حقوق

التصويت الإلكتروني هل هو الحل لانتخابات نزيهة في لبنان؟

حقّ الاقتراع في أي انتخابات مصانٌ من قبل الدستور اللبناني، الذي ينصّ على أن يمارس كل اللبنانيين حقهم في التصويت. ولكن السؤال الذي يسبق كل عملية انتخابية يدور حول الآلية التي يجب اتباعها، والقانون الانتخابي الأفضل لتحقيق تمثيل فعليّ للشعب.

إلا أنّ الانتخابات اللبنانية، سواءً أكانت نيابية أو بلدية أو فرعية، تدور حولها العديد من التساؤلات خصوصاً لجهة الشفافية والمصداقية. فهل يساعد التصويت الإلكتروني على الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة؟

هذه التساؤلات حملها موقع “أحوال” إلى الخبراء وأصحاب الاختصاص للوقوف على آرائهم حيال فعالية التصويت الإلكتروني في الانتخابات المقبلة.

حق الإقتراع في قانون الانتخابات

نصّ قانون الانتخابات في مقدّمته على حق كل مواطن بالانتخاب، وجاء في المادة 3: “لكل لبناني أو لبنانية أكمل السن المحددة في الدستور سواءً أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، ومتمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وغير موجود في إحدى حالات عدم الأهلية المنصوص عليها في هذا القانون، أن يمارس حقه في الاقتراع”. وفنّد القانون في مواده الشروط والمؤهلات لكل من الناخبين والمرشحين.

الـLAU… نموذج التصويت الالكتروني عن بعد

تعدّ الانتخابات الطالبية نموذجاً مصغّراً عن الانتخابات الوطنية، لذا تعتمد كل جامعة نظام تصويت خاص بها. وقد لجأت بعض الجامعات الى اعتماد آليات تصويت مختلفة، ومنها التصويت الإلكتروني. واختارت الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) أن تطبّق نظام التصويت الإلكتروني عند بعد، منذ العام 2016، والذي يقوم على مبدأ “ناخب واحد، صوت واحد”.

وفي هذا الإطار، يشرح د. مكرم عويس، عميد الطلبة في الجامعة اللبنانية الأميركية – حرم جبيل، الأسباب التي دفعتهم إلى اعتماد هذا النظام. ويوضح أنّ “هذا النوع من التصويت متاح أمام جميع الطلاب، ويعتبر آمناً إلى حد كبير، بالإضافة إلى أنه يسهّل عملية الانتخاب ويخفف من التشنجات والخلافات التي قد تحصل بين الطلاب في يوم الانتخاب”.

ولفت إلى أنّ “هذا النوع من التصويت خفّف الكثير من الضغوطات الممارسة على الطلاب في يوم الانتخاب، وزاد من نسبة المشاركة في الانتخابات”.

أما عن الآلية المتبعة، فأوضح د. عويس أنّه “يتم إرسال رقم خاص لكل طالب يستخدمه يوم الانتخابات عند الدخول إلى النظام للتصويت”. وأوضح أنّ “هذه الطريقة منعت مشاركة كلمات السر بين الطلاب أو خرقها”.

ومن ناحية الأمن الرقميّ، أكدّ أنهم “حريصون على توفير أقصى درجات الحماية الرقمية لنظامهم الانتخابي، حيث يعمل الفريق التقني على مراقبة النظام باستمرار وتوفّره في خدمة الطلاب يوم الانتخاب في حال مواجهتهم لأي مشاكل تقنية”.

وأشار إلى أنّ “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE) تشرف على انتخابات الجامعة منذ لحظة الترشّح وحتى إصدار النتائج”، معتبراً أنّ “التصويت الإلكتروني تجربة ناجحة يمكن تطبيقها على صعيد الوطن”.

الـ USJ نموذجاً آخر للتوصيت الإلكتروني

اختارت الجامعة اليسوعية، بدورها، نظام الانتخاب الالكتروني على غرار الجامعة اللبنانية الاميركية، ولكن تختلف عنها من جهة إلزامية الحضور يوم الانتخابات.

وشرحت د. غلوريا عبدو، مديرة قسم الحياة الطلابية في الجامعة اليسوعية، آلية الانتخاب الإلكتروني المعتمد لديهم منذ العام 2013، مع إلزامية الحضور إلى الجامعة للاقتراع. وأكدت أنّ الجامعة حرصت على اتخاذ كل الإجراءات الرقمية لتوفير الحماية لبيانات الطلاب، مع تأمين السرية التامة ومنع الخروقات للنظام.

وأشارت إلى أنّ “الفريق التقني أعد نظاماً محصوراً فقط بشبكة الجامعة ولا يمكن الدخول إليه إلاّ في فترة الانتخابات الممتدة على 3 أيام فقط”. وفي ما خصّ آلية التصويت، أوضحت د. عبدو أنّ “الطلاب يحضرون إلى الجامعة، ويدخلون إلى غرف الاقتراع ويختارون مرشحيهم على شاشة رقمية، وعند الإنتهاء من التصويت، تطبع ورقة بالأسماء التي قاموا بالتصويت لهم، ليأخذها الطالب ويضعها في صندوق الاقتراع بعد الخروج من خلف العازل”.

أمّا عن الأسباب التي دفعتهم إلى اعتماد هذا التصويت، فلفتت إلى أنّ “هذه الطريقة ساهمت في زيادة شفافية الانتخابات ونزاهتها، واعتبار أوراق الإقتراع حلاً بديلاً في حال حدوث أي عطل تقني”. وأضافت أنّ “هذا التصويت أتاح الفرصة أمام الطلاب لعيش الأجواء الانتخابية كاملة”.

وعمّا إذا كانت تجربة الجامعة اليسوعية مع التصويت الإلكتروني تصلح للتطبيق على مستوى الانتخابات الوطنية، أكدت د. عبدو أنّها “تجربة ناجحة وممكنة على الصعيد الوطني، ولكنها تتطلب الكثير من التجهيزات اللوجستية والموارد البشرية والمادية”.

LADE: نموذجا الجامعتين ناجحان ولكن

تتولّى الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات الإشراف على الانتخابات الطلابية في الجامعات، وراقبت عن كثب تطبيق التصويت الإلكتروني في الجامعتين.

وفي هذا الإطار، علّق علي سليم، المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE)، على نموذجيّ الجامعتين. وأشار إلى أنّ ” التصويت الإلكتروني قد يكون ناجحاً في الجامعات كونها بيئة محصورة، ولكن على صعيد الوطن هناك العديد من الصعوبات”.

وإذ أكد أنّ “التصويت الإلكتروني يسرّع من فرز الأصوات وإصدار النتائج الصحيحة والدقيقة”، إلا أنّ “تطبيقه على صعيد الانتخابات اللبنانية لا يوفّر النزاهة والشفافية للانتخابات، طالما أنّ الهيئة الناظمة للإنتخابات لا تحظى بثقة الشعب”.

ولفت سليم، إلى أنّ “التصويت الإلكتروني لا يلغي الضغوطات السياسية الممارسة على الناخبين، بل يمكن أن يزيدها في ظل غياب الرقابة، ما يؤدي إلى غياب سرية الاقتراع”.

وفي ما دحض سليم الإعتقاد الشائع أنّ التصويت الإلكتروني يزيد من نسبة الإقتراع، أكد أنّ “اعتماد مكان السكن لدائرة الأصل (MegaCenter) هو الخيار الأفضل لزيادة نسبة الإقتراع”. ويقوم هذا النظام على تسجيل مسبق للناخبين في أماكن سكنهم، للتمكّن من التصويت لمرشّحي مناطقهم مباشرة من مكان إقامتهم؛ وهذا يساعد على التخفيف من اضطرار الناخبين إلى التوجه إلى مسقط رأسهم للتصويت، بل يمكنهم ممارسة حقهم في الاقتراع من المنطقة التي يقيمون بها.

ولفت إلى أنّ “التثقيف الانتخابي للشعب هو الحل الأمثل للحصول على النتائج المرجوّة للانتخابات وتحقيق التمثيل الصحيح لفئات الشعب كافة”. وأوضح أنّه تبعاً “لقانون الانتخابات المطبق  في 2018 (قانون 44/2017) يجب على هيئة الإشراف على الانتخابات أن تتولّى التثقيف الانتخابي للشعب، ولكنها لم تؤدِ دورها”.

وشدّد سليم على أنّ “التثقيف الانتخابي لا يشمل فقط التوعية حول آلية التصويت، إنّما يتضمن أيضاً التوعية حول أهمية إشراك الناخب وضرورة الإقتراع، مع توجيهه إلى الجهات المعنية للتقدّم بشكوى في حال تعرّضه للضغوطات”.

التصويت الإلكتروني والتحديات التقنية

هل من الممكن تطبيق التصويت الإلكتروني في الانتخابات اللبنانية؟ “من الناحية التقنية، لا يمكن تطبيق التصويت الإلكتروني على الصعيد الوطني، فهو يحتاج إلى الكثير من الإستعدادات والتجهيزات”، هذا ما أشار إليه محمد شمس الدين، الباحث في الشركة الدولية للمعلومات؛ معتبراً أنّ “لبنان غير جاهز من الناحية التقنية لتطبيق هذا التصويت، فهو يحتاج إلى بنى تحتية حديثة، وإلى تقنيات متطورة، بالإضافة إلى تدريب الموظفين وتثقيف الشعب”.

وكشف عن أنّ “قانون الانتخابات المطبّق في العام 2018، اعتمد على الفرز الإلكتروني، ولكنه لم يطبّق”، مشيراً إلى أنّ “التصويت الإلكتروني لا يعني بالضرورة انتخابات نزيهة وشفافة، فالأمر مرتبط بالجهة التي ستضع قانون الانتخابات والجهات المشرفة على إدارة العملية الانتخابية”.

ولفت إلى أنّ “لا ثقة للشعب اليوم بالجهات المسؤولة عن تنظيم الانتخابات، وهذا ما يثير العديد من الشكوك حول التصويت الإلكتروني”.

فهل يمكن أن يحصل لبنان يوماً ما على انتخابات نزيهة وشفافة، ويحقق التمثيل الفعليّ والصحيح لفئات الشعب كافة؟

ماري الحصري

ماري الحصري

صحافية حائزة شهادة في الإعلام من الجامعة اللبنانية، عملت في العديد من المواقع الالكترونية والمؤسسات الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى