حقوق

 Pornhub: فضائح ابتزاز وإتجار بالبشر والإعلام الأميركي يتصدّى   

في خطوة غير مسبوقة تطال عالم المواقع الإباحية، تصدّت وسائل إعلام أميركية للموقع العملاق عبر الإنترنت، بل الموقع الإباحي الأول في العالم، Pornhub، لانتهاكه حقوق الطفل والمرأة، وتحوّله إلى وسيلة ابتزاز فاضحة. وكشفت صحيفتا The Newyork Times  و The Times، أنّ الموقع الذي يجذب 3.5 بليون مشاهد شهرياً متخطياً بذلك أرقام نيتفلكس وأمازون وياهو، أصبح منفذاً لأشرطة الاغتصاب، وصور الإعتداء الجنسي على الأطفال، ومقاطع الفيديو الإباحية الإنتقامية، ومقاطع الفيديو غير المرغوب فيها أخلاقياً وإنسانياً، ومنصة للإتجار بالبشر والإبتزاز؛ مشيرتان إلى تأخير وتكاسل في ضبط هذا الموقع. وأفضى التصويب الإعلامي من الصحيفتين إلى فضح الموقع، وردعه عن ارتكاب المزيد من الإساءات في  إطار “الإتجار بالبشر”.

فما هي التحركات التي أنتجتها صرخة الإعلام في وجه الإنتهاكات الفاضحة لحقوق المرأة والطفل على حد سواء؟

مقال نيويورك تايمز يشعل التحرّكات

بتاريخ الحادي عشر من كانون الأول الجاري، أعلنت شركتا بطاقات الإئتمان فيزا وماستركارد أنّهما لن تسمحا لحاملي البطاقات بعد الآن بإجراء معاملات على موقع “بورن هاب”؛  وجاء قرار الشركات بعد أيام فقط من نشر صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا مطولًا أجراه كاتب عمود الرأي نيكولاس كريستوف في 4 ديسمبر، تحت عنوان “أطفال البورن هاب”. كريستوف وجد أعدادًا كبيرة من مقاطع الفيديو على المنصة تصوّر الإغتصاب والتحرّش وإساءة معاملة القاصرين، والإعتداء الجنسي العنيف على النساء، والمحتويات الأخرى غير المرضية.

ورأى كاتب الرأي أنّ موقع “بورن هاب” مليء بمقاطع فيديو اغتصاب، واتهمه بأنّه يستثمر في عمليات اغتصاب الأطفال، والمواد الإباحية  الإنتقامية، ومقاطع فيديو كاميرا خلال استحمام النساء، والمحتوى العنصري المحرّض على النساء، ولقطات لنساء يتعرضن للإختناق في أكياس بلاستيكية. وأردف في تحقيقه، أنّه يؤدي البحث عن “فتيات أقل من 18 عامًا أو 14 عامًا” في كل حالة إلى أكثر من 100000 مقطع فيديو. “معظمهن لسن من الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء، ولكن الكثير منهم يتعرضن لذلك”.

وروى الكاتب قصص ناجيات تعرّضن لجرم الإبتزاز عبر الموقع؛ ولفت إلى قصة امرأة تدعى كالي، شكت له “أنّ موقع Pornhub أصبح مادة للإتجار بالبشر في حالتي”. وقالت إنّه تم تبنيها في الولايات المتحدة من الصين، ثم تم الإتجار بها من قبل عائلتها بالتبني وأُجبرت على الظهور في مقاطع فيديو إباحية منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، وتم نشر الفيديوهات على الموقع المذكور.

تحقيق تايمز: العنصر الإضافي الرادع

مثل أي منصة في الوسائط الاجتماعية الأخرى، كاليوتيوب مثلاً، يسمح Pornhub لأي مستخدم بتحميل أي مقطع فيديو يريده على الموقع. ولكن على عكس المنصات الأخرى، يسمح Pornhub للمستخدمين أيضًا بتنزيل المواد وإعادة تحميلها في مكان آخر على الإنترنت.

وساهم التحقيق الذي أجرته صحيفة The Times في تعزيز الخطوات الإعلامية في التصدي لهذا الإنتهاك، بعد أن تداولت خبراً مفاده أنّ قسم الإشراف على المحتوى التابع للشركة، والذي لا يحظى بأولوية كافية ونقص الموظفين، غالبًا ما كان بطيئًا في إزالة المحتوى غير القانوني، وهو غير فعّال في منع إعادة تحميله، إمّا إلى Pornhub أو إلى صفحات أخرى.

هذا المزيج من العوامل جعل الموقع مرتعاً لأشرطة الإغتصاب، وصور الإعتداء الجنسي على الأطفال، ومقاطع الفيديو الإباحية الانتقامية، وفيديوهات ابتزاز، ومقاطع فيديو غير مرغوب فيها، ومنبعاً انتشر منه هذا النوع من المحتوى عبر الإنترنت.

بعد نشر تقرير Times مباشرة تقريبًا، أعلنت شركة Pornhub وشركتها الأم، شركة MindGeek في المواد الإباحية ومقرها مونتريال، عن تغييرات في النظام الأساسي؛ حيث يحتاج المستخدمون الآن إلى التحقق قبل تحميل مقاطع الفيديو، مما يسهّل مساءلة أولئك الذين يقومون بالتحميل إلى الموقع، عن طريقة الحصول على مقاطع الفيديو وإنتاجها. وتمت إزالة زر “التنزيل” أيضًا، مما يجعل من الصعب إعادة تحميل أو نشر مقاطع فيديو الاغتصاب والتحرّش بالأطفال.

قصص ضحايا فيديوهات حميمة على Pornhub

بدورها صحيفة The Guardians الإنجليزية دعمت هذه الخطوة الإعلامية الحاسمة، خلال مقال نشرته بتاريخ 16 ديسمبر تحت عنوان: كيف تسبب موقع Pornhub –  أحد أكبر المواقع في العالم – في أضرار وألم لا يوصف. وأملت الصحيفة أن تسلك التغييرات التي نفذها الموقع، طرقًا للتخفيف من الضرر المستقبلي الناجم عن صور الإعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإعتداءات المسجلة؛ وقالت: سيكون من الصعب تحميل المحتوى غير القانوني مع الإفلات من العقاب، حيث يصعب سرقته ونشره الآن.

وأضافت الصحيفة، لكن التغييرات أتت بعد فوات الأوان بالنسبة للنساء اللواتي قابلهن كريستوف في تحقيقه؛ من بينهن سيرينا فليتس، التي كانت في الرابعة عشرة من عمرها عندما أرسلت مقاطع فيديو عارية لصبي كانت معجبة به؛ حيث قام بتوزيع مقاطع الفيديو على أصدقائه، وانتهى بهم الأمر بنشر الفيديو على موقع Porn hub.

وروت الصحيفة أنّ الفتاة طلبت من الموقع إزالة الصور، لكن سرعان ما تم إعادة تحميلها؛ وقد حصد مقطع فيديو واحد لها أكثر من 400000 مشاهدة؛ فيما أدت الآثار المتتالية للمضايقات والصدمات التي أعقبت ذلك إلى تركها المدرسة والوقوع في إدمان للتكيّف مع حالتها.

وفي السياق نفسه، تم تسجيل فيديو سرًا لمراهقة من قبل صديقها أثناء قيامهما بعلاقة جنسية عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها؛ حيث أرسل الفيديو إلى أصدقائه، وانتهى الأمر أيضًا بنشر الفيديو على موقع “بورن هاب”. تبلغ الفتاة الآن 18 عامًا، وخلال السنوات الأربع الفاصلة، حاولت الإنتحار مرتين.

وتقول مراهقة بريطانية إنّها تعرضت للإبتزاز لإرسال المزيد والمزيد من المحتوى العاري إلى صبي عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها؛ وقد تم نشر الفيديوهات وإعادة نشرها على الموقع؛ لافتة إلى أنّها تبلغ اليوم 19 سنة وحاولت الإنتحار أكثر من مرة، مثل بعض الناجيات الآخريات. وكانت الفتاة قد أبلغت الشركة، ولكن كان يتم كل مرة إعادة تحميل الفيديوهات بعد حذفها من جديد.

واتهمت الصحيفة الموقع بالإستفادة “المقصودة” من الأذى، والإهانة المفروضة على هؤلاء النساء؛ “اللواتي لم يتعرضن للإيذاء فحسب، ولكن يتعيّن عليهن أن يتعايشن مع فكرة أنّ صور هذه الإساءة يستمتع بها الغرباء كوسيلة ترفيه”.

وقد سرّع تحقيق كاتب عمود الرأي نيكولاس كريستوف بحصول نتائج سريعة. إذ أجرت شركة Pornhub تغييرات لطالما عارضتها، لناحية معالجات بطاقات الائتمان؛ فيما سبق التحقيق مطالبات متكرّرة من ناجيات لسنوات لحماية أنفسهن من نشر فيديوهاتهن.

وهنا تساءلت The Guardians : لماذا وافق كل من “بورن هاب” و “فيزا” و “ماستركارد” بهذه السرعة على المطالب التي قدمها محلّل رجل محترم في صحيفة مرموقة، بعدما تباطأوا لسنوات بينما طلب الناجون نفس المطالب؟

لطيفة الحسنية

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى