أطفال لبنان مهددّون بلقاحاتهم والتّحصين يتراجع إلى 45%
تتوالى أزمات القطاع الصّحي في لبنان تباعاً؛ فبعد أزمة حليب الأطفال، والأدوية والمستلزمات الطّبية، تخرج أزمة جديدة إلى العلن لتطال لقاحات الأطفال الرّوتينيّة، والتي تشكل درعاً واقياً ضد الأمراض المعدية.
ويشكو أطباء لبنان من مشكلة فقدان معظم التطعيمات الروتينيّة التي تُعطى للأطفال، ما دفع بالأهالي إلى طلب تقديم مواعيد تلقيح أطفالهم، خوفاً من حرمانهم فرصة التحصين في الموعد المحدد لاحقاً.
وفيما ينقذ التحصين حياة 3 ملايين طفل تقريباً كل عام من أمراض الطفولة القاتلة، يموت أكثر من 1.5 مليون طفل سنوياً بسبب أمراض يمكن الوقاية منها عن طريق التّطعيم.
فهل يمكننا اللّجوء الى ما يسمى اللقاحات الاستباقية؟ وماذا لو فُقدت لقاحات الأطفال من لبنان؟
التقيّد بالمواعيد ضرورة
رئيس دائرة طبّ الأطفال في كليّة الطبّ في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ورئيس اللّجنة العلمية في نقابة الأطباء الدكتور برنارد جرباقة، يؤكد لـ “أحوال” أنّه من المهمّ الالتزام بجدول اللّقاحات الإلزاميّة والضّروريّة الموصّى بها، لأنّ اللّقاح يساعد على وقاية الأطفال من أمراض تسبب ضرراً خطيراً يصل إلى حدّ الوفاة، خصوصاً بين الأشخاص الذين لا يزال جهاز مناعتهم في مرحلة التّطور كالأطفال. كما ويساعد اللّقاح على تشكيل المناعة اللازمة والهادفة؛ لذلك، وأيّاً كان السبب يجب على الأطباء والأهل الالتزام باجراء اللقاحات في وقتها دون تأخير، لأن ثمة أمراض كثيرة ومتراكمة يمكن أن يتعرّض لها الطفل في حال التأجيل أو الإهمال.
لا للّقاحات الاستباقيّة
ويتابع جرباقة، ليس هناك لقاحات إستباقيّة، وعلينا التّشدد بإجرائها في مراحلها، خصوصاً مع بدء فقدان بعض التطعيمات من الأسواق اللّبنانية. ويشدد على ضرورة تلقّي الطّفل لقاحاته مبكراً في مواعيدها. فإذا كان موعد اللّقاح في عمر 5 سنوات، يُعطى اللّقاح عند بلوغ الطّفل هذا العمر، وإذا كان موعد اللّقاح خلال مرحلة زمنية أوسع، أي ما بين 4 و5 سنوات، فيعطى اللّقاح في أول مناسبة بعد عمر 4 سنوات وبالتأكيد قبل عمر 5 سنوات. ويضيف، اللّقاحات التي تعطى للأطفال خصوصاً في المراحل الأولى من أعمارهم، يجب أن تبدأ في وقت معيّن كي تكون مناعة الطفل حاضرة للتّفاعل الإيجابي مع اللّقاح، فتتجاوب بصورة جيدة وصلبة مع الجسم.
ويطالب جرباقة الدّولة اللّنانية بتأمين اللّقاحات الروتينيّة، ويدعو أطباء الأطفال إلى ضرورة تطبيق البرنامج الوطني للتّحصين، بما يخص اللقّاحات الالزاميّة كما اللّقاحات الضّروريّة التي تنصح بها نقابة الأطباء والجمعيات العلميّة. ويدعو كل من الأطباء والأهالي للتّعاون، من أجل إعطاء الاستلحاق اللازم للّقاحات المؤجلة (بسبب جائحة كورونا) لأطفالهم، وذلك ضمن مواعيد يحدّدها الطّبيب لضمان فعاليتها.
أمراض مستجدّة في المستشفيات
وعن حالات تعرّض بعض الأطفال لفيروسات مستجدّة في الآونة الأخيرة، والتي يرحّج بعض الأطباء سببها لعدم تلقي اللّقاحات في مواعيدها، يقول جرباقة: بحسب المعطيات العمليّة والميدانيّة، هناك نسبة كبيرة من الأطفال لم يتلقوا اللّقاحات في مواعيدها، وهم عرضة لالتقاط العديد من الأمراض والفيروسات الممكن تفاديها من خلال التّحصين.
ويردف جرباقة، تراجعت نسبة الأطفال المحصنين في لبنان إلى 45% تقريباً، بعد أن كانت 85 إلى 95%، ما يعني أنّهم أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجرثوميّة والفيروسات؛ مشدداً على أنّ أي تأخير في برنامج التّحصين، من شأنه أن يؤثّر بخطورة على صحّة وسلامة الأطفال.
وعن أسباب تراجع نسبة التّحصين، يقول: منها يرتبط بعدم تأمين اللّقاحات (التّخزين، التّهيرب، السّوق السّوداء)، وبالظّروف الماديّة للمواطنين، إذ باتوا عاجزين أحياناً عن تسديد تكاليف الطّبابة والتّلقيح لأطفالهم؛ ومنها مرتبط بالإقفال التّام بسبب جائحة كورونا، وتخوّف الأهل من التّنقل إلى المراكز الطبيّة، علماً أنّ النّقابة والجمعيّات العلميّة قد عمّمت وسائل الوقاية والحماية، وقد التزم الأطباء بها باكراً خلال الجائحة.
ويلفت إلى أنه مع عودة الحياة إلى طبيعتها، ومع فتح المطاعم والملاهي والمدارس والحضانات، ومع معاودة الزّيارات العائليّة، فمن الطّبيعي أن يلتقط الأطفال العدوى ويتعرّض للإصابة بالفيروسات والبكتيريا.
نداء عابر للسّلطة
ويختم: لن أتوجه للدّولة اللّبنانية التي أظهرت فشلاً ذريعاً في حماية وتحصين الكبار والصغار، خصوصاً خلال ذروة انتشار فيروس كورونا، حيث استشهد العديد من الأطباء والممرّضات، وتوفي عدد كبير من الناس بسبب التأخير في التّحصين. ولعلّ أهم مؤشّر على ذلك هو ارتفاع المناعة المجتمعيّة المرضيّة إلى ٤٠% ، فيما الحصانة المتّصلة باللّقاح ما زالت دون ٧%)، بل سأتوجه للأطباء والأهل لتنظيم آلية التّحصين للأطفال، في العيادات ومراكز الصّحة الأوليّة، حسب توصيات البرنامج الوطني للتّحصين، والجمعيّات العلميّة الحاملة لرسالة التّلقيح ولعلم التّحصين، وللدّول المانحة، ولمنظمة الصّحة العالميّة واليونيسيف، وسائر منظمّات الأمم المتّحدة المعنيّة بالأمن الصحي، لمساعدة لبنان في الحصول على لقاحات لأطفاله من خلال اعتماد تصنيف GAVI للدول الفقيرة، وتقديم المساعدة المباشرة للقطاع الطّبي الاستشفائي الجامعي الخاصّ، حتى يتسنّى تقديمها للنّاس من خلال المراكز الصحيّة المعتمدة فاللّقاح حقّ لكل طفل.
حاول “أحوال” الاتصال بوزارة الصّحة للاستفسار عن موضوع فقدان لقاحات الأطفال، وكيفية تأمينها ومصادر تمويلها، إلا أنّنا لم نلقَ إجابة.
ناديا الحلاق