الحريري معطلاً الوساطات الفرنسية والمصرية
ارتفاع بورصة التسريبات والتمنيات “المفتعلة” حول ارتفاع أسهم التأليف الحكومي، ولّد انتعاشاً اصطناعياً. من باريس إلى القاهرة وغيرها من العواصم المعنية بالملف اللبناني، لا أمل محسوس ولا انفراج ملموس يفك عن اللبنانيين “نحس” الجهنم المعيشي والاقتصادي.
كل المناورات وتدوير زوايا التعقيدات المانعة للحلول استنزفت. وفود زائرة واتصالات ومشاورات دولية ثنائية وثلاثية ودعوات للمسؤولين المعنيين لزيارة العواصم المؤثرة وتلويح بالعقوبات، كلّها من دون جدوى حتى اللحظة.
لا الأم الحنون فرنسا وتلويحها بالعقوبات الأوروبية على المسؤولين اللبنانية ولا أم الدنيا مصر استطاعتا أن ممارسة أمومتهما على الطبقة السياسية العنيدة وإتمام الولادة العسيرة لحكومة المهمة، التي ستنتشل لبنان من أزمات.
عدّة سيناريوهات حيكت في الأيام الأخيرة من إعلام كل الأطراف نثرت هباءً لا قيمة له في عالم السياسة، مبادرات وأفكار بالجملة وإشاعات خادعة عن ولادة حكومية مرتقبة قد تولد بين باريس وبيروت. والفكرة تقوم على استدعاء كلا من الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر، اللذان لم تتّسع للقائهما مساحة الوطن. واتضح أن الفكرة لم يُكتب لها التجسيد على أرض الواقع.
فالحريري كما قيل تذرّع بعدم قدرته على زيارة فرنسا بسبب زيارة محددة له في إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، إلا أنه اتضح لاحقاً أن موعد الزيارة في 22 نيسان الحالي.
مصادر متعددة مقرّبة من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تنفي الروايات المنسوجة في الإعلام حول زبارته الفرنسية، أمّا الحقيقة فتكمن في جهد فرنسي متواصل لحل عقدة انعدام التواصل بين الحريري وباسيل ليبدو الأمر كأن هناك “انتقام” شخصي بين الرجلين. وباريس، منذ آخر زيارة قام بها مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل إلى بيروت، كانت مقتنعة بوجوب الحوار بين رئيس المستقبل والتيار الوطني الحر، ويومها وخلال اجتماع دوريل مع باسيل جرى الاتصال بالحريري وأعرب حينها الإثنان عن عدم تمنعهما عن اللقاء.
لكن هذا الاتصال كان القناة الوحيدة للتواصل، ومن يومها لم يُبادر الرئيس المكلّف إلى التواصل مع باسيل وبقي السجال ساخناً إعلامياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما تولت باريس من جديد إقناع الحريري بلقاء باسيل في باريس، بعد أن بُحث الأمر مع مدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم خلال زيارته إلى باريس ولقائه مع باتريك دوريل، سرعان ما عدل الحريري عن الموافقة متذرعاً بوجوب اللقاء مع رئيس الجمهورية فقط وليس مع باسيل شأنه شأن باقي الكتل النيابية، وتارة أخرى بإخضاع باسيل التخلي عن الثلث المعطل، وهو الأمر الذي لم يطلبه باسيل لنفسه في أي لقاء مع “وسطاء الحل والربط”، كما تقول المصادر. وآخراً تحجج بزيارته الى الفاتيكان، علماً أن موعدها الزمني ليس قريباً بل بعد أسبوعين.
انزعاج فرنسي تمّ رصده من سلوك الحريري، لأنه نسف كل الأفكار الفرنسية حتى الآن، وفق ما تقول مصادر مطلعة على قنوات الاتصال الفرنسية. وبناءً على ذلك انتفت جدوى زيارة جبران باسيل إلى فرنسا ما دامت لن ترى ثماراً حكومياً مرتجى.
منذ انطلاق المبادرة الفرنسية في آب/ أغسطس 2020، حتى هذا اليوم الذي تنشط فيه الدبلوماسية الفرنسية، شاركت “أم الدنيا” “الأم الحنون” الهمّ اللبناني، وإذا كانت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري اليوم، هي قلب الحدث الحكومي، فإن سفير جمهورية مصر العربية ياسر علوي، كان أب الحراك العربي بين البيوت السياسية اللبنانية لحل الأزمة ضمن المبادرة الفرنسية طبعاً، وفق ما يردد علوي في مجالسه، دون أن يكون قاهرة المعز مبادرة مصرية خاصة.
وما يردده علوي، ذكره الضيف المصري في لقاءاته مع المرجعيات السياسية اليوم التي شملت، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
ولاحقاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي انفرد بشعار التسوية، وأيده فيها شكري. وشملت زيارة شكري اتصالاً برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، المصاب بكورونا، ولقاء مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل.
شكري الذي أكد خلال تصريحاته عقب اللقاءات أن مصر مستمرّة ببذل كل الجهود للتواصل مع كل الجهات للخروج من الأزمة.، أكد الحقيقة المرّة للنفق الحكومي المظلم بقوله “للأسف بعد ٨ أشهر من انفجار مرفأ بيروت، لا يزال هناك انسداد سياسي والجهود تبذل لتشكيل حكومة من الاختصاصيين القادرين على الوفاء باحتياجات اللبنانيين وتحقيق الاستقرار المهم للبنان والمنطقة ومصر”.
وإذ أعرب عن تثمين مصر الكبير لوجود رئيس مجلس النواب نبيه بري وللمبادرات التي يطلقها للعمل على الخروج من الأزمة، أكد اهتمامه بالشأن اللبناني وتطلعه الى مواصلة اللقاءات مع الفرقاء اللبنانيين لنقل رسالة الحرص على تجاوز الأزمة في أقرب وقت. فيما سمع من رئيس الجمهورية أن الخروج من الأزمة الراهنة يكون باعتماد القواعد الدستورية والميثاقية و”بالتعاون مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون إقصاء أو تمييز”.
تجدّد الحركة الفرنسية يرافقها الدعم المصري والتمنيات من خلال تحريك الاتصالات بكل القوى السياسية والطلب منها تقديم تنازلات لتسهيل ولادة الحكومة واقتناع فرنسا بصيغة الـ24 وزيراً باعتبارها الأنسب والأمثل، كلّها مؤشرات على الوقوع بين خيارين التسوية اللبنانية أو الإرتطام الكبير حتماً إذا تعطّل الخيار الأول وهو ما لا تبتغيه فرنسا ومصر لتأثيراته على المنطقة ككل.
رانيا برو