منوعات

ما هو تأثير ترسيم الحدود على النفط والغاز في لبنان؟

يعيش اللبنانيون حالة قلق دائمة، منذ إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدء مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل، برعاية الأمم المتحدة. وقد انقسم الرأي العام بين مؤيدٍ لهذه الخطوة، باعتبارها أساسية لإنهاء الصراع بين لبنان واسرائيل على الحدود وعلى الغاز والنفط، وبين معارضٍ لها باعتبارها خطوة في طريق التطبيع اللبناني – الاسرائيلي.

لمحة تاريخية:

مرّت العلاقات اللبنانية – الاسرائيلية، من حيث التفاوض واللقاء، بمحطّات عدّة منذ إقامة الكيان الإسرائيلي عام 1949، وكان أبرزها:

– إعلان اتفاق الهدنة في العام 1949 بعد الحرب العربية الاسرائيلية
– اتفاق 17 أيار عام 1982 الذي تم الغاؤه تحت الضغط الشعبي
– اتفاق مدريرد عام 1991
– تفاهم نيسان عام 1996
– الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000 تحت ضغط المقاومة
– حرب تموز في الـ2006

وقد بدأ لبنان ترسيم حدوده البحرية في العام 2002، مكلّفا المكتب الهيدروغرافي البريطاني بالمهمة. ولكن، جاء الترسيم غير دقيق لعدم توافر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، لتعود الحكومة في العام 2006، وبناء على طلب وزارة الأشغال والنقل آنذاك، بتكليف المكتب لتجديد الخرائط، حيث وقّع لبنان مع قبرص يوم 17/1/2007، اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، إلا أن الدولة اللبنانية لم تبرم الاتفاق، لتعود وتوقّع قبرص الاتفاقية مع اسرائيل، فيخسر لبنان ما يقارب الـ860 متر مربع.

وفي العام 2008، شكّلت الحكومة اللبنانية لجنة مشتركة تضمّ ممثلين عن الوزارات المعنية في الدولة لوضع تقرير مفصّل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث رفعت اللجنة بتاريخ 29/4/2009 تقريرها المتعلّق بتعيين الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، والجنوبية مع فلسطين المحتلة، وتمّ ربط هذه الحدود مع خط الوسط للحدود البرية والمنصوص عنه في الاتفاقية بين لبنان وقبرص.

وقد أضافت الدراسة التي قامت بها هذه اللجنة، نحو 375 كلم مربع إلى المساحة التي وردت في دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني عام 2006، حيث أعقب ذلك إيداع إحداثيات الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية لدى الأمم المتحدة في 9/7/2010 و11/10/2010.

أما اليوم، تعود مسألة ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة إلى الواجهة من جديد، وقد شُكّل لهذه الغاية وفداً برئاسة عسكري وعضوية 3 خبراء عسكريين ومدنيَين.

فما تأثير مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل على النفط والغاز؟

الخبيرة في إدارة وحوكمة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان، تؤكّد في حديث لـ”أحوال” أنّ قطاعَي النفط والغاز في لبنان لن يتأثّرا بنسبة عالية بموضوع ترسيم الحدود، إذ أنّ في لبنان، ومن الشمال الى الجنوب، هناك 10 بلوكات ولا تقع جميعها على المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل، إذ يمكن لهذا القطاع أن يعمل دون ترسيم حدود، مضيفة: “أمّا البلوكات المتنازع عليها فهي 4: البلوك 1 و2 شمالًا، ويتنازع عليهما لبنان مع سوريا، وبطبيعة الحال قد يتأثّران بعملية ترسيم الحدود، في حين أن البلوك 8 و9 جنوبًا، وهما ضمن المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل ومرتبطان مباشرة بعملية ترسيم الحدود”.

لماذا بدأ الحفر في البلوك 4 و9 علمًا أن البلوك 9 يقع في المنطقة المتنازع عليها مع اسرائيل؟

تقول هايتيان في هذا الخصوص: “وقّعت شركة “توتال” العقد مع الدولة اللبنانية على هذين البلوكين لأسباب جيولوجية، حيث شددت الشركة في عقدها على أنّها ستعمل في البلوك 9 في المناطق الخارجة عن إطار النزاع، ولكن وفق العقد الموقّع بين الشركة والدولة اللبنانية، تنتهي فترة الاستكشاف في أيار 2021، ما يعني أنه يتوجّب على شركة “توتال” أن تحفر بئرًا قبل هذا التاريخ، وإلا ستضطر إلى دفع مبلغًا ماليًا بقيمة 40 مليون”، لافتة إلى أن العقد لم يذكر وجوب ترسيم الحدود أم لا من أجل الحفر، “ما يعرّض “توتال” لمخاطر أعلى، وبالتالي فلهذا السبب أُعطي البلوك 9 بسعر زهيد”، وفق هايتيان.

من جهة أخرى، وحول ما إذا كان بإمكان الدولة اللبنانية انتظار ترسيم الحدود بين البلدين لإعطاء تراخيص الحفر، ما يجنّبها إعطاء البلوك 9 بسعرٍ زهيدٍ لشركة “توتال”، تؤكد هايتيان في هذا الخصوص أن الدولة اللبنانية أعلنت منذ البداية فتح هذه البلوكات بهدف إيجاد كميات تجارية وإثبات سيادتها على هذه المناطق المتنازع عليها وتأكيد ملكيتها للبنان، لافتة إلى أنه من الطبيعي أن يكون الربح هو هدف “توتال” الأساسي، كغيرها من الشركات الاستثمارية، ما يجعلها تستغل وجود نراع بين لبنان وإسرائيل على هذه البلوكات، لتأخذ البلوك 9 بسعر أرخص.

وانطلاقًا مما ذُكر، تشدد هايتيان في حديثها على أن الدولة اللبنانية قد أثبتت سيادتها على هذا البلوك، مشيرة بالمقابل إلى أهمية ترسيم الحدود للدولة اللبنانية، ما سيمكّنها من عقد اتفاقات جديدة “كما تشاء” وبالسعر التي تريده، دون الاضطرار لتقديم تنازلات على البلوكات المتنازع عليها.

أمّا فيما يخصّ الـ 860 متر مربع التي خسرها لبنان، فتفسّر هايتيان هذا الأمر بأنّ الحكومة اللبنانية وقّعت اتفاقًا مع الدولة القبرصية عام 2007 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، حيث تمّ تحديد خط بحري يفصل ما بين النقطة (1) جنوبًا والنقطة (6) شمالًا، مع توضيح مفاده أن النقطتين المذكورتين غير نهائيتين، بانتظار التفاوض مع الدول المعنية، مضيفة أن هذه الاتفاقية استندت إلى القوانين المرعية الإجراء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط، إلا أنّ الإسرائيليين اعتبروا أنّ الحدود بين إسرائيل ولبنان وقبرص تبدأ من النقطة (1)، فأُرسلت الاتفاقية الى البرلمان اللبناني للمصادقة عليها، لكن الأخير كان معطلًا في تلك الفترة لأسباب سياسية، ما حال دون المصادقة على الاتفاقية.

وتتابع هايتيان: “بعد أن اكتشف اللبنانيون أنّ هذه الخريطة تشوبها أخطاء اعترضوا عليها، في حين عرض القبرصيون إعادة تأهيلها، إلا أن لبنان لم يبدِ أي تعاون في هذا الإطار، ما جعل قبرص توقّع اتفاقية مع إسرائيل عام 2010، أي بعد 3 سنوات من محاولات التواصل والتفاوض مع الدولة اللبنانية، دون أن تُبدي هذه الأخيرة أي استجابة. وهكذا، خسر لبنان 860 متر مربع من مساحته المائية، لتعود الدولة اللبنانية عام 2011 وتقدّم الخرائط الصحيحة الى الأمم المتحدة ولكن دون جدوى، إذ أن الاتفاقية بين قبرص وإسرائيل كانت قد أُبرمت”.

إذًا، تبقى مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل “مسألة معقدّة جدًا”، تفرض على الدولة اللبنانية التعامل بحذر ودقّة للخروج من المفاوضات بأقلّ خسائر ممكنة، وتحقيق أكبر نسبة من الفائدة للبنان.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى