اكتشاف فيروس كورونا جديد في ماليزيا مصدره الكلاب
في العشرين عامًا الماضية، ظهرت فيروسات كورونا الجديدة لدى الحيوانات بشكل منتظم وملحوظ. في عام 2002، قفز فيروس السارس من الزباد ( فصيلة الثديات) إلى البشر. بعد عشر سنوات، ظهر MERS من الإبل. ثم في عام 2019، بدأ SARS-CoV-2 بالانتشار حول العالم.
بالنسبة للعديد من العلماء، يشير هذا النمط إلى اتجاه مقلق: فاشيات فيروس كورونا ليست أحداثًا نادرة ومن المحتمل أن تحدث كل عقد أو نحو ذلك.
أحدث فيروس ينتقل من الكلاب إلى البشر
اليوم، أبلغ العلماء أنهم اكتشفوا ما قد يكون أحدث فيروس كورونا ينتقل من الحيوانات إلى البشر. وهو يأتي من مصدر مفاجئ: الكلاب.
عندما انفجرت جائحة كوفيد_19 لأول مرة، بدأ الدكتور غريغوري غراي في التساؤل عما إذا كان هناك فيروسات كورونا أخرى تصيب الناس بالفعل وتهدد بإحداث تفشي آخر.
كانت المشكلة أنه لم يكن لديه أداة للبحث عنهم. وقال حينها إنّ اختبار كوفيد محدود للغاية، ولا يخبرنا ما إذا كان فيروس واحد معين – SARS-CoV-2 – موجودًا في الجهاز التنفسي للشخص، ولا شيء آخر.
ويلفت غراي، وهو اختصاصي وبائيات الأمراض المعدية في معهد الصحة العالمية بجامعة ديوك، إلى أنّ: “التشخيصات محددة للغاية. فهي تركز عمومًا على الفيروسات المعروفة”. لذلك تحدّى طالب دراسات عليا في مختبره، ليشان زيو، لإجراء اختبار أكثر قوة – اختبار يعمل مثل اختبار كوفيد ولكنه يمكنه اكتشاف جميع فيروسات كورونا، حتى غير المعروفة منها.
لم يرتق Xiu إلى مستوى التحدي فحسب، بل إن الأداة التي ابتكرها عملت بشكل أفضل مما كان متوقعًا.
الهدف الأكبر للفيروس: الأطفال
في الدفعة الأولى من العينات التي تم اختبارها العام الماضي، وجد غراي وشيو دليلاً على وجود فيروس كورونا جديد تمامًا مرتبطاً بالالتهاب الرئوي في المرضى في المستشفيات- معظمهم عند الأطفال. قد يكون هذا الفيروس هو ثامن فيروس كورونا معروف بأنه يسبب المرض لدى الناس، حسب ما أفاد الفريق يوم الخميس في صحيفة Clinical Infectious Diseases.
جاءت العينات من مرضى في مستشفى في ساراواك بماليزيا، أخذها أحد المتعاونين في عامي 2017 و 2018. في هذا السياق، قال غراي: “كانت هذه مسحات أنف عميقة، مثل جمع الأطباء مع مرضى كوفيد”.
كان المرضى يعانون مما يشبه الالتهاب الرئوي العادي؛ ولكن في ثماني عينات من أصل 301 عينة تم اختبارها، أو 2.7٪، وجد العالمان أنّ الجهاز التنفسي العلوي للمرضى مصاب بفيروس كورونا الجديد للكلاب، أي فيروس الكلب.
وقال غراي: “هذا معدل انتشار مرتفع جدًا لفيروس جديد”. من اللافت للنظر، أن غراي اعتقد في الواقع أنه ربما يكون هو وشيو قد ارتكبا خطأ. ربما لم يكن اختبار Xiu يعمل بشكل صحيح. وتابع: “أنت تتساءل دائمًا عما إذا كانت هناك مشكلة في المختبر”.
لمعرفة ذلك، أرسل عينات المرضى إلى خبيرة عالمية في فيروسات كورونا الحيوانية في جامعة ولاية أوهايو؛ كانت أيضا مشكوك فيها. عالمة الفيروسات أناستازيا فلاسوفا التي استلمت العينات قالت: “اعتقدت أن هناك شيئًا خاطئًا. لم يكن يُعتقد أن فيروسات كورونا الكلاب تنتقل إلى الناس. لم يتم الإبلاغ عنها من قبل.”
ومع ذلك، حاولت فلاسوفا زراعة الفيروس التاجي في المختبر، باستخدام حل خاص عرفت أنه يعمل مع فيروسات كورونا الأخرى التي تصيب الكلاب. واستنتجت: “لقد نما الفيروس بشكل جيد للغاية”.
مستقبل مزعج للفيروس
مع وجود الكثير من الفيروسات في متناول اليد، تمكنت فلاسوفا من فك شفرة الجينوم الخاص بها. من التسلسل الجيني للفيروس، استطاعت أن ترى أن الفيروس قد أصاب القطط والخنازير في وقت ما، لكنها قفزت على الأرجح مباشرة من الكلاب إلى البشر. وقالت: “غالبية الجينوم كانت من فيروس كورونا الكلاب”.
ثم وجدت دليلاً مزعجًا حول مستقبل الفيروس. “اكتشفنا طفرة فريدة جداً في الجينوم”. وقالت إنّ هذه الطفرة المحددة غير موجودة في أي فيروسات كورونا للكلاب المعروفة، ولكنها موجودة في مكان آخر: في فيروسات كورونا البشرية. وتابعت، “إنها طفرة مشابهة جدًا لطفرة وجدت سابقًا في فيروس سارس التاجي وفي إصدارات SARS-CoV-2، التي ظهرت بعد وقت قصير جدًا من دخولها إلى البشر”.
وتعتقد أن هذه الطفرة تساعد في إصابة فيروس الكلاب أو استمراره داخل البشر. وقد تكون خطوة أساسية مطلوبة لفيروسات كورونا للقفز إلى البشر.
إجمالاً ، تشير هذه البيانات الجينية إلى أن فلاسوفا وزملاؤها يلتقطون هذا الفيروس التاجي الجديد في وقت مبكر من رحلته مع البشر، بينما لا يزالوا يحاولون اكتشاف كيفية إصابة الناس – وربما قبل أن ينتشر من شخص لآخر ويثير انتشاراً كبيراً.
في هذا السياق، يقول عالم الفيروسات Xuming Zhang في جامعة أركنساس للعلوم الطبية: “لا يوجد دليل حتى الآن على انتقال العدوى من إنسان إلى إنسان”. لكن من غير المعروف كيف أُصيب هؤلاء المرضى بالفيروس أو ما إذا كانوا على اتصال مباشر بالحيوانات المصابة.
درس تشانغ فيروسات كورونا لأكثر من 30 عامًا. ويعتقد أنه من السابق لأوانه تسمية هذا الفيروس الجديد بأنه مرض بشري. ويعتبر أنّ فلاسوفا وغراي وزملاؤهما لم يثبتوا أن الفيروس التاجي الجديد يسبب الالتهاب الرئوي. حتى الآن، تم ربطه فقط بالمرض.
ويقول: “للقيام بذلك بدقة، نجتاج إلى حقن الفيروس في البشر ومعرفة ما إذا كان يؤدي إلى إعادة إنتاج المرض. إلاّ أنّه لأسباب أخلاقية، لا يمكننا فعل ذلك.”
بدلاً من ذلك، يقول تشانغ، يمكن البحث لمعرفة مدى شيوع الفيروس بين مرضى الالتهاب الرئوي في جميع أنحاء العالم – ويمكن اختباره لمعرفة ما إذا كان يتسبب في إصابة الفئران أو حيوان آخر.
ومع ذلك، يقول Zhang إنه لن يتفاجأ إذا كان فيروس الكلاب هذا، في الواقع، أحد مسببات الأمراض البشرية الجديدة. ويعتقد أنه كلما زاد عدد العلماء الذين يبحثون عن فيروسات كورونا غير معروفة داخل مرضى الالتهاب الرئوي، سيجدون المزيد. “أعتقد أن هناك العديد من الفيروسات التاجية الحيوانية التي يمكن أن تنتقل إلى البشر.”
ومن أجل إيقاف جائحة فيروس كورونا المستقبلية، كما يقول، يحتاج العلماء إلى إجراء المزيد من الاختبارات على البشر والبحث عن هذه العدوى الغريبة والمخفية – قبل أن تصبح مشكلة.
المصدر: Nature نقلاً عن www.npr.org