يطوي عام 2020 آخر أيامه المليئة بالمفاجآت في لبنان والعالم. وإذا كان العام الذي يشارف على النهاية طبع المشهد اللبناني بشتى الأحداث الأليمة والمفجعة منذ انفجار الشارع وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنقدية وعدم الإستقرار الأمني والسياسي، وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب؛ فإنّ العيون شاخصة تترقب بأمل وابتهال وحذر ما سيحمله عام 2021. فهل سيكون عام الانفراجات أو الانفجارات واستمرار الإنهيار؟ وسط مقولة ترددت كثيراً في الصالونات السياسية والأوساط الشعبية بأننا “سنترحم على العام الماضي”!
المشهد السياسي
توقّع الوزير السابق المحامي كريم بقرادوني أن يطول أمد تأليف حكومة جديدة لأسباب عدة: داخلية، لها علاقة بغياب الثقة الكافية بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف؛ وخارجية، تتعلّق بالتطورات في المنطقة والعالم، سيما انتقال الحكم في الولايات المتحدة الأميركية إلى الرئيس الجديد جو بايدن.
كما توقع بقرادوني في حديث لـ”أحوال” أن تستمر المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان من أزمته لوجود قرار فرنسي بمساعدة لبنان الذي يشكّل المدخل الأساس لتعزيز حضورها في المنطقة.
ولم يعلّق بقرادوني الآمال على إحداث تغيير جذري في النظام السياسي اللبناني الذي يرتكز على الطائفية، قائلاً: “النظام بحاجة إلى تغيير وإصلاح، لكن لا يحصل ذلك في ظل غرق لبنان بالأزمات الكبيرة التي تهدد وجوده، بل يحتاج إلى حالة من الإستقرار تتيح إجراء حوار وطني للإتفاق على نظام جديد، أو إصلاحات في النظام الحالي”. والأفضل برأي بقرادوني، تأجيل البحث بمستقبل النظام لكي لا نخلق مشاكل أخرى، والتركيز على أولوية تأليف الحكومة والإسراع بمعالجة الأزمات للحفاظ على استقرار لبنان ووجوده.
ولم يتوقع بقرادوني زوال الطبقة السياسية كما يراهن البعض، رغم أنها أثبتت فشلها في إدارة البلد منذ عشرات السنين. لكن لبنان ليس بلد الإنقلابات أو “الثورات” وقد أثبتت أحداث 17 تشرين الأول 2019 ذلك. ولا يقرأ في أفق المشهد إستقالة لرئيس الجمهورية ميشال عون، لأن ذلك يعمّق الأزمة وينقلنا من أزمة سياسية دستورية إلى فوضى متعددة الأشكال تعم البلد.
ولا يعقد بقرادوني الرهان على تمكّن القوى السياسية من إقرار قانون انتخابي جديد. ويعتبر أن “القانون الحالي رغم أنه بحاجة إلى بعض التعديلات، لكنه أعاد بعض التوازن السياسي، وكذلك لا يمكن تقصير ولاية المجلس النيابي وإجراء إنتخابات نيابية جديدة في ظل الأوضاع القائمة”.
كما توقع استمرار العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر رغم بعض التباينات في ملفات معينة، “لكن قيادتا التيار والحزب ستعملان على تعزيز وتحصين تفاهم شباط 2006”.
هل تندلِع الحرب مع “إسرائيل”؟
في ظل التحذيرات والمعلومات عن حرب وشيكة في المنطقة قبل رحيل الرئيس ترامب ستمتد إلى لبنان، طمأن الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العميد هشام جابر بأن لا حرب بين لبنان و”إسرائيل” في العام المقبل لأسباب عدة. وقال لـ”موقعنا”: “طيلة ولاية الرئيس ترامب بقيت الجبهة هادئة؛ ولا أعتقد أن الرئيس جو بايدن سيسمح باندلاع حرب في المنطقة؛ حرصاً على إسرائيل التي ستدفع ثمناً باهظاً وباعتراف المسؤولين ومراكز الدراسات في الكيان الصهيوني، الذين يتخوفون من أنه في حال اشتعلت الجبهة الشمالية ستشمل الجبهة السورية الأمر الي لا تتحمله إسرائيل”.
وأضاف : “إسرائيل تخشى تداعيات الحرب وإلا لكانت فعلتها منذ وقت طويل سيما أنها ومنذ العام 2008 حتى الآن تُعِد لحربٍ خاطفة على لبنان؛ لكن توصلت إلى قناعة بأن الحرب ستكون مكلفة وستعرّض أهدافاً حيوية في إسرائيل للقصف ثم تنتقل قوات الرضوان التابعة لحزب الله إلى الجليل الأعلى وتتخذ المستوطنات رهينة، ويتعطل سلاح الجو والمدفعية الإسرائيلية وتجري الحرب في أحياء المستوطنات بالسلاح الحي، فيما تكون قوات المدفعية في الحزب ترمي منصات النفط والغاز بالصواريخ الدقيقة”.
ورأى جابر أن “الرئيس بايدن لن يذهب إلى خيار الحروب، بل لعقد تسويات لصالح أميركا، ولديه أربع ملفات أساسية أكثر أهمية من التورّط بحروب في المنطقة، فضلأً عن أن الوجود الأميركي في الخليج سيكون في مرمى الإستهداف. وتوقف عند استنكار إيران وللمرة الأولى قصف السفارة الأميركية ما يعد مؤشراً بأن إيران تتجنب حرباً يحدد الآخرون توقيتها، وبالتالي استبعاد رداً إيرانياً سريعاً على اغتيال العالم الإيراني محسن زاده”.
كما لا يترقب جابر رداً من حزب الله في الوقت الراهن على عملية اغتيال أحد كوادره في سوريا، وذلك تماهياً مع الموقف والسياسية الإيرانية التي تتنظر رحيل ترامب بفارغ الصبر وتترقب سياسات الرئيس الجديد لتبني على الشيئ مقتضاه. لكن كل المؤشرات والمواقف توحي بحسب جابر إلى استعداد بايدن للعودة إلى التفاهم النووي مع إيران التي لها مصلحة أيضاً فيه لرفع الحصار عنها، الأمر الذي ينعكس إنفراجاً جزئياً على لبنان.
ترسيم الحدود
ورأى جابر أن 2021 ستكون سنة ترسيم الحدود لوجود مصلحة لبنانية – إسرائيلية بالإسراع بإنهاء هذا الملف لضرورات اقتصادية. وقال بأن “إسرائيل لن تلجأ إلى الحرب لفرض شروطها على لبنان بموضوع النفط والغاز، لذلك لجأت إلى المفاوضات والترسيم لخوفها من أن تؤدي الحرب إلى تدمير منصات الغاز والنفط لديها. لذلك، لإسرائيل مصلحة بترسيم الحدود بموافقة ضمنية من حزب الله؛ فضلاً عن أن دخول شركات واستثمار الطرفين للثروة الغازية سيُبعِد شبح الحرب”. كما أضاف أن “إسرائيل رفعت درجة الضغط على لبنان مستفيدة من وجود ترامب، فتم عرقلة تأليف الحكومة وزيادة العقوبات وضرب الاقتصاد أملاً بفرض تنازلات في ملف الترسيم والعودة إلى خط هوف الذي يرفضه لبنان ويتسمك بحقوقه كاملة بمساحة 2400 متر مكعب”. لكنه توقع تنازلات متبادلة والتوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين.
النازحون السوريون
واستبعد جابر عودة النازحين السوريين إلى سوريا وإنهاء هذا الملف. لكنه أشار إلى إمكانية أن يشهد بعض الحلحلة بعودة قسم من النازحين بجهود محلية لبنانية – سورية. أما العامل الخارجي، فسيبقى حاجزاً وحائلاً دون عودتهم لوجود قرار أميركي – أوروبي – خليجي باستخدام النازحين كورقة سياسية ضد الدولة السورية إضافة إلى الإستثمار المادي، لذلك لا حل لأزمة النزوح قبل الحل السياسي في سوريا.
الحروب البديلة
وفي موازاة استبعاده الحرب العسكرية، حذّر جابر من حروب بديلة كإثارة الفتن والاغتيالات السياسيسة والتفجيرات الإرهابية ونشر الفوضى. لكن كل المشهد في لبنان والمنطقة متعلق بسياسات الولايات المتحدة ورئيسها الجديد ومدى الإنفراج في العلاقات الأميركية الإيرانية. ولفت إلى أن “بايدن سيثبت مصالح الولايات المتحدة من دون حروب عسكرية”، متوقعاً إنفراجاً سياسياً أميركياً مع سوريا إستناداً للإنفراج الذي سيحصل مع إيران.
أما لجهة الأمن الاجتماعي، فحذّر الدكتور جابر من كرة ثلج يجري إعدادها وصولأً إلى انفجار اجتماعي كبير في الشارع بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية والمالية؛ مشيراً إلى أن “الأمن ممسوك حتى الآن، لكنه غير متماسك إطلاقاً لا سياسياً ولا أمنياً ولا اقتصادياً. وإذا لم تُحدِث الطبقة السياسية اختراقاً في جدار الأزمات، ستتضاعف الأزمة وستكبر نقمة كل طائفة على زعيمها ورئيسها”.
ولم يتوقع جابر كشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت، متوقعاً سيناريو مشابهاً لما بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، نظراً لتورّط قوى دولية وإقليمية كبرى في هذا التفجير الضخم الذي تزامن وتشغيل مرفأ حيفا كجسر تواصل تجاري بين البحر المتوسط والخليج.
الاقتصاد بين الإنهيار والإنفراج
ولا يقلّ الوضع الاقتصادي والمالي أهمية عن الخطر الأمني والعسكري، فجميع العوامل متداخلة وذات تأثير متبادل. وطرح رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في بنك بيبلوس نسيب غبريل سيناريوان للوضع الاقتصادي: الأول يبدأ بتأليف حكومة تملك مصداقية وإستقلالية لتطبيق الإصلاحات والمبادرة الفرنسية، وتستكمل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مترافقة مع إجراءات يطلبها الصندوق من الحكومة قبل أي اتفاق:
– قانون “الكابيتال كونترول”.
– إقرار خطة متوسطة الأمد لتصحيح الإختلالات في المالية العامة.
– آلية لتوحيد أسعار صرف الدولار في السوق اللبنانية.
– تحديد المدفوعات المتأخرة لمؤسسات عامة كصندوق الضمان الاجتماعي أو القطاع الخاص مثل المستشفيات والمقاولين.
– اقرار آلية لحل الأزمة المصرفية.
– بدء المفاوضات مع حاملي سندات “اليوروبوند”.
وتوقع حصول هذا السناريو في منتصف العام المقبل مع تحقيق نسبة نمو إيجابية ولو بنسبة ضئيلة.
وأضاف غبريل لـ”أحوال”: “هذا الإتفاق يعطي مصداقية وثقة للبرنامج الإصلاحي وانضباطاً في تطبيقه، والأهم بعد ثلاث أشهر من الاتفاق يبدأ صندوق النقد بضخ سيولة في الاقتصاد اللبناني، ما يفتح للبنان أبواب مصادر سيولة أخرى”.
أما السيناريو الثاني السلبي المتوقع بحسب غبريل، فهو المراوحة الحكومية وبالتالي جمود الاقتصاد والمساعدات الخارجية، ما يؤدي إلى استمرار التأزم الاقتصادي وتعدد أسعار الصرف بالسوق اللبنانية، سيما وأن تقديرات الـ2020 بأن نسبة الإنكماش بلغت 27 % وحجم الاقتصاد تقلّص من 52 مليار دولار في 2019 إلى 27 في 2020 وبالتالي 2021 ستكون المؤشرات أصعب”.
وأوضح غبريل أن النقد الوطني يتأثر بالأوضاع الاقتصادية والمالية وبالتالي يتوقف على اتباع أحد المسارين إما حكومة ومفاوضات مع صندوق النقد، وإما الجمود حيث لا سقف للدولار.
ولا ينسى غبريل وجود عامل مؤثر على الاقتصاد وهو تداعيات جائحة “كورونا” سيما إذا تم إقفال البلد من جديد من دون إجراءات فعالة للجم انتشار الوباء، الأمر الذي سيؤخر عملية النهوض الاقتصادي والخروج من الأزمة.
أما مصير الودائع، فتوقعت مصادر مالية مطلعة لـ”أحوال” أن تحل هذه الازمة تدريجياً ومع توقيت زمني مدروس في إطار حل سياسي حكومي مالي متكامل وفق الإتفاق مع صندوق النقد وقد يمتد ذلك إلى عامين أو أكثر.
محمد حمية