جولة في وادي جهنّم: أضرار الحريق هائلة والتعويل على تجديد الطبيعة نفسها
كشفت الجولة التي قام بها فريق “درب عكّار لحماية الغابات”، حجم الأضرار الهائلة التي لحقت بجزء هام من الدّرب في منطقة وادي جهنّم الفاصل بين عكّار والضنّية، نتيجة الحريق الكبير الذي اندلع في قلب الوادي الآثر مطلع شهر آب الماضي، وألحق أضراراً جسيمة بالأشجار الحرجية والغطاء النباتي في المنطقة، والتي يحتاج إصلاحها إلى وقت ليس بالقصير.
قرابة 3 كيلومترات من الدّرب هي المسافة التي أتى عليها الحريق والذي قضى على نحو 140 هكتاراً من أشجار الغابات الحرجية والنباتات في قلب الوادي على طرفَي مجرى نهر البارد الفاصل بين المنطقتين، حيث كان الجزء لجهة عكّار هو الأكثر تضرّراً، ما تسبّب بكارثة بيئية كبيرة بكلّ معنى الكلمة في منطقة ذات طبيعة خلّابة.
خلال الجولة، حيث كانت علامات درب المشاة ما تزال موجودة على جذوع بعض الأشجار التي لم تأتِ عليها النيران بالكامل، أوضح ناشطون ومتطوّعون في الفريق أنّ الجزء المتضرّر من الدّرب يُعتبر واحداً من أهم مواقع التنوّع البيئي والطبيعي في لبنان، وأنّه يوجد فيه بين 20 إلى 25 نوعاً من نبتة “الأورغيد”، إضافة إلى نباتات نادرة أخرى أكتُشفت مؤخراً داخل الوادي والتي تبيّن أنّها ليست موجودة في أيّ منطقة لبنانية أخرى، وقد جرى توثيقها قبل أن يأتي الحريق عليها، لكن يوجد إمكانية لإعادة إستنباتها من جديد بفضل جهود يبذلها أعضاء في فريق “درب عكّار” ومتطوعين من أجل إعادة توليد النباتات عبر الزراعة النسيجية.
ولفت عناصر فريق “درب عكّار” إلى كيف أنّهم تدخّلوا منذ اليوم الأول لاندلاع الحريق في 2 آب الفائت مع متطوّعين، وأنّهم لو لم يفعلوا ذلك سريعاً لكانت الكارثة اليوم أكبر، إذ بذلوا جهوداً كبيرة لإخماد الحريق ومنع تمدّده باتجاه غابة الأرز في بلدة حرار في عكّار الواقعة فوق تلة مشرفة على الوادي، كما منعوا إمتداد النيران باتجاه رؤوس أشجار الصنوبر البرّي، لأن احتراق رؤوسها يعني موتها ومنع تجدّدها، خصوصاً أنّ أشجار الصنوبر كانت المتضرّر الأكبر من الحريق.
في المقابل وخلال الجولة، يتّضح أنّه بعد مرور أكثر من شهر على الحريق، فإنّ بعض الأشجار والنّباتات في الوادي على طرفَي الدّرب قد بدأت بالتعافي وتجديد نفسها، وخصوصاً أشجار السنديان التي بدأت بعض فروعها الصغيرة بالظّهور، وأشجار “الأطلب” أيضاً التي تحتوي على كمّيات معينة من المياه في جذوعها والتي تجعلها قادرة على تجديد نفسها مرة أخرى، بينما بقية الأشجار يبدو أنّها تحتاج إلى وقت أطول.
ما حصل في الوادي وفي بقيّة مناطق عكّار التي شهدت حرائق كبيرة أضرّت كثيراً بالأشجار الحرجية والمثمرة والغطاء النباتي، وتحديداً في القبيات وعندقت وأكروم، دفع أعضاء نادي “درب عكار” إلى التأكيد على ضرورة وضع خطة للتعافي ودرس المواقع التي تضرّرت جراء الحريق، وقيام إدارة متكاملة للمناطق المتضرّرة كي تتمكن من تجديد نفسها والعودة أفضل ممّا كانت، مع أنّ هذا الأمر يتطلب جهوداً ودراسات وإدارة جيدة من أجل تجنّب حصول تدهور أكبر في بيئة المنطقة مستقبلاً.
تجدر الاشارة إلى أن وادي جهنّم يُعرف بهذا الإسم نظراً لوعورة دروبه ومسالكه وصعوبة الوصول إليه، كما يُعرف أيضاً بإسم “وادي الزهور” لاحتوائه على زهور ونباتات نادرة مثل “الغبيرة” و”الكشمش” و”الحباحب الذهبية” التي تنمو بين صخور الوادي ونتوءاته، وكونه يُعتبر من الأماكن القليلة في لبنان التي تأوي إليها حيوانات برّية بدأت بالتناقص والإنقراض، فضلاً عن كونه الأعمق في لبنان ويمتد على رقعة جغرافية يبدأ إرتفاعها من 850 متر فوق سطح البحر، أسفل بلدتَي القمامين وحرار، صعوداً إلى أعلى نقطة فيه والتي تصل إلى 2000 متر فوق سطح البحر، والتي تفصل بين خراج بلدات القمامين ومشمش وفنيدق على التوالي.
عبد الكافي الصمد