منصة مصرف لبنان تُقلع دون وقود.. تصريف الوهم!
على خفر أقلعت منصة مصرف لبنان لصرف الدولار، دون أن تسجل أي خرق جدي في تغيير اتجاهات سوق صرف العملات الصعبة. وبقي دولار السوق السوداء على تغوّله بحدود 12650 و12700 ليرة لبنانية.
المنصة الموعودة مع مواعيد مؤجلة، أبصرت أخيراً النور ولكن على مضض البنك المركزي لم يُحمل نفسه عناء إصدار بيان يوضح العملية، والبنوك ومؤسسات الصيرفة المالية لا تزال متوجسة من المشاركة في عمل المنصة، وسجّل عملها في اليوم الأول حضوراً خجولة بل حركة لا تذكر لعمليتي تبديل عملات لم تتجاوز 300 دولار!
وبرّرت مصادر في مصرف لبنان ذلك بأن الإجراءات التقنية معقدة بعض الشيء وتحتاج إلى ساعات لتفعيلها وتسجيل دخول المصارف والصرّافين إليها لتعمل بشكل كامل.
من المفترض بعد أن أُطلقت المنصة، عبر التواصل التقني مع المصارف، أن تبدأ اليوم، منصة “صريفة” التي تهدف إلى الحدّ من “تدهور” الليرة اللبنانية، عبر جعل السوق “أكثر شفافية”، بحسب الوعود المواربة لمصرف لبنان لم يعلن عن أي عملية حتى اللحظة.
وذلك دون أن يحدد مصرف لبنان سعر صرف الدولار الذي سيتم اعتماده لعمل هذه المنصة التي سيسمح للمصارف من خلالها بـ”تأمين الحاجات التجارية والشخصية لعملائها، أياً تكن صفتهم، وفقاً للعرض والطلب في السوق”. ولا يُسمح بالبيع والشراء دفترياً بشكل مباشر عبر الحسابات المصرفية، بل إن العمليات محصورة بالأموال النقدية الورقية بالليرة وبالدولار.
وكان المصرف المركزي أصدر الاسبوع الماضي تعاميم تتعلق بعمل المنصة التي جرى تأخير إطلاقها أكثر من مرة، بعدما أنجز دورة تدريبية لموظفي المصارف والصرّافين على كيفية العمل فيها. وهو صرّح للمصارف بإجراء عمليات صرف العملات على أساس المنصّة الإلكترونية، وفرض على جميع الصرّافين المرخّص لهم وليس فقط من الفئة “أ”، استخدام المنصّة حصرياً لعملياتهم الصيرفيّة، والالتزام بشروط عملها، تحت طائلة شطب المؤسسات المخالِفة.
التشكيك بنجاح المنصة يرافق انطلاقتها منذ أن بدأت كفكرة، ومن الصعوبة البالغة بحسب مصادر مالية أن تؤدّي إلى تطوّر فعليّ يؤثّر على توازنات العرض والطلب في سوق الدولار، كون المصارف غير متحمسة للموضوع.
فيما سجّلت بعض المصارف الكبيرة اعترضاً على تمويل المنصة من منطلق عدم استعدادها لاستعمال المبالغ التي جمّعتها تطبيقاً للتعميم 154 من أجل تشغيل عمل المنصة، زادت خشية بنوك كبيرة بعد البيان الذي كان أصدره مصرف لبنان منذ أسبوع والذي أشار فيه الى أنه سيعاد قسم من الدولارات الى المودعين بالدولار، معتبرةً أن المركزي يمارس ضغوطًا على البنوك لا قدرة لها على تحمّلها.
ووقعت المصارف بين حدَّين: البحث عن التمويل والامتناع عن التعاون مع المنصة الأمر الذي يضعها في مأزق خسارة ما تبقى من ثقة الجمهور بالقطاع المصرفي!.
وكان الاجتماع الذي حصل في 19 آذار الماضي بين مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية شربل قرداحي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أسفر عن إعلان قرار إطلاق العمل بمنصة تداول بالدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، عائدة لمصرف لبنان.
وبحسب بيان بعبدا، فإن سلامه أعلم رئيس الجمهورية قرار المصرف المركزي “إطلاق العمل بالمنصة الالكترونية العائدة له بحيث يتم تسجيل كل العمليات وتصبح هي المرجع الاساسي للسعر الحقيقي للسوق”، وان مصرف لبنان سيتدخل لامتصاص السيولة كلما دعت الحاجة حتى يتم ضبط سعر الصرف وفقاً للآليات المعروفة.
في توصيف الوظيفة الفعلية للمنصة يُشخص كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبریل “إن الهدف الأقصى للمنصة هو منع تدهور سعر صرف اللیرة وليس بمقدورها أن توحد أسعار الصرف لأن ذلك يتطلب آلیة متكاملة لها علاقة بمناخ سیاسي صحي وبوجود حكومة لها برنامج إصلاحی من ضمنه آلیة لتوحید أسعار الصرف على المدى المتوسط والطویل”.
فشل مبادرة سلامة، مرتبط عضوياً بعدم توفر تدفقات العملة الصعبة بسبب تدني الاحتياطات الحرة لدى البنك المركزي دون المليار دولار، وهنا يقلق الخبراء من إمكانية “مد اليد” إلى الاحتياطات الإلزامية الخاصة بالمودعين في المصارف.
المصارف التي آثرت عدم الاندفاع للمشاركة في المنصة تعاني عموماً من الشح في توفر العملات الصعبة، حيث تبين المعطيات المجمعة لدى جمعية المصارف أن ميزان الحسابات الخارجية للمصارف لا يزال سلبياً لدى البنوك المراسلة بنحو 1.7 مليار دولار، رغم انكبابها على ضخ نسبة 3 في المائة من إجمالي ودائعها، أي ما يوازي نحو 3.5 مليار دولار في هذه الحسابات. وليس من المتوقع أن تكتمل عمليات الضخ في الحسابات الخارجية في وقت قريب، ولا سيما أن جزءاً وازناً منها يرتبط بالإنجاز التام لعمليات بيع وحدات مصرفية تابعة في الخارج.
وعلى ضوء انسداد آفاق الحلول الداخلية، ثمة خشية أن تفقد المنصة جدواها على غرار المنصة الأولى التي اعتمدت سعراً مرجعياً للدولار عند 3900 ليرة، وتحول إلى سعر معتمد لدعم مجموعة من السلع والمواد الأولية من جهة، ولصرف ودائع الدولار بالليرة ضمن سقوف محددة.
الخبير المالي الدكتور باتريك مارديني لديه الشكوك ذاتها حول أن المنصة لن تتمكن من لجم الدولار، لأن ارتفاعه مرتبط بعملية طباعة الليرة ووضعها بأيدي اللبنانيين الراغبين العملة الخضراء ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، وكلما استمرت طباعة الليرة لتمويل عجز الموازنة وتمويل المودعين من خلال سحب ودائعهم الدولارية بالعملة الوطنية سيستمر ارتفاع الدولار.
إلا أن مارديني يُعوّل على دور “صيرفة” في لجم القفزات الكبرى اليومية صعودًا ونزولًا، بعد دخول المصارف والصرّافين المرخّصين إلى السوق، وتمنع تحكّم طرف واحد به.
الاختبارات التمهيدية للمنصة سجلت إخفاقاً فاقعاً، في حين يُصر المتفائلون “الطلقة الأخيرة” من وصفة حاكم المركزي رياض سلامة على أن نتائج عمل المنصة ستظهر تباعاً بعد دخول المصارف والصرافين بزخم في عمل الصيرفة، على أمل ألا تكون مجرد عملية تصريف للوهم.
رانيا برو