الأساتذة المُستعان بهم: “ناس بدولار وناس بليرة”
لا أمل في انتظار المعجزات من نظام متهالك، اختلّ ميزان قواه، والقائمون عليه يرفضون الاعترافَ بانقضاءِ الأجلِ الذي كُتبَ له.
بالرغم من ذلك، تنتظر العائلة التربوية في لبنان نتائج التحرّك، الذي أعلنه وزير التربية الوطنية الدكتور طارق المجذوب، علّها تُحصّل شيئاً من حقوقها، في خضمّ الانقسام الوطنيّ ومديونيّة الدولة وفقدان السيولة النقديّة.
و”المستعان بهم بعد الظهر” في مدارس لبنان جزءٌ من العائلة التربوية المظلومة، وقد بدأوا إضراباً مفتوحاً، منذ فترة، للمطالبة بحقوقهم المهدورة، فامتنعوا عن التعليم، ونظّموا تجمّعات احتجاجيّة أمام مبنى الأمم المتّحدة ووزارة التربية الوطنيّة، ولمّا يحصلوا على أيٍّ من مطالبهم!
من هم المستعان بهم بعد الظهر؟
فـ”المستعان بهم بعد الظهر” – لمن لا يعرفهم – فئة من بدائع النظام التربويّ والإداري في لبنان، يفوق عددهم الـ6000 معلّم ومعلّمة، يتولّون تعليم وتربية الآلاف من التلاميذ غير اللبنانيين، وهم جزء من طيفٍ واسعٍ من حاملي “أوسمة” الانتساب إلى الإدارة اللبنانية، حيث ثمّة أصحاب “تعاقد” و”عقود مصالحة” و”تفرّغ”…وثمّة أرباب “ملاك” هم أهل الشأن والحظوة في هيكل النظام التربويّ اللبنانيّ.
المثير للسّخرية في موضوع المستعان بهم بعد الظهر هو تقاذف المسؤولين المسؤولية تجاهم، بل الكذب في موضوع المسؤول عن صرف الدولار، وفي المسؤوليّة عن تحويله إلى حساب المعلم، وفي تسمية المرجعية الصالحة للبتّ في الموضوع برمّته. ولذلك تحرّك في العام المنصرم عددٌ من المحامين اللبنانيين، وسجّلوا إخباراً ضد مسؤولين في وزارة التربية، تضمّن «جرائم ومخالفات في برنامج الأمم المتحدة لتعليم اللاجئين الذي تديره الوحدة»، ما استدعى الطلب إلى المدير العام للتربية فادي يرق، وإلى مديرة وحدة التعليم الشامل في الوزارة صونيا خوري، المثول أمام القضاء للاستماع إلى إفادتيهما.
ملايين الدولارات موضوع مساءلة
وذكرت مصادر مطلعة في حينه أن التحقيق يتناول الاستفادة المالية بما يعادل 9 ملايين دولار، بالإضافة إلى اختفاء عقود مقاولة لترميم بعض المدارس الرسمية، واحتفاظ وحدة التعليم الشامل بـ21 مليون دولار على أنها أرباح للبرنامج، على الرغم من أن أموال المانحين الدوليين يجب أن تدفع للمدرّسين والمدارس.
عقود إكراه يمضيها المستعان بهم عنوةً
وأكملت وزارة التربية “النُقل بالزّعرور” فأرغمت المعلّمين المستعان بهم على توقيع عقود إقرار بالتنازل عن كلّ حق لدى الدولة اللبنانية، في وقت صمت الفاعلون التربويّون إلا قلّة منهم عن ظلامة المستعان بهم، بالرّغم من التأييد الكلاميّ، خصوصاً أعضاء لجنة التربية النيابية.
يأتي التحرك الأخير للمستعان بهم بدعوة من لجنة تنسيق خاصّة بهم لم تنلَ تأييداً رسمياً من أيّ جهة سياسيّة أو نقابيّة، حيث جلّ كلام الرسميين والناشطين أننا “ندعم مطالبكم”.
السباعي: الدولار اختفى ولم ندرِ ما حصل
في هذا السياق، يتحدّث الأستاذ محمد السباعي، مدير ثانوية حسين علي ناصر في برج البراجنة، لـ “أحوال” عن تجربته في رفع مطالب المستعان بهم فيقول: “في أول سنتين من تعليم السوريين في لبنان، كانت الأمور على ما يرام، حيث كان كلّ مدير يقبض مباشرة ٦٠٠ دولار عن كلّ طالب سوريّ، ثم يقوم بتوزيعها وفق الأصول والإجراءات القانونية. لكن المأساة بدأت حين تمّ إيكال الأمر إلى وحدة التعليم الشامل من دون أيّ رقابة من جهاز التفتيش أو غيره”.
ناس بدولار وناس بليرة
ويلفت السباعي إلى مفارقة أن مديرة التّعليم الشّامل التي تصرّ على الاعتراف بحقوق المستعان بهم، وفريقَ عملها، يقبضون مستحقاتهم بالدولار الأميركي، ما يطرح التساؤل الآتي لدى السباعي: “لماذا تقبض مديرة التعليم الشامل للسوريين وأغلب فريق عملها معاشاتهم بالدولار، بينما المديرون والنظار والمعلمون يقبضون بالليرة اللبنانية؟! فإن كان الدولار محرّماً على الموظفين فلماذا يُحلّل للخوري وبعض المساعدين لها؟”.
والأدهى لدى السباعي التمييز بين المستعان بهم أنفسهم: “إذ ثمة تمييز في بدل ساعة الناظر (12000ل.ل) وبدل ساعة المدير (15000ل.ل) وبدل ساعة المعلم (20000 ل.ل)”.
ثم يتساءل السباعي عن سبب الافتئات على المدارس وصناديقها بالقول:
“لماذا يتمّ حسم 100 دولار عن كلّ طالب سوري، مخصّصة لصناديق المدارس، بذريعة تأهيل المدارس والثانويات ولا يتمّ تأهيل الكثير منها؟!”.
ويضيف السباعي: “في السنة الفائتة دفعوا لنا أموالنا بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف 1500 ليرة، فكانت الكارثة أن المدير مثلاً قبض 6 ملايين ليرة بدل 4 آلاف دولار؛ كذلك تأخر دفع المستحقات ثمانية أشهر من دون مراعاة لسرعة ارتفاع سعر الدولار؛ أما صناديق المدارس فباتت فارغة وعاجزة عن دفع مستحقات العاملين في الخدمة المدرسيّة”، منتقداً التعامل الاستعلائي مع المديرين وتكليفهم أعباء ليست من مهمّاتهم.
مطلب المستعان بهم: المساواة
وطالب السباعي بالقبض بالدولار، ومساواة الكادر التعليمي على اختلاف مهماته، وبعدم حسم ساعات الإرشاد الصحي طوال فترة كورونا، بالإضافة إلى دفع مستحقات صناديق المدارس بالدولار، وزيادة أجور العاملين في المكننة والخدمة المدرسية والدفع الشهري.
ما يحصل مع المستعان بهم لا يداني جهودهم
يرفض الأستاذ حمزة منصور (منسّق حراك المتعاقدين في التعليم الرسميّ) الظلم اللاحق بالمستعان بهم في فترة ما بعد الظهر، معتبراً إيّاهم جزءاً من العائلة التربوية في لبنان، ويقول لـ “أحوال”: “نرفض أيّ ظلم لحق بها، سواء أكان أفرادها من العاملين في المرحلة الأساسيّة أو الثانويّة أو الفرع المهنيّ، أو كانوا من المستعان بهم في تعليم السوريين بعد الظهر؛ أولئك الذين تقدّر ساعتهم بـ 20000 ل.ل فيما بعض التربويين والمرشدين يقبضون 15,000 ل.ل؛ وهذا معيب بحقّ أشخاص يبذلون جهداً في تنفيذ مهمّة صعبة تقتضي معالجة حالة الطالب النازح وما يعانيه من أزمات بسبب الحروب”.
التعليم الشامل يحمّل المركزي المسؤولية
وحول فرق الدولار، يوضح الأستاذ منصور بالقول: “طالبت السيدة صونيا خوري بهذا الأمر، وراجعتُ غيرها في وزارة التربية بخصوص تخطّي سعر صرف الدولار الـ10000 ل.ل؛ فلماذا لا يحتسب الأجر على سعر صرف الدولار، أو فليتمّ إعطاء الساعة بالدولار مباشرة؟. فكان الجواب أن الأموال تحوّل إلى المصرف المركزي، وهو المسؤول عن صرفها”.
يتوقّف منصور عند نقطة تحويل الدولار إلى ليرة لبنانية، فيعتبرها “قطبة مخفيّة؛ وهنا نطالب بإعادة إعطاء المعلم بدل السّاعة بالدولار. فقيمة العشرة دولارات ترتفع من 20,000 ل.ل حالياً إلى ما يقرب من 140,000ل.ل”.
مسؤولية وزير التربية لا يمكن التهرّب منها
ولا يصرف منصور جهده في البحث عن المسؤول في موضوع حقوق المستعان بهم، بل يتوجّه مباشرة إلى وزير التربية، لأن “الوزير القوي هو الذي يضع تحت جناحيه كلّ متفرعات ومديريّات الوزارة!”.
ويؤيّد منصور مطالب المدير محمد السباعي، ويتأسف للعقليّة التي تصرّ على الإجحاف بحق المعلم، ويشير إلى المساعدات التي قدّمت إلى أولياء أمور طلاب المدارس الرسميّة واستثني منها المعلمون، ويقول: “المؤسف أن المتعاقد والمستعان به لم يقبضوا مساعدات كبقية أولياء الأمور في المدارس الرسمية، لأنّه – للأسف – لا يوجد تربية، ولا لجنة تربية نيابية، ولا حكومة في لبنان… ونحن تحدّثنا مع الوزير والمعنيين عن سبب استثناء المتعاقد والمياوم، فكان الجواب أن هذا المتعاقد والمياوم والمستعان موظفٌ! والاستغراب أن يكون هذا موظفاً ولا يقبض كلّ شهر، وليس له استشفاء، ولا ضمان، ولا بدل نقل، ولا أمومة، ولا تعاونية موظفي دولة، ولا أيّ شيء!”.
لجنة التربية النيابية في غفوة
بتأكيد الأستاذ حمزة منصور استرخاء لجنة التربية النيابية بل نومها انتهى حديثه، لكن الإصرار على التشبّث بالمطالب يتعزّز لدى أغلب التربويين، وهم يرون وطنهم ينحدر إلى القاع، بسبب التقاعس في المطالبة بالحقوق الشرعيّة منذ عهد قديم، ما جعل الفساد يستفحل والفاسدين يعزّزون قبضتهم على السلطة والمجتمع.
طارق قبلان