منوعات

“صيرفة” تنفض جيوبها والدولار لن يرحم اللبنانيين

عودة الدولار إلى لعبة الجنون أصبح مسارًا حتميًّا في حياة اللبنانيين. ولا مفر من الارتفاع المضطرد للعملة الخضراء مقابل الليرة في السوق السوداء بعد تعثّر تجربة صيرفة وتنصل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من تثبيت مقولته أن “الليرة بخير” بعد أن أفرغ البنك المركزي من موجوداته.

لا مفر من مزيد من التدهور لن تنقذه الانتخابات النيابية ولا دولاراتها “المرشوشة” يُمنًى ويسرةً، هذا ما تؤشر إليه التطورات المالية في سوق العملة والتراجع الكبير في التعاملات بمنصة “صيرفة” دليل آخر على أن الاحتياطي الذي استخدمه الحاكم بأمر المال اللبناني قد نفذ ما يعني أن جيوب “صيرفة” قد أُفرغت.

“تفليسة” المنّصة تقود التجار والمستوردين إلى أبواب الصرّافين ما يعني عمليًّا زيادة الطلب على الدولار في السوق السوداء. الأمر الذي يوفّر فرصة ذهبية للصرّافين ونظرائهم المنتشرين في الشوارع والزواريب اللبنانية لجني المزيد من الأرباح واللعب بالتسعيرة كيفما شاء.

التخبط الكبير في السياسة وفي الاقتصاد الذي يشترك فيه كلا من الحكومة والمجلس النيابي في إيضاح خطة التعافي المالي وإقرار قانون الكابيتال كونترول والإجراءات العشوائية للمصرف المركزي سيؤدي حتمًا إلى تخبط السوق المالي والى مسار تصاعدي لارتفاع سعر صرف الدولار، الأمر الذي يُجمع عليه الخبراء.

أضف إلى ذلك أن لا تغيّرات جذرية طرأت لتكون لها انعكاسات إيجابية على الوضع الاقتصادي والمالي بشكل عام، وشحّ السيولة على حاله في ظل تراجع احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، ما أوصل النقد اللبناني إلى الربع الأخير من المخزون.

حالة اللاقرار الحكومية وابتزاز المنظومة المالية نقل الدولار خلال أسبوع إلى مرحلة جديدة أعلى من تلك التي اعتاد التقلّب ضمنها، أي بين 24500 ليرة و25500 ليرة. وكسر الدولار يوم الأربعاء حاجز الـ26 ألف ليرة، ليستقر صباح يوم الخميس 21 نيسان بين نحو 25900 ليرة للشراء، ونحو 26000 ليرة للمبيع دون سقف.

فلتان الدولار يترافق مع الموت السريري لمنصة صيرفة التي تراجع التداول فيها إلى الربع تقريبًا خلال أسبوع. وبلغ حجم التداول على منصة صيرفة ليوم أمس 44 مليون دولار، مع رفع تسعيرتها إلى 22900 ليرة.

الأخبار عن احتمال توقف منصة صيرفة عن العمل أدت بدورها إلى انعكاسات سلبية في السوق وتزامن هذا التراجع مع توقف عدد من المصارف عن العمل على المنصة بالوتيرة السابقة، الأمر الذي ساهم بالضغط على سوق الصرف وطلب الدولار من السوق السوداء.

الصرّافون والمضاربون كانوا مدركين لوصول الحال إلى ما هو عليه اليوم وأن حالة الثبات الهشّة لسعر الصرف خلال الشهرين الماضيين ستزول. وكانوا باعوا ما في جعبتهم من ليرات لبنانية منتظرين هذه الفرصة لبيع مخزونهم من العملة الصعبة. وفق رواية أحد الصرّافين فإن الآمال المقنّعة التي بثّها السياسيون حول الانفراج العربي مع عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان لم تصمد مع تبيان أن هذه العودة لا تحمل مشاريع مالية إنقاذية لمساعدة اللبنانيين. لكن الأجواء الإيجابية المخادعة أدخلت دولارات اللبنانيين في خزائن المضاربين والصرّافين بعد أن باعوها ظنًّا منهم أن الدولار سيتراجع. لكن هبوط الدولار سيبقى حلمًا، وبحسب أحد الصرّافين فإن الدولار قد يصل قبل عيد الفطر إلى 27 ألف ليرة، مستبعدًا أن يتم لجمه قبل الانتخابات النيابية.

لعبة ارتفاع الدولار وحجب الأموال عن منصّة صيرفة تتصل بشكل أو بآخر بالمسار القضائي في ملفات رياض سلامة، المطلوب بمذكرات توقيف والمتوار عن التحقيقات المالية. فقد عمّمت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بلاغ بحث وتحرّ لمدة شهر بحقّ حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بجرم “مخالفة القوانين والأنظمة” و”التلاعب بالعملة الوطنية بالتواطؤ مع المصارف”، بموجب المحضر الصادر في 16 نيسان الجاري عن مكتب أمن الدولة في جبل لبنان. وقد تمّ تعميم البلاغ على المنافذ البحريّة والجويّة والبريّة، بواسطة مكتب التحريّات في قوى الأمن الداخلي.

هذا الإجراء القضائي، وإن كان سيبقى صوريًا لصعوبة توقيف ساكن مصرف لبنان وعنوانه معروف وبحماية أمنية، لكنه يقود سلامة، بالشراكة مع السوق السوداء، إلى اللعب في سوق المال بما يؤرق حياة اللبنانيين ولا حسيب ولا رقيب لردعه.

ضمور المنصة وغياب الخطط الإصلاحية، مع وجود قرار حكومي بعدم التدخل لتثبيت سعر صرف الدولار كما يُشاع من خطة “التعافي المالي”، التي تتنصّل من دعم الليرة اللبنانية، لن يرحم اللبنانيين لا قبل الانتخابات ولا بعدها مع استمرار السوق الموازية بلعب دور الوسيط الأساسي لتداول الدولار الأميركي، الأمر الذي سيُحيل حياة اللبنانيين إلى كابوس طويل.

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى