من نار الأسد إلى جحيم الجولاني: شاهد درزي ينكأ جراح “الثورة المزعومة” في ذكراها
إعداد أحوال ميديا

في الذكرى السنوية لما سُمي بـ “تحرير دمشق”، تعلو أصوات الاحتفال من بعض المنفيين في برلين، بينما ينكأ الكاتب والناشط السياسي ماهر شرف الدين – ابن الطائفة الدرزية الذي كان من أوائل الثوار ضد نظام الأسد – جراحاً لا تندمل. تغريداته القاسية كالمباضع ، تكشف القناع عن الذكرى الأولى لـ “الاستلام والتسليم”، كما يسميها الجميع .
لم يتوقع شرف الدين أن “سقوط النظام” سيكون استبدالًا لوحشية بأخرى أشد بربرية، فبدلاً من فجر الحرية، شهد “استلام مقاليد السلطة في دمشق” من قبل ما يسميهم القاصي والداني “إرهابيي داعش والنصرة”، الذين نفذوا – “أفظع المجازر البربرية” – بحق أهله من الدروز والعلويين، في عمليات “إبادة جماعية وتطهير عرقي بحق الأقليات”.
بتأريخه المؤلم، يحوّل شرف الدين ذكرى “التحرير” إلى محاكمة. فهو يرى أن ما جرى كان “أكبر عملية نصب ‘ثوري'” في التاريخ الحديث، حيث انقلبت الشعارات البراقة إلى صرختين طائفتين مفزعتين: “نحنا أهل السنة، ونحنا بني أمية، وبدنا نبيد الدرزية وبدنا نبيد العلوية”.
الغدر بالدروز، الذين شاركت غالبيتهم الساحقة في الثورة، أصبح بالنسبة له “نقطة ارتكاز لإعادة تعريف الجوهر الطائفي لهذه ‘الثورة'”.
وفي سخرية مُرة، يوجه سؤاله نحو المحتفلين الآمنين في الخارج: “لماذا لا تعودون إلى سوريا لتحتفلوا بهذا ‘الانتصار’؟… لماذا تفضلون لقب ‘لاجئ’ في ألمانيا… على لقب ‘مواطن’ في سوريا؟!”
لكن الصفعة الأقوى في سرديته هي مقارنته الصادمة، التي كررها في مناسبات عديدة بطريقة مباشر وغير مباشرة : ” أن سلطة الجولاني بافعالها جعلت من نظام الاسد حمامة سلام “. هذه الجمل، القادمة من ثائر سابق، ليست تبرئة للنظام القديم، بل هي صرخة يأس من واقع أصبحت فيه “سلطة الأمر الواقع” التي يترأسها الجولاني – والمعترف بها دولياً كما يذكر – تمثل له ولطائفته وأقليات أخرى الوجه الأكثر دموية وتعصباً.
تغريدات ماهر شرف الدين ليست مجرد حنين لماضٍ قمعي، بل هي وثيقة إدانة من قلب المأساة.
إدانة لثورة تحولت إلى محرقة لأقلياتها، ولـ”تحرير” كان في جوهره – كما يرى – “استلام وتسليم” بقرار دولي، نتج عنه استبدال طغمة بطغمة أكثر بكثير تطرفاً ووحشية.
إنها قصص من دمرتهم “الحرية” المزعومة، وصوتٌ يصرخ من تحت ركام الخيبة والدم ، ليذكر العالم بأن بعض الانتصارات قد تكون أسوأ من الهزائم.



