إختتام مهرجان طرابلس للأفلام: محاولة استعادة نهضة سينمائية
“نأمل أن نكون قد قمنا بما هو جديرٌ بطرابلس، ونحن واثقون أنّ النتيجة ستكون على مستوى تفكيرنا وطموحاتنا”. بهذه الكلمات أنهى مدير ومؤسّس “مهرجان طرابلس للأفلام” إلياس خلاط كلمته التي ألقاها في حفل اختتام مهرجان طرابلس للأفلام، في دورته السابعة للعام 2021، الذي أُقيم في مركز العزم الثّقافي (بيت الفن) في مدينة الميناء – طرابلس، برعاية وزارة الثقافة ما بين 5 و12 تشرين الأوّل الجاري.
إقامة مهرجان للأفلام السينمائية في طرابلس ليس غريباً عن مدينة خرّجت العديد من المبدعين في ميدان السينما اللبنانية والعربية، وازدهرت فيها دور السينما قبل الحرب الأهلية 1975 ـ 1990 وحتى أثنائها على نحو واسع، وتحوّلت معها منطقة التلّ في الوسط التجاري للمدينة إلى تجمّع العديد من دور وصالات السينما التي كانت تعرض على شاشاتها أفلاماً عربية وأجنبية مختلفة، بعضها كان يُعرض لأوّل مرّة في لبنان، ما جعل المنطقة المذكورة تشهد إزدهاراً لافتاً في حركة المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، التي كانت تستقبل في نهاية عطلة كلّ أسبوع آلافاً من محبّي الفن السّابع الذين كانوا يقدمون من مختلف مناطق الشّمال إلى طرابلس، سواء فرادى وعائلات، ما جعل وسط المدينة يعجّ بالحياة بكلّ أشكالها، وتشهد إقامة علاقات ونشاطات إجتماعية وثقافية واسعة، من غير تجاهل المناطق الشّعبية في طرابلس مثل باب التبّانة والميناء، عرفت وجود دور سينما فيها إزدهرت لسنوات.
لكنّ مظاهر الحياة السينمائية المزدهرة في طرابلس بدأت تتراجع مع نهاية الحرب الأهلية، واختفت معها نوادي السينما التي عرفت إزدهاراً لافتاً، وبدأت دور وصالات السينما المنتشرة في المدينة، والتي حملت أسماء عربية وأجنبية مختلفة (مثل أمبير، أوبرا، ريفولي، كولورادو وشهرزاد وغيرها)، تختفي وتتراجع على نحو تدريجي، لأسباب عديدة، منها عدم تجديد دور السينما في طرابلس نفسها شكلاً ومضموناً، والأضرار التي لحقت بها خلال سنوات الحرب، وما طرأ على صعيد إنتشار القنوات الفضائية ومن ثم الإنترنت، ما جعل صالات السينما في طرابلس تقفل أبوابها تباعاً، ويهجرها أصحابها وروّادها تباعاً، وتتحول مع مرور السنوات إمّا إلى محال تجارية ومطاعم، أو أماكن مهجورة يعلو أبوابها الصدأ والغبار، أو تهدم كي يُشيّد مكانها أبنية سكنية، إلى حدّ أنّه لم يبقَ في مدينة يزيد عدد سكانها على نصف مليون نسمة، سوى صالة سينما وحيدة.
هذا الإزدهار الذي عرفته دور السينما في طرابلس قبل الحرب الأهلية، والذي أبقى أهل المدينة يلفظون إسم السينما بلهجتهم المحلية “سيلما”، كان موضع إهتمام ونشاط شهده المهرجان، الذي شهد توقيع وندوة حول كتاب “العرض الأخير: سيرة سيلَما طرابلس” للكاتب والمخرج هادي زكّاك، بمشاركة الدكتور خالد زيادة فيما أدار الندوة المخرج المسرحي جان رطل.
كما شهد المهرجان قيام سفيرة السويد في لبنان “آن ديسمور” -كون السويد هي أحد الداعمين للمهرجان- بزيارة إلى طرابلس حيث شاهدت الفيلم السويدي “عنق الزجاجة” للمخرج مانس برتاس المرشح في المسابقة الرسمية للمهرجان ضمن فئة الأفلام القصيرة.
اليوم الختامي من المهرجان شهد تكريم “شخصيات كان لها ادوارًا مهمة في الفن والسينما، أبرزها صفي الدين محمود من مصر “نظراً لدوره الملموس في السينما العربية، حيث أعطى الكثير وما زال عطاؤه مستمراً ومسيرته زاخرة، وقد خاض مغامرة لأفلام مغايرة، وفي نفس الوقت أولى أهتماماً كبيراً للأفلام القصيرة”، وفق خلاط، “ما دفع محمود الى التعبير عن سعادته تكريمه في مهرجان طرابلس ووجوده في المدينة “في ظل عز الأزمات التي يعاني منها لبنان”.
ومن الشّخصيات التي حظيت بتكريم في المهرجان، الفنان اللبناني منير معاصري الذي تسلم جائزة “إنجاز الحياة”، وهي جائزة يمنحها المهرجان للسنة الثالثة على التوالي، ما دفعه إلى التأكيد في كلمة قصيرة ألقاها بعد تسلمه الجائرة أنّ “الفن يجب دائماً أن يخدم الإنسان، وأن يكون أداة للتعبير عن وجعه ووجع مجتمعه”، وبدا عليه التأثر حينما قال إنّ “الشكر الذي لطالما إنتظرته جاء من مهرجان طرابلس للأفلام”.
أما جوائز المهرجان فقد وُزعت على فيلم أمّي “OMÈ” لوسيم جعجع عن فئة الأفلام القصيرة، وجائزة أفضل فيلم تحريك “Best animation” لفيلم “Each Other” لسارة طبيبزاده، وجائزة لجنة التحكيم “Special Jury Award” لفيلم “Maradona’s Legs” لفراس خوري، وجائزة أفضل فيلم وثائقي “Best Documentary” لفيلم “Railway Men” لأريج سهيري، وجائزة “تنويه خاص” من لجنة التحكيم “Special mention” لفيلم “Eddy’s Kingdom” للمخرج غريغ كرومبتون، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل “Best feature film” لفيلم “Corpus Christi” ل Jan Komasa ، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة “Special July Award” لفيلم “Under the Concrete” وقد تسلّمها مخرج الفيلم روي عريضة.
عبد الكافي الصمد