هل يُغيّر اللبنانيون عاداتهم الاستهلاكية نحو الترشيد؟
علّق كثيرون بسخرية على نمط حياة اللبنانيين، وعلى التناقض الحاصل بين البذخ الظاهر والفقر المخفيّ، فارتفعت الأصوات عالياً بُعيد الأزمة الاقتصادية التي أعقبت تشرين الأول من العام الماضي، حين تدنّى مستوى سعر صرف الليرة مقابل ارتفاع – بأضعاف مضاعفة- سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية. فماذا قالت مختلف شرائح المجتمع عن أساليب العيش الحاليّة والمستقبلية المتوقّعة؟
التكافل والتضامن مستمران
بحسب المديرة العامة السابقة لوزارة الاقتصاد عليّا عباس، صاحبة خبرة ما يزيد على أربعة عقود من الزمن في المسألة الاقتصادية اللبنانية، “الوضع اختلف كليّاً في السنة الأخيرة على المواطنين، إذ في كل بيت تقريباً من بيوت اللبنانيين كان يوجد مُساعِدة منزلية، وكان اللبناني يسافر خلال عطلته الأسبوعيّة للسياحة مع عائلته، هذه الأجواء كلّها لم تعد متوفّرة، ولم يعد اللبناني قادراً على القيام بها. لكنه لا يزال على تضامنه وتكافله مع أبناء بلده المعدمين.”
الترشيد الاستهلاكي
لذا، تنصح عباس بتغيير “عادات الترف، فلا مجال للرفاهية الكاذبة بعد اليوم.” لكن بالمقابل، تؤكد أن “اللبناني ما يزال ينفق على الطعام الكثير، فشراء اللحوم ما يزال على حاله على الرغم من الغلاء.”
وتتوقّع أنه “على المدى الطويل ستتغير عاداتنا الاستهلاكية، إذ لم تعد إمكانياتنا كما هي، ولم تعد أوضاعنا الاقتصادية تسمح لنا بالعيش وفق المستوى السابق نفسه. لذا يجب علينا أن ندخل حياة الترشيد المنزليّ والاستهلاكي. فكيلو البندورة صار بـ7 آلاف ليرة مثلاً! كنا ندخل الاستهلاكية فنملأ السلّة بكافة الأصناف- التي قد لا نكون بحاجة إليها غالباً- أما اليوم فقد بات الأمر مختلفاً، وعلينا التفكير قبل الشراء 100 مرة.”
لكنّ، برأيها “للأزمة – إن جاز التعبير- وجهاً إيجابياً، فالتكافل والتضامن بين اللبنانيين باقيان ومستمرّان، رغم الإنتكاسة المالية.”
وتختم عباس بالقول: “لولا وجود أولادنا في الخارج، الذين يمدّوننا ببعض المال، لكان الوضع أسوأ بكثير.”
شكوى المواطنين
من ناحية ثانية، يؤكد علي نورالدين (مدير دار نشر) في لقاء مع “أحوال” أن “المبيعات تأثرّت، لكنّها لم تبلغ مستوى الانخفاض الذي كان متوقّعاً، خاصة أن أسعار الكتب ارتفعت من أربعة إلى خمسة أضعاف”.
ويتابع نورالدين، “نعم، انخفضت المبيعات بنسبة 25٪، لكن معاناتنا الكبرى هي مع الحصار والكورونا”. أما كمواطن فإن مشترياته المنزلية “باتت مختلفة عمّا سبق على صعيد النوعيّة والكميّة، وقد استغنينا عن الكثير ممّا كنّا نشتريه من موادّ لم تكن أساسيّة لحاجاتنا العائلية.”
المواد الضرورية فقط
وترى ربة المنزل إيمان قاسم (أم لأربعة أطفال)، خلال جولة في إحدى التعاونيات في حيّ السلم، أن “الكثير من عاداتنا الشرائية تغيّرت، وقد انخفضت مشترياتنا حوالي 70% من سلّتنا الشرائية، فصرنا نشتري المواد الأساسية والضرورية فقط، كما بدّلنا الماركات التي اعتدنا شراءها بسبب ارتفاع سعر الدولار”.
تغيّر نمط العيش
من جهته، يقول الناشط الإجتماعي إبراهيم زين الدين، رئيس “جمعية البشرى الإنمائيّة”، إن “نمط الحياة الاجتماعية تغيّر، وقد فُرض التغيير علينا فرضاً، ولم يعد المواطن، العاشق للرفاهية، يعيش كما كان سابقاً.”
ويضيف “الطبقة الفقيرة باتت هي الطبقة الأقوى، بعد أن تغيّرت الأنماط الاجتماعية كثيراً. وأنا مع تحوّل طرق عيش الفرد نظراً للوضع المستّجد. فـنحن بحاجة لكثير من الوقت لنقبل التغييرات.”
ويردف، “العلاقات الاجتماعية ستتغيّر كثيراً، وسنحتاج إلى وقت كبير للتأقلم، خاصّة في المناطق الريفيّة، كالبقاع والجنوب حيث عادات الكرم والضيافة تتحكّم بالوضع الاقتصادي.”
ورداً على سؤال، يتوقّع زين الدين أن “اللبناني سيضطرّ إلى الإقلاع عن عاداته التي تحمل “التفشيخ”، وهي عبارة عن سوء تدبير؛ فمن يشتري منزلا بسعرٍ عالٍ جداً متّكلاً على راتبه الذي توّقف بسبب الغلاء وقع في ورطة الاستدانة والرّبا، مما سيُغرقه في مشاكل أكثر. وسيعمد إلى تغيير نمط عيشه. كان اللبناني مضطراً في السابق، لكن اليوم لم يعد يملك القدرة المادية، فكل شيء ارتفع سعره عشرات المرات مع ضياع الأموال المودعة”.
ضياع الأموال المُودعة
وبرأيّ زين الدين، أنّه “تحوّل أغلب اللبنانيين إلى فقراء، بحسب آخر إحصائية، إذ بلغت نسبتهم الـ 40%. وقد يستمر هذا الوضع لسنوات مقبلة.”
ونظراً لخبرته الطويلة كناشط اجتماعي، يلفت إلى أن “لبنان تحوّل إلى بلد فقير، وبتنا مرغمين لا أبطال، مما يفرض على السلطات البدء بعملية الترشيد للمواطنين، خاصة في ظلّ الفلتان الاقتصادي لدى التجار. وعلينا اليوم الخروج من أنماط سلوكنا التي كنا نتبناها لنتمكّن من عبور هذه الأزمة.”
ويبقى السؤال: هل سيصل اللبنانيون إلى زمن يختارون فيه حاجاتهم الغذائية والاستهلاكية اليوميّة بطريقة رشيدة، ضمن عملية ترشيد استهلاكيّ واعٍ من أجل تخطّي هذه الأزمة، وما هي أشكال هذا الترشيد المطلوب؟
سلوى فاضل