موسم حرائق كارثيّ في عكّار: 15% من غاباتها أصبحت رمادًا
كشف التقرير الذي نشره فريق “درب عكّار لمكافحة حرائق الغابات” عن الأضرار التي شهدتها المنطقة، وأنّ “موسم الحرائق هذا العام مثّل نكبة حقيقية بكلّ معنى الكلمة، وكان الأقسى والأطول في تاريخ عكّار الحديث، إذ امتدّ من مطلع شهر أيّار الماضي حتى أواخر شهر تشرين الثّاني الجاري”، موضحاً أنّ “الحرائق خلّفت خسائر فادحة في الغابات والأرواح والممتلكات والثروة الحيوانية، بمجموع أضرار تخطّت 2600 هكتاراً من الأشجار والمناطق الحرجية، ما أفقد عكّار نحو 15% من غاباتها”.
التقرير المكوّن من 41 صفحة باللغتين العربية والإنكليزية، متضمّناً صوراً وخرائط، وصف غابات عكّار بأنّها عبارة عن “حزام أخضر متّصل يضمّ أكثر من 18 ألف هكتار من الغابات”، مشيراً إلى أنّ هذه المساحة الحرجية الواسعة “تتداخل فيها أراضٍ زراعية وأنشطة بشريّة عدّة، وأنّه بسبب الطبيعة الجغرافية ووعورة التضاريس، قد يتحوّل أيّ حريق إلى كارثة في حال التأخّر بمعالجته”، ولافتاً إلى أن “أشجار الصنوبر والسنديان، وبدرجة أقلّ الشّوح واللزّاب والبطم، تشكل السّواد الأعظم من هذا الغطاء النّباتي الكثيف، وأنّ لهذه الأشجار سرعة هائلة في الإحتراق، غالباً ما تتسبّب بتفاقم الخطر النّاري للحرائق وانتشارها وتمدّدها بشكل غير مسبوق”.
واعتبر التقرير أنّ جائحة كورونا والأوضاع الإقتصادية الخانقة “أسهمت في لجوء المواطنين إلى الأراضي الزّراعية لتأمين رزقهم من الزّراعة (مئات الهكتارات التي طالتها الحرائق تعرّضت لها أشجار مثمرة، وخاصّة الزيتون) أو الأحراج، والقيام بعمليات التفحيم أو التحطيب، وهذه الأخيرة قد تكون من أبرز أسباب تمدّد الحرائق وضراوتها، خاصّة مع ترك أطنان من الحطب اليابس بعد قطعه في الأرض، وهو ما تسبّب في أكثر من حريق بخروجه عن السّيطرة، وتعريض الفرق المشاركة في عمليات الإطفاء للخطر”.
ورأى التقرير أنّ “أسباب الحرائق في عكّار تتعدّد، لكنّها قطعاً ليست حرائق طبيعية، إنّما بفعل فاعل، وهي موزّعة بين نوعين: الأول حرائق متعمّدة سلبية (حرق مخلّفات التشحيل، حرق نفايات ومشاحر)، وتشكّل الغالبية العظمى من أسباب إندلاع الحرائق في عكّار؛ والنّوع الثاني حرائق متعمّدة إيجابية، أيّ الحرق المتعمّد لمساحات واسعة من الأراضي بشكل مباشر، ويهدف من يقومون بها إلى التخريب المتعمّد، أو تغيير استعمال الأراضي للزّراعة أو البناء مثلاً، أو حتّى لإثارة الفتنة بين البلدات المجاورة لمواقع الحرائق”.
الواقع الصّعب والنّتائج الكارثية التي آلت إليها الحرائق التي شهدتها عكّار هذا العام، والتي وصفها تقرير سابق لفريق “درب عكّار” بأنّها توازي حرائق شهدتها المنطقة في 3 سنين، أظهرتحديات كثيرة يفترض مواجهتها في السّنوات المقبلة، خاصّة بعدما قدّر الفترة الزمنية لتعافي الغابات من أضرار الحرائق وأنّها تتراوح بين 40 ـ 80 سنة.
من أبرز هذه التحدّيات، وفق التقرير الأخير، “النقص الكبير في التجهيزات المخصّصة لحرائق الغابات لدى فرق الدّفاع المدني في عكّار، والموزّعة على ثلاثة أقاليم و22 مركزاً، وغياب أيّ خطّة محليّة للإستجابة لحرائق الغابات، والنقص في البنى التحتية لمكافحة الحرائق (شبكات مياه وبرك، منافذ إطفاء، أبراج مراقبة، طرقات وممرّات داخل الغابات)، حاجة فريق “درب عكّار” لمصدر تمويل دائم، النّقص في التدريب، غياب الوعي البيئي لدى المواطنين، وعجز القوانين الحالية وعدم تطويرها، ما أسهم في زيادة الأخطار المحدقة بالغابات”.
وأظهر التقرير بالأرقام حجم مساحة الأراضي التي تضرّرت بسبب الحرائق في 27 بلدة عكّارية، أبرزها 5 بلدات شكّلت أحراجها أكثر من 75% من الأضرار الحاصلة في المنطقة، وهي بلدات: عندقت 840 هكتاراً، أكروم 730 هكتاراً، مشمش (وضمناً وادي جهنّم الفاصل بين عكّار والضنّية) 212 هكتاراً، القبيات 150 هكتاراً وبزال 131 هكتاراً.
فريق “درب عكّار” المكوّن من 10 متطوعين ويملك آليتين أطلق عليهما إسم “لزّاب” و”شوح” إضافة إلى عدد من المعدّات التي تستخدم في أخماد الحرائق، حصل عليها عن طريق تبرّعات، قدّم في تقريره جملة مقترحات لمواجهة الحرائق، منها مقترحات على المدى الطويل تشمل تحديث القوانين وتطويرها وتعزيز الوعي لدى المواطنين.
الإقتراحات التي طرحها الفريق على المدى المتوسط تشمل تحضير وتدريب فرق تدخّل واستجابة سريعة، وتعزيز دور وزارة الزّراعة، ودعم الدفاع المدني بالتجهيزات المناسبة لمكافحة الحرائق، وإنشاء مركز تدريب متقدم لمكافحة الحرائق، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة على مستوى إتحاد البلديات، وتعزيز قدرة طوّافات الجيش اللبناني والإستطلاع الجوّي.
أمّا الإقتراحات على المدى القصير، فتتمثل في السّماح في التشحيل وخاصّة في الأحراج المتداخلة مع الطّرقات أو الأراضي الزّراعية، وفرض رقابة صارمة على الأحراج خلال موسم الحرائق، وتحسين نظام الإستجابة للحرائق عبر وضع خطط مناسبة.
وخلص التقرير إلى أنّ “الحرائق التي تتفاقم سنوياً في عكّار بوتيرة عالية جدّاً، يرتّب عليها فاتورة بيئية قاسية يتعذر على المنطقة دفعها، ما يعني أنّ وضع خطّة لمكافحة الحرائق وتطبيقها يجب أن يكون أولوية، بالتعاون مع الجهات الرسمية والعلمية والميدانية، وتأمين بدائل للنّاس بعيداً عن الإستنزاف للموارد وخصوصاً في الغابات، مع تفاقم التحدّيات المحلية والعالمية التي بدأت تؤثّر علينا بشدّة، من التغيّرات المناخية الناتجة عن الإحتباس الحراري، إلى الأمور كافّة التي من شأنها تقليص المحيط الحيوي لغاباتنا، والذي ينعكس سلباً على مستقبل الأجيال القادمة ونمط حياتها”.
عبد الكافي الصمد