لا شك أن الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي عصفت بلبنان دفعة واحدة وما تلاها من تدهور مخيف في العملة الوطنية كان لها انعكاسات واضحة على المؤسسات التجارية، وعلى الحركة التجارية في معظم القطاعات وما زاد الطّين بلّة انفجار المرفأ الذي أتى بانعكاساته السلبية ليزيد الأزمة أزمة.
في نفس الظروف الصعبة وفي نفس البقعة الجغرافية، عدا عن نشاط تجارة المواد الطبية التي فرضت نفسها في ظل أزمة كورونا، إلا أن هناك تجارة أخرى ازدهرت بشكل ملحوظ وهي تجارة السلاح .
في حديث خاص لـ “أحوال”، أكّد أحد تجّار السلاح أن هذه التجارة شهدت ازدهارًا لافتًا في الآونة الأخيرة، وعزا السبب لعدّة أسباب أوّلها افتقاد المواطن لثقته بالأمن فيسعى إلى اقتناء السلاح الحربي الخفيف كالكلاشنكوف وغيرها من الأسلحة الرشّاشة والمسدسات بأنواعها في سيارته أو منزله كي يدافع عن نفسه في حال تعرّضه لأي خطر، والسبب الثاني يعود لضيق الأحوال المعيشية فيقوم من يقتني السلاح ببيعه بأسعار زهيدة بغية الحصول على شيء من المال من أجل تأمين لقمة العيش، ومن هنا تبدأ حركة البيع والشراء فينشط السوق.
وأكّد التاجر أن تدفّق السلاح بدا واضحًا مع الأحداث الأخيرة التي حصلت في بيروت وطرابلس إذ عمدت جهات نافذة على استقدام السلاح من دول داعمة لها فأغرقت السوق بالسلاح، وقد وصل العديد منه إلى يد التجارعن طريق البيع، ومنهم إلى الزبائن، واللّافت في الأمر أنّ نوعية السلاح التي تظهر على وسائل الإعلام في أي إشكال أمني تدلّ على أنّ نوعه واحد وربما يكون من نفس المصدر.
وعن كيفية البيع، أكد المصدر أن السلاح لا زال سعره نفسه بالدولار لكن يتم بيعه باللّيرة اللّبنانية بحسب سعر السوق السوداء، وأحيانًا كثيرة يشتريه التاجر بسعر (لقطة) نظرًا لحاجة البائع للمال.
ولفت التاجر إلى أن من لا يملك القدرة على شراء الأسلحة الحربية الخفيفة يلجأ إلى شراء أسلحة الصيد النصف اوتوماتيكية Pump action لرخص سعرها مقارنة بالسلاح الحربي وإمكانية حملها في السيارة أو إقتنائها في المنزل.
في هذا السياق، لفت تاجر أسلحة صيد لـ “أحوال” إلى أن هناك إقبال على سلاح الصيد لكنّه خجول نوعًا ما بسبب انهيار سعر صرف اللّيرة مقابل الدولار، ولو أن اللّيرة مستقرّة لكان البيع كبير جدًا، فمثلا سعر البندقية كان يبلغ 150$ وكانت تساوي 225000 ليرة لبنانية، أما اليوم فأصبحت تساوي مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية، وهذا رقم كبير جدًا في بلد يعاني من شح في العمل وفي المعاشات لافتًا إلى أنّه في كلّ يوم يتم سؤاله عن الأسلحة وأسعارها لكن ما من قدرة شرائية للمواطن.
وأضاف التاجر أنّه في العام 2014 شهد طفرة في بيع سلاح الصيد إبّان الحرب ضد داعش، ولو أنّ الأوضاع الاقتصادية سليمة لكنّا شهدنا طفرة أكبر بسبب الخوف من الأوضاع الأمنية ورغبة المواطن في تأمين الحماية لنفسه وبيته وعمله.
تجارة السلاح في لبنان ليست جديدة وإنّما قديمة العهد، إلّا أنّها تنشط وتركد بحسب الظروف السياسية والأمنية التي تحيط بلبنان، وما يمكن استنتاجه من هذه القضية بأنّ المواطن بدأ يسعى لتأمين أمنه الذاتي والشخصي في دائرته الضيقة، نظرًا لفقدانه للثقه بالأمن، الذي يقع على عاتق القوى الأمنية مجتمعة، لكنّ لأمر ليس بهذه السهولة، فنحن اليوم أمام قنابل موقوته متجوّلة، تنفجر في أي أشكال على أفضلية مرور، أو موقف سيارة، أو أي سبب تافه، يحول المجتمع من مأزوم إلى مجتمع متهالك، في وطن لا اعتبار فيه للقانون ولا القضاء.
منير قبلان, جواد مرتضى