على الدراما التلفزيونية أن تغيّر جلدها لأن أعمال المنصّات لن ترحمها
هل الدراما التلفزيونية أُصيبت بالترهّل مع انتشار دراما المنصات الرقمية؟
هذه الدراما التي أخذت من العزّ ما يكفي وعرفت نجوماً باتت أسماءهم محفورة في الذاكرة. يوم كان أصحاب الشاشات الصغيرة والمنتجين يقرّرون ماذا على المشاهد أن يرى. اليوم تبدّل المشهد وبات واسعاً جداً ورحباً. العالم كلّه بات مفتوحاً على بعضه والمُشاهد بات فرصة ثمينة، ليس لحفنة من المنتجين المحليين، بل لكبار صنّاع الدراما والفن في العالم.
المنافسة زادت مع انتشار المنصّات الرقمية المدفوعة من قبل مشتركين يختارون ما يريدون مشاهدته دون أن يرغمهم أحد أو يفرض شروطه عليهم. الفن ازدهر وبات من الصعب أن يقبل المشاهد بصحون جاهزة من الفن المحضّر محلياً وبسهولة ورؤية شحيحة. فهذا المشاهد الذي كان يقبل بما يُعطى له وهو شاكراً لم يعد يرضيه هذا القليل بعد أن تفتّحت عينيه على فن الدنيا، مسكوباً أمامه يحكي حضارات شعوب ومواضيع جريئة بسخاء إنتاج وفن كنا بمنأى عنه.
سيبقى للتلفزيون مكانته في مجتمعنا حالياً، فهو ما زال يشكّل الملاذ للكثير من العائلات التي اعتادت أن تشاهد برامجه المطبوخة بما يلائمها. فنحن في لبنان خاصة ليس لدينا الإمكانية بأن نبتعد كثيراً بسبب الوضع الاقتصادي المذري الذي نعيشه، وهذه المنصات اشتراكاتها بالعملة الصعبة، ناهيك عن رداءة الانترنت وانقطاع التيار الكهربائي. لكن المجتمعات العربية الأخرى ربّما بدأت تنحو أكثر نحو هذه المنصات، تاركة الشاشة الصغيرة ببرامجها وعروضها تزبل في زوايا منزلها.
الدراما التلفزيونية كانت تفرض هي أعمالها على المشاهد بنجومها وإخراجها. بينما الآن بات هذا المشاهد هو الذي يختار ما يلائمه بعد أن اتّسعت الأفق أمامه. فمن نظنّه نجماً هنا، قد لا يعرج أمام نجوم العالم. ومن نعلنه مبدعاً هنا، قد لا يفك أزرار المبدعين من مخرجين وكتّاب هناك. من هنا، بدأنا نلحظ تغيّراً في مسار الدراما العربية مع وجود المنصّات، فبرزت أسماء جديدة في التمثيل والإخراج والكتابة، وأفلت أسماء أخرى كانت تأخذ كل الرهجة. فلم يعد الجمال مقياس ولا الشهرة مقياس ولا عدد المتابعين لهذا النجم أو ذاك على “السوشيال ميديا” هو المقياس، ولا هيمنة فلان أو علتان على العمل الفني.
المقياس هو جودة العمل والإقصاء بات يصيب قليلي الموهبة فقط، وباتت دراما المنصّات تبحث عن الأعمال الفنية الكاملة دون وساطات أو علاقات فنّية مافياوية.
في عصر المنصّات سننسى أسماء شاع بريقها، ولن يكون الممثل والممثلة هي البطلة، بل العمل كلّه سيكون النجم لأن المطلوب أن تتضافر كل العناصر الفنية من أجل أن يكون العمل متكاملاً شكلاً ومضموناً وإخراجاً. وسنشهد ابتعاداً عن التقليدية في الأعمال وسيطفو الإبداع والتجديد في الكتابة وفي الإخراج بما يواكب الأعمال العالمية التي تُعرض. وهذا كلّه أمر إيجابي ويفرض بأن يغيّر التلفزيون جلده ويعود إلى تجميل وصقل نفسه بأعمال درامية تُحاكي هذا التطور الطارئ والمستمر.
الدراما التلفزيونية لها خصوصيتها وحسناتها، فهي ستبقى الجامع بين كل أفراد العائلة وتوجهها سيبقى رصيناً، ومواضيعها محتشمة بما يلائم الجميع. لكن دون استهانة بالعنصر الفني ونشر التسطيح والبلاهة. فهذا الصراع بين التلفزيون والمنصات سيصبّ لصالح المشاهد بكل الأحوال. فربما لن نرى هذه المطوّلات الدرامية على التلفزيون، وذاك الحشو غير المرغوب فيه وتلك السهولة والتقشّف في الإخراج والإنتاج. وفي ذات الوقت، المنصات بحاجة أن تدرس خطواتها في الانتقال بين الدراما التقليدية وبين التجديد بدون مغالاة وبدون دعسات ناقصة، بما لا يلائم أمزجتنا والتاريخ الدرامي الذي نشأنا عليه.
فإن كانت طبيعة المنصّات هي السخاء، سواء في الصورة أو الإخراج أو الأداء أو النص، فعلى هذه الشروط أن تنتقل إلى الأعمال الدرامية التلفزيونية حتى تحافظ على ماء وجهها واستمراريتها في المستقبل.
كمال طنوس