فوقية رشا الأمير… أبًّا عن جد
رغم السخرية التي خلقها فيديو رشا الأمير الذي تتحدّث به عن تطويب شقيقها لقمان سليم قديسًا إلّا أنّ تصريحها هذا جاء متناغمًا مع سلوكيات هذه المرأة وغرابة أطوارها. فمن يتابع أحاديث رشا، واسمها الحقيقي رباب، يدرك أنّه أمام امرأة ذات تركيبة معقدة.
فالمرأة التي كرهت اسمَها الأساس وأنكرته تمامًا كما كرهت وأنكرت البيئة التي تحيطها، اختارت لنفسها اسمًا آخرًا ولقبًا بديلًا عن عائلتها، فـ”الأمير” ليس كنية زوجها أو طليقها كما يعتقد كثيرون، بل اسمًا اختارته كبديل عن سليم. هي التي كانت ولا زالت تطرح نفسها كشاعرة، انتقت كنية الأمير في أوّل إصدار شعري لها. تعرّت من اسمها وكنيتها ومحيطها… هكذا مضت رشا.
تنحدر رشا من عائلة تصنف نفسها من برجوازية المدينة وتتعاطى الشأن الفكري والسياسي، هي ابنة النائب محسن محمد سليم الذي انتُخب عن بيروت عام 1960. كان والدها قد انتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل أن يطرده الزعيم أنطون سعادة، علمًا أنّ الأخير، بعد عودته من مغتربه القسري في الأرجنتين وقبل عامين من إعدامه، كان له خطاب تاريخي من على شرفة منزل سليم في حارة حريك. المنزل نفسه الذي ترعرع به لقمان ورشا. بعد طرده انتقل سليم إلى اليمين الوسطي وتحديدًا إلى الشمعونية التي جاءت به نائبًا.
تعتبر رشا نفسها، حالها حال كل أفراد عائلتها، أنّها من شيعة المدينة الأرستقراطيين الذين لطالما وقفوا ضد شيعة الأطراف أو شيعة القرى، هم ينظرون إليهم على أنّهم أقلّ علمًا وتحضرًا كما يعتبرون قدومهم إلى الضاحية هو احتلال لبيروت. وربما من هذا المنطلق غرّد النائب الشيعي البيروتي باسم السبع عن مأتم لقمان في الضاحية قائلًا “اقتحام حضاري للمربع الأمني”. هذا العصب كان ولا يزال موجودًا في لبنان… وهذه خلفية رشا.
منذ مقتل شقيقها، احتلّت المرأة التي لا زالت تحتفظ بهاتف فقيد العائلة صفحات مواقع التواصل، كانت مادة دسمة للتندّر حينًا وللهجوم حينًا. اغتنمت مقتل شقيقها لتطلق مواقف سياسية داعمة لأميركا ومناهضة لكل من هم في المحور المقابل، انحازت للأنظمة العربية الرجعية، فأشادت بالبحرين في حين تصف نفسها مثقفة وتقدمية وتحررية. تغنّت غير مرّة بكتبها، فهي تقول وفي إطار هجومها على بيئة المقاومة “أنا عندي كتب”، وتقول مرة ثانية لدى سؤال المُحَاور لها عن الهاتف الذي لا زال بحوزتها، “أنا عايشة بين كتبي” في جملة نافرة لا تخدم سياق الحديث. وكأنّ ميزة امتلاك الكتب استثناء يستحق الاستهجان. تصرفت كحديثي الثقافة، هؤلاء يشبهون حديثي النعمة الذين يتباهون بالأموال والماركات، تمامًا كما يفعل حديثو الثقافة والمعرفة، يزجّون الكتب في أحاديثهم بطابع اسعراضي واستعلائي… هكذا تفعل رشا.
ربما فات ابنة العائلة الارستقراطية أنّ المثقف بالمعنى العميق لا يعتبر قراءته للكتب فعلًا استثنائيًا يستوجب المكافأة والتصفيق، وأنّ المثقف الحقيقي يدرس بيئته ويفهمها لا يتعالى عليها بحجّة أنّه وبخلاف كل المحيطين “يقرأ الكتبَ”… وما نفع الكتب ان لم ترقَ بالموقف؟!
وربما أيضًا فات شقيقة المغدور التي لم تبدِ أي احترام لحرمة الموت، أنّ من يتباهى بثقافته ويكثر الحديث عنها هو جاهل مرّ بمحاذاة الثقافة فتصوّر أنّه بلغها، هؤلاء يصح وصفهم بأنصاف المتعلمين، وهم أشد خطورة من الجهّال، فهم وان امتلكوا المصطلحات والعناوين إلّا أنّهم بقيوا على جهالة من أمرها… هكذا هي رشا.