هل تُريد سوريا فعلاً عودة النازحين إليها؟
تطوّر خلاف بين أحد أبناء المنية في الشمال اللبناني، وبعض العمال السوريين العاملين في البلدة، إلى تضارب وإطلاق نار كثيف، وانتهى بحرق مخيم اللاجئين السوريين القائم في نطاق البلدة، فأصيب البعض، وهرب الجميع، وأصبحت 73 عائلة بلا “خيمة” فوق رؤوس أفرادها.
كان لافتاً بعد حريق المخيّم في بحنّين تحدّث مصدر رسميّ سوري من وزارة الخارجية والمغتربين، ليعرب عن “الأسف الشديد للحريق الذي أدى إلى ترويع المقيمين في المخيم وحرمان عدد منهم من المأوى”، مطالباً “القضاء اللبناني المختص والأجهزة اللبنانية المعنية تحمل مسؤولياتهم في معالجة هذا الحادث وتأمين الحماية للاجئين”، مجدّداً “الدعوة للمواطنين السوريين الذين أرغموا على مغادرة البلاد بفعل الحرب الظالمة على سورية للعودة إلى وطنهم”، ومؤكداً “أن الحكومة السورية تبذل كل الجهود لتسهيل هذه العودة وتوفير متطلبات العيش الكريم لهم في مدنهم وقراهم وفق الإمكانيات المتاحة”.
هكذا إذا، من خلاف فردي إلى عقاب جماعيّ تحوّلت المسألة، في زمن الشتاء الصعب، جاء الحريق ليزيد معاناة النازحين، ولكن مهلاً، لماذا لا يزال هؤلاء النازحين في “خيم” قماشية، ويرفضون العودة إلى بلادهم، فهل هم يرفضون العودة فعلاً، وهل تُريد الدولة السورية عودتهم أصلاً؟
عوائق العودة داخلياً
عندما أطلقت الدولة اللبنانية بأجهزتها الرسمية “حملة” إعادة النازحين السوريين إلى سوريا، قبل الإنهيار الإقتصادي، كانت التوقّعات، بحسب مصادر متابعة للملف، بسيطة، مشيرة إلى أن الكل يعلم بأن عودة اللاجئين ليست متوقفة على قرار لبناني – سوري فقط، فهذا الملف الشائك يضمّ عدة عوائق أبرزها مؤسسات الأمم المتحدة التي تُعنى بشؤون اللاجئين.
وتكشف المصادر عبر “أحوال” أن مشكلة عودة النازحين لا تتعلّق بالدول الخارجية وحسب، بل بعض فروعها محلّية، منها ما يتعلق بالقوى السياسية اللبنانية، ومنها ما يتعلق بالسوريين أنفسهم، وبالنسبة إلى الفرع الأول، فلا شكّ أنه منذ بداية الأزمة تعاملت قوى سياسية لبنانية معارضة للنظام السوري مع ملف النازحين كملف ضاغط على النظام، ولا يُخفى على أحد أن هناك من “فكّر” بيوم من الأيام استثمارهم في الداخل اللبناني.
أما الفرع الثاني للمشكلة فهي أن النازحين السوريين أنفسهم لا يريدون الرحيل، خاصة أولئك الذين يسكنون في بيوت ويعملون في لبنان، ويتلقّون المساعدات المالية الكبيرة التي تتيح لهم العيش دون عمل حتى، وهذه المشكلة تتعلق بمؤسسات الأمم المتحدة التي تدفع باتجاه البقاء لا العودة إلى سوريا، لذلك عندما يُقارب ملف النازحين لا بد من التوقف عند مسألة رغبتهم بالرحيل لأن الأمر لن يكون بسيطاً.
سوريا لا تريدهم
بالمقابل ترى مصادر لبنانية معارضة للنظام السوري أن حماسة الخارجية السورية للتعليق على حرق المخيم، يأتي من علمها بتوجه المنطقة السياسي، فالنظام السوري يريد استثمار كل ما يتعلق بالنازحين، في السياسة، لذلك فهو لا يريد عودة هؤلاء وبحال أصبحت عودتهم محتمة يريد إجبار لبنان الرسمي على الإعتراف به لأجل ذلك.
وتضيف المصادر عبر “أحوال”: “طيلة السنوات الماضية تحدّث النظام السوري عن العودة ولم يسهّلها، ولم يقدم الضمانات للهاربين لأجل العودة، فكيف نتوقع من النازحين العودة الى سوريا وهم الذين هربوا منها خوفاً من النظام؟”، مشيرة إلى أن العودة مرهونة بالامن والأمان والرعاية الدولية والحماية الأممية، والكل يعرف ذلك.
سوريا تسهّل العودة وهذا الدليل
ترفض مصادر الحزب الديمقراطي، وهو الذي تولّى عبر وزرائه في الفترة الماضية ملف عودة النازحين، الدخول في سجالات مع أحد في لبنان حول هذا الملف، مشيرة إلى أنه يُفترض بالجميع أن يحملوا نفس الموقف من وجود النازحين وأهمية عودتهم، مشددة على أن القوى السياسية التي تطالب بعودة النازحين تطالب بها من منطلق مصلحة لبنان وكل الغايات والأهداف التي يُحكى عنها غير صحيحة.
وتضيف مصادر الديمقراطي عبر “أحوال”: “العودة تتطلب 3 أبواب، التوافق الداخلي والعمل السليم والصحيح، التواصل عبر المؤسسات الدستورية ما بين لبنان وسوريا، أي عبر الحكومتين، والتواصل المستمر مع المجتمع الدولي للمساعدة والمساهمة بإعادة هؤلاء النازحين”، مشيرة إلى أن “الدولة السورية تتعاون إلى أقصى الدرجات لتسهيل هذه العودة، وفي كل الزيارات التي قمنا بها الى دمشق وتواصلنا مع الوزراء المعنيين لمسنا هذا الحرص لإعادة أبناء وطنهم، وأكبر دليل على ذلك هو التعاون الوثيق مع لبنان لإنجاز خطة العودة والكمّ الهائل من القرارات الداعمة لذلك، ومراسيم العفو العديدة التي أصدرتها الحكومة السورية، والمؤتمرات المتعلقة بالنازحين، لذلك فإن المسألة لا تتعلق ببيانات إنما بقرارات وأفعال”.
لا يختلف اثنان على أهمية عودة النازحين السوريين إلى سوريا، ولكن يبدو أن هذا الملف الذي بات يبلغ من العمر 9 سنوات، لن ينتهي قريباً، فالتداخل بين النقاط السياسية والإنسانية والإقتصادية والأمنية يجعل منه ملفاً شائكاً.
محمد علوش