إدانة رياض سلامة.. باتت أقرب!
التحقيقات في الملف السويسري وصلت إلى مرحلة ستعقبها إجراءات حاسمة وخطوات منوعة
هل بدأ العد العكسي لمحاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ سؤال الإجابة عليه شاقة بوجود الدرع الحمائي الوطني وحتى الدولي، الذي يُحيط بالحاكم بأمر المال اللبناني ويمنع المسّ به على الرغم من التشكيلة الواسعة من الدعاوى المحلية والخارجية التي قُدّمت بحقه، بجرائم اختلاس وتبييض أموال وهدر مدخرات اللبنانيين.
الرجل الذي تخطت سمعته القارّات من صاحب المواصفات “الذهبية” في إدارة النقد إلى “مطلوب” بجرائم مالية وأفظعها إدارة الإفلاس اللبناني.
بالرغم من كل الدعاوى التي امتدت من لبنان على سويسرا ولندن وباريس وبنما ونيويورك، ورُفعت في حق “أفعاله” بقي الحاكم بأمر المال مترفعاً بغرور عن الاعتراف بالمأزق القانوني والأخلاقي، ويعيش حالة نكران يرد فيها التُهم باعتباره كسب الأموال من عرق جبينه وباعتباره “المُنقذ” “المظلوم” من تهمة تبديد المال اللبناني.
لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة، والرجل المغتر بأنه “لا يُمَس “يبدو أن طريق العدالة إليه بات قريباً، وبعد تسريبات صحافية نشرتها صحيفة “الأخبار” حول اتجاه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى التعامل مع الملف السويسري كما لو أنه إخبار، وبدء التحقيق حول الشقيقين رياض ورجا سلامة، بات من الصعب الانغماس في حالة “الزهد” والابتعاد عن الواقع.
مصادر متابعة للملف أكدّت لـ”أحوال” أنّ النيابة العامة التمييزية كانت ملزمة بالتعاطي مع القضية على أنها “إخبار بحق سلامة وشقيقه ومساعدته”، خاصة أنّ سويسرا كثّفت مراسلاتها للحصول على المعلومات اللازمة في هذا الملف. وقد أبدى القضاء اللّبناني استعداده للتعاون كما لم يجد مانعاً من إرسال سويسرا وفداً من المحققين إلى لبنان، للاستماع إلى إفادة شهود جدد في القضية.
الأمر تحوّل إلى منحى جدّي جداً، بحسب المعلومات، والنيابة العامة التمييزية اللبنانية تتابع التحقيقات مع سلامة وشقيقه ومساعدته، بصرف النظر عن الدعاوى المرفوعة ضد سلامة في كل من سويسرا وفرنسا وبريطانيا. وقد وصلت إلى مرحلة ستعقبها إجراءات حاسمة وخطوات منوعة!.
لكن محتوى التحقيقات والإجراءات تجري تحت بند “سرّي جداً” ويتم التكتم والتعتيم عليها من النيابة العامة كون “السرّية” بنداً مفروضاً من القضاء السويسري. والمعلومات عن المداهمات والتوقيفات التي جرت وتجري يتم تسريبها من القوى الأمنية باعتبارها إجراءات علنية لا يمكن حجبها، على غرار مداهمة مكاتب رجا سلامة وتوقيف ماريان الحويك إلى حين.
الكتمان المطلوب من القضاء السويسري، تفرضه أيضاً موجبات محلية. فاللوبي اللبناني حامي حاكم المركزي والمحتم به، لا يتوانى عن إبراز مخالبه لعرقلة التحقيقات وحتى منعها، كي لا تصل إلى مراحل تمس بها. وليس خافياً على الأوساط السياسية والقضائية الضغوط التي تعرض لها مدعي عام التمييز، من المسؤولين لعدم الغوص في ملفات سلامة…
إذاً، يلاحق القضاء السويسري من الجزر العذراء وصولاً إلى جنيف ومروراً ببنما مسار تحركات أموال يشتبه في أن حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة قام بها، بحسب معلومات كانت نشرتها صحيفة «لوتان» السويسرية. وأكدت النيابة الفيدرالية السويسرية آنذاك أنها وجهت طلباً بالمساعدة القضائية إلى لبنان.
وأصل القضية يدور حول شركة تُدعى “فوري” Forry، كانت تحصل من مصرف لبنان، على مدى 14 عاماً، على مبلغ سنوي يصل إلى نحو 20 مليون دولار حسب تصريحات سلامة لـ”فايننشال تايمز”، لقاء خدمات متعلقة بسندات الدين بالعملات الأجنبية. وهذه الشركة، بحسب التحقيق السويسري، تحت إمرة رجا سلامة، ويدير حساباتها المالية. وهي، على ذمة التحقيق في بيرن، ليست شركة طبيعية فيها موظفون وهيكلية إدارية ومالية، بل مجرّد “واجهة احتيالية” لتبييض الأموال.
في طلبها الذي حصلت عليه صحيفة “لوتان” تستند النيابة السويسرية على عقد بتاريخ 6 نيسان 2002 بين مصرف لبنان وشركة “فوري اسوشياتس” المسجلة في تورتولا في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منه رجا سلامة.
وبحسب الشبهة، فإنّ مجموع هذه المبلغ، الذي أُودع في بعض المصارف السويسرية، استُخدم في عمليات تبييض أموال. وبعدما استمع النائب العام التمييزي العام غسان عويدات، بالأصالة وبالنيابة عن المدعي العام السويسري، لإفادة حاكم مصرف لبنان حول ما نسب إليه، قرر في الخامس والعشرين من نيسان الماضي، وبسرية تامة، ختم مكتب رجا سلامة بالشمع الأحمر، ثم داهم المحامي العام المالي جان طنوس المكتب على رأس قوّة من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وتمَّ ضبط عدد من الحواسيب العائدة للشركة داخل مقرّها الرئيسي في مبنى “برج الغزال” بمنطقة الأشرفية شرقي بيروت، ومكاتبها الكائنة في منطقة “سوليدير” بوسط بيروت التجاري ويقوم فرع المعلومات بتفريغ محتواها.
وفيما تمّ التحقيق سابقاً مع مساعدة الحاكم ماريان الحويك في السابق، وورود معلومات عن توقيفها بالأمس، أكدت المعلومات، أن توقيف الحويك بعد وصولها إلى مطار بيروت، حيث تمّ استجوابها لوقت محدد والتدقيق في حاسوبها وهاتفها قبل أن يتم تركها باعتبارها غير مشتبه بها حتى الآن. ولاحقاً أصدر محامي مستشارة سلامة، مارك حبقة، بياناً أكد فيه تعاون موكلته مع التحقيقات الجارية وتقديمها كل المستندات اللازمة.
تفاصيل تحقيق المدعي العام السويسري حول مزاعم اختلاس رياض سلامة وشقيقه رجا، أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي عبر معاملات لـ”شركة خارجية غامضة”، كشفتها أيضاً في وقت سابق صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، وسط تأكيدهما أن مصادر ثروتيهما “محددة بوضوح وبطرق مشروعة”، ونفي حاكم مصرف لبنان “وجود أي تضارب في المصالح”.
قانونياً، القضية تتضمن عدداً من الجرائم الجزائية، حسب شرح مصادر قضائية، مثل جريمة تبييض الأموال والاختلاس وإساءة الأمانة، وفقاً لما ورد في قانون تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الصادر عن الدولة اللبنانية، وهو يحمل الرقم 44/2015 الذي اعتبر أن استغلال معلومات مميزة يعد جرماً من جرائم تبييض الأموال”، وهو ما يكون قد ارتكبه الحاكم عندما قدم معلومات لشركة شقيقه تتعلق بتسهيل عملية بيع سندات “اليوروبوندز” لتحصل على عمولة مقابل ذلك. أما الجرم الجزائي الثاني، فهو الإثراء غير المشروع، “الذي يظهر جلياً بعلاقة الحاكم مع شقيقه”.
القبض على رياض سلامة تحت هذه التُهم ليس أمراً مستبعداً، وتوقيفه مسألة ليست ببعيدة المنال ما لم تقف السلطة السياسية سداً لعرقلة عمل القضاء اللبناني، بعد ثبوت التهم على سلامة وشركاه. وفي حال ثبتت التهم يُطبّق على حاكم مصرف لبنان ما ورد في قانون النقد والتسليف لا سيّما المادتان 19 و20، اللتين حددتا كيفية إقالة الحاكم بحالات عدة، منها إخلاله بواجباته الوظيفية، أو امتلاكه، أو أخذه منفعة خاصة من المؤسسة. وقد ترسم السلطة مهرباً للإفلات من عقوبة الجرم الجزائي، عبر اقتصار التهم على جرم الاستغلال الوظيفي من قبل حاكم مصرف لبنان، والاكتفاء بإقالته دون فضح “الموبقات” الكبرى التي تُظهر تورط هذه السلطة فيها.
هل يصمد القضاء أمام الضغوط وتصل القضية إلى خواتيم العدالة ليس في هذا الملف فقط بل في ملفات أخرى لا تقل أهمية وهي من أوصل لبنان إلى حافة الإفلاس أو الإفلاس الكلّي؟
الأيام ستكشف عن ذلك.