غير بعيد عن مقولة “إنّ أميركا لَزّمت لبنان لفرنسا لمدّة ستة أشهر على الأقل”، وفي هَمروجة مروحة الاستشارات التي يقوم بها الرئيس المكلّف مصطفى أديب بغية تشكيل حكومة لبنانية تستطيع انتشال لبنان من المآزق التي تتوالى عليه يوماً بعد يوم، كان لا بدّ من استمزاج آراء بعض الأحزاب اللبنانية الفاعلة، لمعرفة مدى جديّتها في التعامل مع المبادرة الفرنسية، وتفاعلها مع الحكومة اللبنانية الجديدة، إذا شُكّلت سريعاً.
حزب الكتائب اللبنانية، الذي يمثّل معارضة فاعلة في وجه النظام اللّبناني القائم ومكوّناته التي يديرها حزب الله، كما يُعلن الكتائب ذلك صراحة، والذي كان لرئيسه النائب المستقيل سامي الجميّل ملاحظات على المبادرة الفرنسية وقد سلّمها شخصيّاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعتبر “أنّه من الضروري، لا بل من المصيري، عدم تقديم خَشبة خلاص لهذه المنظومة تُمَكّنها، عبر المبادرة الفرنسية، من تعزيز تماسكها وإجبار الشعب اللّبناني، الذي انتفضَ في وجهها، على الخضوع”.
وبينما تشير مصادر “القوات اللبنانية” إلى أنّ حزبها “على تواصل لحظة بلحظة مع الإدارة الفرنسية، ولقد اتصل الرئيس ماكرون برئيس حزب القوّات سمير جعجع مرّات عدّة، والتقاه غير مرّة”، تصرِّح بأنّ حزب القوات “كان على معرفة وإلمام ومواكبة ومتابعة للمبادرة الفرنسية، ولكن نحن قلنا للرئيس الفرنسي إنّ لدينا شكوكاً ونأمل أن تتمكن هذه المبادرة من أن تُحرز نتائج مرجوّة بتحقيق الاصلاحات المطلوبة ونقل لبنان من حالة الانهيار الى حالة الاستقرار ووضعه على السكة الصحيحة”.
أمام خِشية القوات هذه على المبادرة الفرنسية لأنّ مخاوفها، كما تقول مصادرها، “نابعة من أنّ الفريق الحاكم لا يُؤمَل له ولا يؤمَن على أي مستوى، وبالتالي من الصعوبة بمكان تحقيق أي شيء في ظل حُكم هذا الفريق”، ترى مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي أنّ هذه المبادرة “هي الفرصة الوحيدة المتاحة للبنان لوَقف مَسار انهياره واندثاره، وسنضع إمكانياتنا لضمان نجاحها بما يعني نجاح البلد في الخروج، ولو تدريجياً، ممّا بَلغه من تَرَدٍ وفشل”.
وبما أنّ المبادرة الفرنسية تدعم قيام حكومة لبنانية جديدة برئاسة مصطفى أديب، فإنّ مصادر القوات اللبنانية “تأمل أولاً أن تتشكّل على قاعدة الاستقلالية التامة والاختصاص والحياد التام، بعيداً عن أي محاصصة وعن تأثير قوى السلطة ونفوذها، وأن تضع لنفسها بياناً وزارياً وبرنامجاً تستطيع من خلاله الذهاب قُدماً باتجاه تطبيق الاصلاحات المطلوبة”.
فهل هذا يعني أنّ القوّات، التي تطالب بانتخابات نيابية مبكرة، سوف تدعم هذه الحكومة الجديدة؟ توضح مصادر القوات “انّ حكومة أديب، التي لم تتشكّل بعد، ستتعامل معها القوات على قاعدة أنها ستمنحها الفرصة المناسبة، فإذا نجحت ستصفّق لها، وإذا فشلت فسوف تواصل معارضتها على خلفية أنّ أي حكومة لا يمكن أن تتمكّن من القيام بما يجب عليها القيام به لإخراج لبنان من أزمته في ظل أكثرية حاكمة ومُتحكّمة، فإنه يجب إسقاطها والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة من أجل تغيير هذه الأكثرية تمهيداً لتشكيل حكومة تستطيع أن تمارس دورها بعيداً عن سطوة السلطة الحالية القائمة”.
أمّا مصادر الاشتراكي فتقول إنّ التعاطي مع هذه الحكومة “ينطلق من باب القناعة بضرورة تسهيل مهمتها وتوفير فرص النجاح لها، كونها تأتي نتيجة المبادرة الفرنسية، التي نراها، كحزب، الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان، ولذلك سيكون التعامل مع هذه الحكومة مُنطلقاً من هذه القناعة، ونحن نَحضّها على اعتماد الورقة المقدمة من الدولة الفرنسية برنامجاً لها، لأنها ورقة عملانية والاصلاحات التي تضمّنتها ضرورية جداً”.
فإذا كانت هذه الأحزاب المعارضة للسلطة ستدعم، بشكل أو بآخر، حكومة الرئيس أديب لأنها وليدة المبادرة الفرنسية، فكيف ستبقى مُنفتحة على القوى الثورية في الشارع اللّبناني ؟
مصدر مسؤول في حزب الكتائب اللّبنانية، والذي كان رئيسه سامي الجميّل قد أولَمَ عشاء على شرف شينكر في بيت الرئيس الجميّل في بكفيا في حضور 7 نوّاب مستقيلين من المجلس النيابي هم: مروان حمادة، بولا يعقوبيان، هنري حلو، نعمة افرام، سامي الجميّل، نديم الجميّل والياس حنكش، “يُصرّ على أنّ حزب الكتائب اللّبنانية ما زال في صلب العمل الميداني، وهو على تنسيق دائم مع معظم مقوّمات الثورة”.
أمّا المصدر المسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي فيوضح أنّ “الحزب الاشتراكي منفتح إلى أقصى الدرجات على التعاون مع القوى الثورية في الشارع اللّبناني وفق قواعد واضحة تعتمد أولاً وأخيراً مصلحة اللّبنانيين وحقوقهم ومطالبهم، وذلك بدءاً من ضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية والمالية بالدرجة الأولى، واستكمالاً لاحقاً للمطلب الذي يلاقي مطالب جهات التحركات بالتغيير الديموقراطي لقيام دولة المواطنة والعدالة والشفافية والقضاء المستقل. وسنواصل العمل لذلك من موقعنا ودورنا. لكن يبقى السؤال: هل هذه الجهات مستعدة للشراكة بُغية تحقيق ذلك؟”.
وغير بعيد عن هذا الطرح، ترى مصادر القوات اللّبنانية أنها “على تواصل وتماس وتفاعل مع الشارع، ومعلوم أنّ الشعار الذي تبنّاه الشارع تحت بند حكومة اختصاصيين كانت القوات قد أطلقته قبل انتفاضة 17 تشرين الأول، وتحديداً في 2 أيلول 2019، ومعلوم أنّ جمهور القوات كان في طليعة المتظاهرين والمنتفضين…”.
فهل ستستطيع المبادرة الفرنسية تعويم حكومة مصطفى أديب، إذا شُكّلت سريعاً؟ وكيف ستتصرّف الأحزاب المعارضة الفاعلة حيال هذه المعادلة؟ ترقّبوا الأيام القليلة القادمة لعلها تكشف شيئاً جديداً
طوني طراد