تمديد الإقفال بين سوء إدارة ملف كورونا وصرخة المواطن
يدخل لبنان اليوم على عتبة أسبوعه الثالث من الإقفال الشامل، ولأنّ عداد الإصابات بفيروس كورونا لم ينخفض، أوصت لجنة كورونا بتمديد الإقفال بين 10 إلى 15 يوم؛ وأخذت الحكومة بالتوصية حيث تم التمديد إلى الثامن من شباط المقبل. يحصل كل هذا مع تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية، واقتراب اللبنانيين من مرحلة التعايش مع رفع الدعم بسبب نفاذ العملة الصعبة، فهل يستطيع المواطن اللبناني واقتصاده تحمّل إغلاقات كهذه؟
ارتفاع أسعار السلع بنسبة 600 بالمئة
رأى عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عدنان رمال في حديثٍ لـ “أحوال”، أنَّ الوضع الاقتصادي صعبٌ ومعقد جداً، وذلك نتيجةً للأزمة المالية والنقدية التي سببت انكماشاً اقتصادياً غير مسبوق، الأمر الذي أدى إلى تضخم وارتفاع كبير في أسعار السلع والاحتياجات وصل بعضها إلى 600%، لتأتي الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي وباء كورونا لتزيد “الطين بلّة”، وتضرب أي إمكانية لتعويض الخسائر الكبيرة، بل وزدات عليها أعباءٌ ضخمة تحملتها المؤسسات الاقتصادية، ومنها كلفة الرواتب والأجور، والمصاريف التشغيلية، من إيجارات وفوائد مصرفية عالية على قروضها، وكافة أنواع الضريبة، من بلديات وضريبة رواتب واشتراكات الضمان وغيرها من المصاريف التي تُدفع من دون أي انتاج في فترات الإقفال. وهذا أمرٌ شديد الخطورة يقول رمال، حيث أنّه لا توجد إمكانية للكثير من المؤسسات على الاستمرار ، وسوف تذهب قسرياً إلى الإغلاق، مما سيؤدي إلى فقدان فرص عمل وإفلاسات.
بالمقابل، رأى الباحث المالي والاقتصادي د. محمود جباعي أنّ خسائر الإقفال عالية جداً، وتحديداً على المؤسسات الصغيرة التي ليس لها قدرة على المنافسة والاستمرار مثل المؤسسات الكبيرة؛ حيث أنَّ أغلب انتاجها يومي، إن كانت سلع خدماتية ( الحلاقة مثلاً) أو سلع استهلاكية (أدوات منزلية مثلاً). مضيفاً، هناك نقص بالطلب وخسائر على الإستهلك، وبالتالي استمرار الأمور كما هي عليه سيقتل الاستثمار في هذه المشاريع. ولفت جباعي إلى أنَّ معظم دول العالم يعتمد ناتجها المحلي بنسبة 40% على المؤسسات الصغيرة، لذلك عندما تخسر هذه المؤسسات انتاجها اليوم، فهي تؤثر على الناتج المحلي الإجمالي في البلد وبالتالي النمو الاقتصادي، مما يزيد من الركود الاقتصادي.
لا خطة واضحة للّجان
تأخذ الحكومة القرارات بناءً لتوصيات لجنة كورونا. ولكن حسب رمال، فهذه التوصيات ليست مبينة على خطة واضحة، بل هي توصيات بالمسايرة وبناءً على ردات الفعل. ويبدي رمال الاحترام لجهود اللجنة و”لكنها تفتقر إلى الخبرة وبعيدة عن الواقع”، مؤكداً أنَّ القطاع الاقتصادي طالب بتمثيله في اللجنة لإضافة خبرته، الأمر الذي تجاوب معه وزير الداخلية، ولكن أتى الرفض من اللجنة.
هذا، وأكّد جباعي أنَّ التخبط سيد الموقف في إدارة ملف كورونا في لبنان، وأكبر دليل على ذلك هو فتح البلد خلال فترة الأعياد، لتستفيد منها أماكن سياحية محددة. وهنا يستدرك الباحث المالي والاقتصادي أنَّ الأمر قد يكون عبارة عن صفقات معينة لبعض النافذين، يدفع ثمنها المواطن؛ لافتاً إلى أنَّ معظم دول العالم استطاعت المحافظة على 60% من دورتها الاقتصادية مع تفشي الوباء، أما في لبنان، يتم تمديد الإقفال بشكل عشوائي وبدون خطة واضحة، ليدمرّ المؤسسات بكافة أحجامها، ولكن بشكل أكبر المؤسسات الصغيرة.
مليار دولار خسائر في فترة الإقفال
ضغط القطاع السياحي بإتجاه فتح البلد في فترة الأعياد ونال ما أراده، الأمر الذي وجده رمال قراراً كارثياً. “فهو حتماً حقق ربحاً معيناً لأصحاب هذا القطاع لمدة أسبوع، ولكنه أدى إلى إقفال البلد ومعه كل القطاعات الاقتصادية، مما سبب أزمة معيشية وخسائر تقارب المليار دولار، وهذا تتحمل مسؤوليته لجنة كورونا نتيجة قراراها المتسرّع وغير المدروس”.
وهنا يرى جباعي، أنّ أغلب المؤسسات الصغيرة غير مسجلّة، لذلك لا يمكن إحصاء الخسائر بشكل دقيق، ولكن يمكن التأكيد أنَّ الخسائر تُقدر بملايين الدولارات يومياً.
مواءمة الاقتصاد مع الواقع الصحي
تتزايد الإصابات بفيروس كورونا يوما بعد يوم، وما يقلق أكثر هو تزايد عدد الوفيات جراء الفيروس، أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية، ممّا يوقع الدولة بين نارين.
في هذا الإطار، لفت رمال إلى أنّه يجب مواءمة عمل القطاعات الاقتصادية مع الواقع الصحي، وعليها أن تتعايش مع حدٍ أدنى للبقاء والاستمرارية. وهذا يمكن تحقيقه عبر وضع رؤية واضحة لكل القطاعات والتنسيق فيما بينها؛ مشيراً إلى أنَّ القطاعات التجارية بأغلبيتها يمكن أن تستمر مع إجراءات التعبئة والتباعد، من خلال مراقبة متشددة من الدولة، فهي لا تكتظ بالناس في الايام العادية. وأردف أنّه لا يمكن الإبقاء على الإغلاق لفترات طويلة، وإلا سنكون أمام أزمة معيشية كبيرة وازدياد البطالة، وسيتأثر بشكل خاص عمال المياومة والطبقة الفقيرة.
من جهة أخرى، أكّد جباعي أنَّ الدول الأميركية والأوربية استطاعت ضبط الوباء بدون ضرب اقتصادها، وهذا يمكن تحقيقه في لبنان. إذ يجب أن يتم الفتح التدريجي مع التشدد بإجرائات التباعد، خاصة أنَّ أرقام كورونا لم تنخفض بل هي في استمرارٍ بالتزايد، بل وتتزايد أعداد الوفيات. هذا عدا عن أنّه لا قدرة للدولة على مساعدة الناس بقوتهم اليومي. وقال جباعي: ليس مطلوباً من المعنيين إلاّ تقليد دول الخارج في موضوع كورونا، وإلا فالتفاوت الاجتماعي الذي حصل بسبب الأزمة الذي سُحقت فيه الطبقة المتوسطة، سيتعمق أكثر وأكثر ويؤدي إلى كارثة معيشية إجتماعية، وطبعاً لن يرغب أحد بالاستثمار في البلد.
صرخة أصحاب المصالح
حول تداعيات الإقفال، جال أحوال على بعض آراء أصحاب المصالح والمؤسسات الصغيرة. وقال أحدهم، رافضاً ذكر اسمه: قبل هذا الإقفال، كان هناك إقفالين، وكنت بالكاد أستطيع دفع إيجار المحل ورواتب الموظفين بسبب قلة الزبائن والأزمة الاقتصادية، أما هذا الإقفال فقد قضى على عملي كلياً. حيث يترتب علينا دفع الفواتير، إن أنتجنا أو لم ننتج. هذا عداك عن الخسارة في البضاعة إذا انتهت مدة صلاحيتها.
مالك مطعم: خسائر يومية
وقال صاحب مطعم: رغم أنّه سُمح لنا بالفتح حتى الساعة الخامسة، ولكن بسبب الإرتفاع الكبير بأسعار البضائع، عدد ساعات الفتح لا يكفي حتى لاسترجاع نصف كلفة البضائع؛ مما يعني أنّنا نتكبد خسائر يومية تصل إلى 500 ألف ليرة، هذا عدا عن الفواتير وإيجار المحل ورواتب الموظفين، ولذلك بعد كل إغلاق ننتهي بخسارة تتعدى ال 10 مليون ليرة.
مالك نادي رياضي: أزمة هبوط سعر الليرة
قال صاحب نادي رياضي: كنوادي رياضية، كنا نعاني أصلا من الأزمة الاقتصادية، حيث أنَّ أي ألة تتعطل، نتكبد دفع تصليح قطعها أو شراء غيرها بالدولار، مثلاً اللمبة ثمنها 10$ كانت 15 ألف ليرة بينما اليوم هي 90 ألف ليرة، ولا قدرة للزبائن على تحمل كلفة اشتراك شهري أكثر من 75 ألف ليرة؛ فيما اليوم مع الإغلاق فقد أصبحنا ندفع الإيجار (2000 $ شهرياً)، بالإضافة إلى فواتير كهرباء الدولة وإشتراك موّلد، ومياه وغيرها من دون إنتاج؛ هذا عدا عن رواتب الموظفين. وإذا استمر الأمر هكذا لن يبقى هناك نوادي رياضية في لبنان.
صاحب متجر ألبسة: تكاليف بالملايين
وقال صاحب متجر ألبسة: تصل تكاليفي الشهرية إلى ما يقارب ال 6 مليون ليرة، من إيجار محل ورواتب موظفين وفواتير، بينما إنتاجي صفر، وبضاعتي كلها بالدولار، والثياب يجب أن تتغير موسمياً، وسينتهي موسم الشتاء في شهر 2، إذا استمر الإغلاق لن أستطيع الاستمرار.
هذا الرأي توافق مع زميل له، قال: لا أستطيع تحمل كلفة الإغلاق، ولا يمكنني لوم صاحب الملك لطلبه الإيجار فقد يكون مصدر رزقه الوحيد، ولا أريد خسارة الموظفين الذين أصبح راتبهم لا يساوي شيء مع الأزمة النقدية، فيما البضائع مكدسة في المحل.
احتفل لبنان منذ بضعة أشهر بالمئوية الأولى لكيانه، ولكن غاب عن المحتفلين أنَّ هذا البلد في كل هذه المدة لم يكن بلداً ذا خطة في أي قطاعٍ من قطاعاته. فكل تعامل المسؤولين فيه مع المشاكل والأزمات هو ردات فعلٍ غير مدروسة، تكون تبعياتها كارثية دائماً؛ وما كورونا إلا ملفٌ جديد يضاف إلى كل تلك الملفات بسوء الإدارة. وبدل أن يتم وضع الملف بعهدة اختصاصين يديرون الأزمة من كل النواحي، تتدخل السياسة من جديد لتضع اللبنانيين بين سندان الجوع ومطرقة كورونا.
محمد شمس الدين