسرائيلية”
لكن ثمة مخاوف من أن يكون إحياء ملف الترسيم أميركياً يُخفي مخططاً ونوايا أميركية – إسرائيلية مبيّتة لجرّ لبنان إلى مشروع التطبيع في المنطقة. فبحسب المصادر، إنّ لإسرائيل مصلحة أساسية في إنهاء هذا الملف لكي تبدأ باستخراج النفط، علماً أنّ حكومة الإحتلال صادقت منذ شهرين على التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية المسماة “ألون دي” وهي البلوك رقم 72 السابق، والذي يقع بمحاذاة البلوك رقم 9 اللبناني. أمّا المصلحة الثانية فهي إخراج هذا الملف من دائرة الصراع مع لبنان وربما ملفات نزاع أخرى تمهيداً لتسويق ملف التطبيع مع لبنان أو هدنة عسكرية طويلة الأمد تمهّد لسلام غير معلن بين لبنان والكيان الصهيوني، وذلك بعد نزع “ذريعة” النزاع الحدودي من يد حزب الله، وهذا قد يستتبع جهداً موازياً لإيجاد حل لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر.
ولا يمكن إبعاد مصلحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإنتخابية، حيث سيقدم “التطورات” في هذا الملف لليهود والأميركيين عموماً كهدية لـ”إسرائيل”، علماً أنّ لبنان، وبحسب مصادر في فريق المقاومة، لم يقدم تنازلات في هذا الملف لا في الشكل ولا في المضمون؛ فالتفاوض غير مباشر وبرعاية الأمم المتحدة، والهدف تثبيت حقوق لبنان النفطية تمهيداً لبدء استثمار ثروته النفطية والغازية ما يشكّل حافزاً أساسياً للشركات للبدء بالتنقيب في البلوكات الجنوبية.
محمد حمية