تحرّش فاغتصاب أو خسارة للوظيفة… ناجيات يروين قصصهن لـ “أحوال”
أقرّ المجلس النيابي قانوناً لتجريم التحرّش لا سيما في أماكن العمل مؤخراً، وهو إنجاز منقوص برأي خبراء قانونيين، لكنه قد يشكّل أرضية تمكّن المرأة من الدفاع عن تقدمها المهني، ضد تحرش يعيق ذلك التقدم. ولعلّ أبرز تحديات هذا القانون، هو استعداد النساء لرفع الصوت. فواحدة من كل أربع نساء يتعرضنّ للتحرش في لبنان، 24% منهن فقط يبلغنّ القوى الأمنية. فهل نساء لبنان مستعدات للاستعانة بالقانون اليوم؟ وكيف يروين تجاربهن مع التحرّش في مكان العمل؟ وكيف ينظر علم النفس للمتحرّشين؟
لقمة عيش مغمسة بالخوف
تعطي دانا مثالاً في حديثها لـ “أحوال” عن التحرّش اللفظي الذي يدور حوله المتحرّش بعبارات كي يوظفها، مثل الإيحاءات الجنسية، فتصبح عبارة “دخّلنا الفاتورة، دخلّنا، شيئاً آخر”! أما المتحرّشون جسدياً، فقد يقومون بتفريك كتفيّ، ويعرفون أنني سأخجل من ردعهم، إذ دوماً لهم تبريراتهم.
بعدما وضعتُ الحجاب اختلفت أساليبهم، هم يقتحمون خصوصيتي، كأن يقولون، كنتُ لأقبّلكِ لولا حجابك، ما لون شعرك؟ ما تفاصيل علاقتك الجسدية بحبيبك؟
وتروي دانا موقفاً استفرد فيه أحد أصحاب العمل بها بعد رحيل الموظفين. يومها أخافتها نظراته الخاطئة، وأفقدتها أسئلته الشعور بالأمان، سيما بعد قوله لها، سأفسدك… سأغيّر حياتك كلها!
فالدعوى إلى الشاليه تهديد مبطن، وتمهيد لعلاقة جنسية. وهو ما ينقص من قيمتي ويقمع من شخصيتي، وكان هذا دافعاً لتركي العمل.
وبرأيها، لو كان المتحرّش موظفاً عادياً لكانت تغاضت عن الحادثة، لكن لا يمكنها التغاضي عن معاملة صاحب العمل لها وشعورها بالاحتقار نحوه. وهي ثغرة غيّبها القانون، تلك الهرمية أو علاقة السلطة التي تعقّد من وضع التحرش في العمل.
إذا المتحر ش ما توقَّف ما رح يوقِّف!
عملت منظمة كفى وعنف واستغلال لسنوات للدفع نحو اقرار تجريم التحرش، وهي أطلقت سابقاً حملة “إذا المتحرِّش ما توقَّف ما رح يوقِّف”.
تقول محامية المنظمة ليلى عواضة، شجعنا النساء على الكلام حتى قبل تجريم التحرش؛ فالحل يبدأ بالشكوى على الرغم من عيوب القانون، وشكاوى النساء تكشف ثغراته وتضع الدولة أمام مسؤوليتها لإجراء التعديلات عليه.
تصف عواضة الدعم الاجتماعي والنفسي لضحايا التحرّش بالمشوار الطويل. لكنها تسأل عن تفعيل صندوق مساعدة ضحايا التحرّش، فهناك صندوق وضع مع تشريع قانون العنف ولم يبصر النور؛ مشككة بتوقيت إقرار قانون التحرش، معتبرة إياه محاولة لإرضاء المجتمع الدولي.
تحرش… فاغتصاب!
وتروي جنى لـ “أحوال” كيف تشجعت فأخبرت صاحب العمل عن تحرّش زميلها بها في أحد مطاعم بيروت، ليجيبها بأنه لا يمكننا معاقبته، نحن بحاجة إليه.
فيما قطعت ريم علاقتها العاطفية بزميلها في العمل، وذات يوم بعد انتهاء دوامهما بدأ يقبّلها ويتحسس أماكن من جسدها كما أنهما عشيقان، رفضت في البداية ولكنها خشيت أن يتسبب بطردها إن لم تستجب، بما أنه مدير شؤون الموظفين، ليقوم باغتصابها في ما بعد؛ بحسب ما روت لـ “أحوال”.
فيما إقفال باب المكتب وعبارة اطلبي المعاش الذي تريدين، كانت كفيلة لهروب منى من الوظيفة، حتى قبل البدء بها.
مناور قوي
كون أمها أجنبية، شكل هذا حافزاً ليتحرش بها الآخرون منذ الطفولة، كما تشرح ريما لـ “أحوال”.
أحد الموظفين المتحرشين بها وبزميلاتها في المكتب، لم يكن في موقع سلطة، لكن ثقته مردها الى اعتقاده أنهن لن يجرؤن على فضحه كي لا يخسرن وظائفهن، كما أنه مناور قوي ويحوّل القصص لصالحه.
في المقابل، لا تترك سمر العمل بل تحارب للبقاء، فسكوتها يشجع المعتدي على تكرار فعلته بحسب ما تروي لـ “أحوال”، والقانون جاء في وقت انكسرت فيه الثقة بالقضاء برأيها، لكن إذا وصلت الشكاوى لنتائج، قد ينردع المتحرشون.
كانت سمر الوحيدة في الصف عندما أظهر زميلها عضوه في وضعية أصابتها بالصدمة جرّاء تصرف غير سوي، وتركت عندها خوفاً من الرجال حتى في علاقاتها العاطفية اليوم.
خسرت عملي ومستعدة لخسارته من جديد!
كانت أول وظيفة لي، كنت متحمسة، ومتمسكة بعادات ضيعتي، ولا أجيد التعامل مع أهل المدن، فعندهم كل شيء عادياً، وكنت رجعية بنظرهم، تقول سارة لـ “أحوال”.
بعد أيام على توظيفي، تحسس صاحب العمل ظهري وطلب مني اللحاق به الى مكتبه، واصفاً إياي بأجمل وجوه مؤسسته الإعلامية، عارضاً عليّ تقديم برنامج، فوجدتها فرصة وقلت فتح الحظ لي أبوابه.
يوم الكاستينغ كنا وحيدين، وفيما كنت أقرأ السكريبت، قاطعني قائلا، قومي بترخية حمالة الصدر، بحجة تحسين مظهري أمام الكاميرا، ورغم تعديلي لها، أضاف، “ما زالا بحاجة إلى تعديل” إشارة إلى ثديي، فخجلت وتلعثمت، ليسألني، تخجلين؟ ويدخل يده إلى صدري محاولاً تعديلها بنفسه، فسألته التوقف، وشعرت أن الوضع كله كان خاطئاً!
بعدها، طلب مني تغيير القميص فهممت بالخروج لتبديله، ليطلب نزعه في الأستوديو، قائلاً، اعتبري نفسك على الشاطئ، فذكّرته أننا في مكان عمل، ليرد أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها كاستينغ، وهذا أمر عادي!
ذهبتُ بالحياء وغيّرت القميص في إحدى الزوايا. بعدها دعاني لرؤية صورتي على الكاميرا، ليضع يده على مؤخرتي ويقول “كبيرة”، ويسألني نزع الجراب، “لنراها جيداً”، مستبقاً رفضي بالقول أنه مثل أخي، فأجبته أن لا شيء اسمه أخوّة، ولست من نوع الفتيات اللواتي تقدمن التنازلات.
بعدها بفترة قال لي أن أتبعه للمكتب، ليسألني إن كان حجم ثديي ما زال كبيراً، وإن كان بإمكانه لمسهما، وبعد صراخي سألني الرجوع إلى عملي، ومن يومها بدأ يوبخني باتصالات متكررة حتى تقدمت باستقالتي.
يوم مغادرتي قال “كنتُ فرصة لك لم تعرفي كيف تستفيدين منها”، فأجبته “أنا مني هيك”. لأدخل بعدها في حالة إحباط، فقد شعرت أني أداة جنسية، وأن الذنب ذنبي، فحتى زملائي في العمل وضعوا عليّ الملامة، وجعلني هذا الأمر لا أهتم بمظهري في العمل.
رغم خسارتها لوظيفتها، تقول سارة إنّها مستعدة لخسارة غيرها، فهي لا تثق بالقانون في لبنان في ظل الواسطة والمحسوبيات، كما أن الكل يعرف بعضه في الإعلام، وهي تخشى على صيتها في المجال إن حكت.
هل المعتدي “ضحية”؟
تستند رئيسة نقابة المعالجين والمحلّلين النفسيين الدكتورة رجاء مكي في معالجة قضية التحرّش إلى 4 مستويات.
المستوى الأول، هو البعد الاجتماعي الذي ما زال قبائلياً وذكورياً، وتسأل هنا عن مدى تطبيق القانون مؤسساتياً بدءاً من الأسرة و مروراً بالقضاء.
المستوى الثاني، هو المتحرّش نفسه؛ في هذا التشريع ننظر له كمعتدٍ، لكنه شخص مريض، سبق وتم الاعتداء عليه، أو يعاني حالة نرجسية.
المستوى الثالث، هو الدعم النفسي، ومعالجة ومرافقة مختصرة وشبه مجانية، لا تعتمد العلاج المنهجي؛ والمنظمات غير الربحية، لكن الدعم لا يعني العلاج.
ولا أحد يعالج نفسه بنفسه، والعلاج طويل ويجب أن يحصل على مستويين. فالقانون حكم على المتحرش، لكن يجب على السجون تأهيله.
أما ضحية التحرّش، فقد تعذبت وأكلت الصدمة، فهي لم تفتش عن اللذة، وعلى مستوى التحليل اللاواعي، المتحرّش “قوي” وهي “مدينة له بالتعرف الى..”، هو حاكى أحد هواجسها، كالخوف من الرغبة والصدمة وموانع الأهل.
المستوى الرابع، يبدأ العيش بالذنب، وهنا يأتي دور العلاج وليس الدعم. يجب أن تقول الضحية كل شيء شعرت به، فأي عنصر يتم إخفاؤه يقلّل من مصداقية العلاج، ويجب أن تذهب بإرادتها للعلاج، وتتعلّم طرق العلاج كلها، وتتأهل كإنسان غير مجروح بصورة دائمة، فالعلاج يطال جرح اللاوعي المكبوت.
تعليقاً على صيغة القانون تقول، لا يجوز أن يجزّأ المشرِّع تشريعه، وليأخذ القضاء دوره، وليأخذ علم النفس دوره، لتعم المساواة، تختم مكي.
“أنا أيضاً”… قد تبدو الجملة بسيطة، لكنها تحمل الكثير من التضامن، فهي حملة رفعت من خلالها الأميركيات الصوت، فهزت عرش هوليوود وألهمت نساء العالم أجمع، فقلن أنا أيضاً… تعرضتُ للتحرش!
فتات عياد