منوعات

الاستثمار الصّيني في لبنان إنماء أم فخّ؟

عاود اللّبنانييون مؤخرًا المطالبة بتوجيه الاقتصاد نحو الشّرق، وتحديدًا باتّجاه الصّين، للخروج  من الأزمة الاقتصاديّة الوخيمة التي تعيشها البلاد.

واهتمام الصّين بلبنان لناحية الاستثمار تخطّى الأفكار، فالكثير من الشّركات الصّينيّة، تجهد لإثبات وجودها في السّوق اللّبناني، ما جعل بعض الشّركات المحليّة تنظر بإيجابيّة تجاه الأموال الصّينيّة، لدرجة اعتبرتها قروض ميسّرة.

الصّين مستعدّة للاستثمار في لبنان، على  شكل قروض، لكن لن يضخّها غالبًا كأموال سائلة في خزينة الدّولة، بل يعرض تنفيذ مشاريع معيّنة، بشركاته وعمّاله، ثم يحتسب التّكاليف، كدين بفائدة تقترب من سعر السّوق الخاصّ، وبالتّالي يكون الدّين مرهونًا بضمانات وأصول تمتلكها الدّولة. فهل تنصب الشّركات الصّينيّة الفخّ للبنان؟.

لبنان صالح للاستثمار؟

البروفسور بيار الخوري، خبير اقتصادي ونائب رئيس الجمعيّة العربيّة الصّينيّة للتّعاون والتّنميّة، يقول لـ “أحوال”: حتى الآن لا يوجد أي مسعىً جديًّا من الجانب اللّبناني، من أجل التفاوض مع الصين، لتحسين بيئة الاستثمار الموجودة فيه، رغم إعلان شركات صينيّة  ضخمة استعدادها للاستثمار في مشاريع بنى تحتية في لبنان، على الرّغم من الأزمة الماليّة التي يمرّ بها، ورغم الزّيارات الرّسميّة التي قامت بها الوفود الصّينيّة إلى لبنان، قبل وخلال الأزمة.

ويأسف الخوري لارتباط النّخبة السّياسيّة والاقتصاديّة اللّبنانيّة، تاريخيًا، بالقوى والرأسمال الغربي، مضيفًا “قرار الانفتاح على الصّين لا يحتاج فقط إلى إيجاد بيئة استثماريّة مشجّعة للاستثمارات، بل أيضا إلى تغيير في عقليّة النّخب السّياسيّة والاقتصاديّة”.

ويردف الخوري: في لبنان نسمع كثيرًا بخطاب توجيه الاقتصاد نحو الشّرق، وتحديدًا باتجاه الصّين، لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، هذا أمر مرحب به، ولكن للأسف هو خطاب سياسي، هدفه استفزاز وابتزاز الغرب أكثر من التعبير عن نيّة عملانيّة هادفة للتّعاون مع العملاق الصّيني.

 

مشاريع التّنين الصّيني

وعن المشاريع التي يمكن الاستثمار فيها في لبنان، يقول، الصّين بإمكانها تقديم الكثير من المشاريع والاستثمارت في لبنان، مثل شبكة المواصلات العامّة، وسكك الحديد، ومحطات توليد الكهرباء، وتقديم البنى التّحتيّة لإقامة بنية صناعيّة تكنولوجيّة، وأيضًا استيراد المنتجات الزّراعية وغيرها من لبنان.

وعن نيّة الصّين في الاستثمار بلبنان يقول، الصّين تستثمر في الغالبيّة السّاحقة من دول الشّرق الأوسط، وبعضهم أخلص حلفاء الولايات المتّحدة والغرب، فلما لا تستثمر في لبنان، إذا وجدت البيئة الصّالحة للاستثمار.

 

لبنان إلى طريق الحرير

ويتابع الخوري، أمّا افتراض أن الصّين كرم على درب، وسوف تقوم برمي الأموال بلا حساب “نكاية بالغرب”، فهذا ليس الأسلوب الصيني. من الممكن أن يكون هناك رغبة صينيّة  بضم لبنان إلى مشروع “طريق الحرير” ولكن ليس بأي ثمن.

وعن فخّ الدّيون، الذي يقال أنّ الصّين تضع البلدين فيه، من أجل السّيطرة على اقتصاداتها بعد الاستثمار فيها، يشير الخوري إلى أنّ هناك سجل ناجح للاستثمارات الصّينيّة في العالم، وإذا كانت دولة ما لم تحسن إدارة أموالها العامّة، وعجزت عن سداد ديونها، فتلك مسألة أخرى لا تدعونا بافتراض أنّ هناك فخ ديون صيني، إذ أنّ الدّين فيه نوع من المخاطرة، ويحتاج لإدارة حكيمة في البلد المعني لضمان حقوق الآخرين.

 

تعطّش للاستثمار

من جهته، يوضح المحلّل الاقتصادي والمالي د. علي حمود، أنّ مبادرة الحزام والطريق الصّينيّة أو طريق الحريرالجديد، هو مشروع متعدّد الأبعاد، وسيكون له تأثير على قضايا متنوعة منها النّقل والتّجارة الدوليّة، ومن الممكن أن تتأثّر المنطقة العربيّة لدورها في النّقل والتّجارة على الصّعيد العالمي، لكن حتى الآن ليست جزءًا رسميًّا من ممراته الحاليّة.

ويضيف حمّود “أمّا في لبنان، البلد المتعطّش للاستثمارات، وبالرغم من وصف الاستثمار الصيني من قبل القارّة الإفريقيّة بعدم  الشفافية، إلّا أنّه يبقى من إحدى الاستثمارات الرئيسيّة،  في ظلّ غياب دول العالم الأخرى في هذا المجال، ما عزّز مركزيّة بكين في تنمية القارّة، واستعدادها لتحمّل المزيد من المخاطر في هذه الدول، ما جعل منها المحتكر الأوّل للثّروات وموارد هذه الدّول،  من غاز ومعادن ونفط وغيرها.

ديون لصالح الصّين

ويلفت إلى أنّه بحسب مبادرة الأبحاث الصّينيّة الإفريقيّة في جامعة “جونس هوبكن”، فإنّ عملاق آسيا قدّم 143 مليار دولار بين العامين 2000 و2017، منها 80% على أقل تقدير من الدّولة الصينية. وحتى خلال العام 2018 وضع الرّئيس الصّيني خطة تهدف للاستثمار، وقرضًا بقيمة 60 مليار دولار، بعد أن أصبحت 20% من ديون الدّول الإفريقيّة للصّين بحسب هيئة الرّقابة البريطانيّة.

ويقول حمود، بحسب شركات استثمار الأعمال “ماكينزي” لا تزال الصّين تستثمر بالثّقل، في بناء السّدود والسّكك الحديديّة والموانىء، وشبكات الاتّصال السّلكيّة واللاسلكيّة، ما زاد حجم استثماراتها من 2% خلال العام 2000 إلى 55% خلال العام 2014، ويمكن أن تتجاوز حجم الاستثمارات الأميركية خلال العشر سنوات المقبلة.

ويضيف، من المؤكد أنّ هذه الاستثمارات تخدم الصّين بالدّرجة الأولى، وليس اقتصادات الدّول وحتى القيام بالمشاريع يتم بتوظيف الأيدي العاملة الصينيّة، وبالتالي لا تخدم التّجار والموريدن واقتصادات هذه الدّول.

ويتساءل، كيف لو استثمرت الشّركات الصّينيّة في لبنان؟ هنا يجب العمل على شروط صارمة في التّعامل مع  الصّين، ومعرفة كيفيّة طرح شروط الاتفاقيّات التي  سيتمّ توقيعها.

وداعًا للاستثمارات

ويؤكد أن الكثير من دول مجلس التّعاون الخليجي والدّول الأوروبيّة، أبرمت عقودًا شفّافة وصارمة واتفاقيّات واضحة مع الصّين. أما بالنسبة للبنان، فهل باستطاعتهم إبرام مثل هذه العقود والاتفاقيّات لضمان كيفية استرجاع الأموال المستثمرة؟  ويبقى السؤال إلى أيّ مدى يمكن للمواطن اللّبناني الاستفادة من هذه الاستثمارات؟ وهل صمّمت لدعم اقتصادات الدّول أو فقط لمصلحة الصّين.

في ظلّ المنظومة الحاكمة في لبنان لا نستطيع الاستدانة من أية دولة.

 

ناديا الحلاق

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى