حلاوة لـ”أحوال”: لا قيود وضوابط للدولار
في ظل الاستعصاء الحكومي وارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية على لبنان، وتفاقم الأزمة الاقتصادية المالية وغياب الحلول، يواصل “شبح الدولار” تسيّده على أولويات المواطن.
فبعد انخفاضه إلى حدود ال6000 ل.ل عقب تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، قفز سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي ليلامس الـ8000 ليرة في الأيام الأخيرة، مع توقعات بارتفاع إضافي إن استمر الواقع على حاله.
وبات “الدولار” الشغل الشاغل للمواطن الذي يكتوي يومياً بنار الأسعار في المحال التجارية والمواد الغذائية، ويعيش في قلق دائم أزاء الغموض الذي يعتري التغيّرات المفاجئة والسريعة في سوق الصرف السوداء دون حسيب أو رقيب.
ولعلّ السؤال الأكثر تداولاً راهناً: هل سينخفض الدولار أم سيرتفع؟
نائب رئيس نقابة الصرافين محمود حلاوة يشرح في حديث مع “أحوال” أسباب أزمة الدولار، مشيراً إلى أنّ “لعبة الدولار ليست وهمية وليست حقيقية مئة في المئة”؛ موضحاً أنّ التسعيرة اليومية للدولار ناتجة عن تطبيقات مجهولة المصدر تُوزّع على هواتف المواطنين، وليس معلوماً كيف تُدار ولا الأسس التي تعتمدها لتحديد سعر الصرف. ولفت حلاوة أنّ ما يجعل هذه التطبيقات حقيقية هو اعتمادها من الجميع لعدم وجود البديل الشرعي.
وأشار حلاوة إلى أنّ “الطلب على الدولار لا يزال مرتفعاً بدليل أنّ الكثيرين من مستوردي السلع غير المدعومة من مصرف لبنان يحصلون على حاجتهم من الدولار الطازج من السوق السوداء”، موضحاً أنّ “القاعدة الطبيعية المتحكمة عادة بسعر صرف الدولار هي العرض والطلب، من خلال المصارف، المؤسسات المالية، و شركات الصيرفة؛ وهذا مشروع في الاقتصادات الحرّة ويحصل نتيجة حركة واضحة ومكشوفة للبنوك المركزية التي تملك سلطة الرقابة وصلاحية التدخل، وحينها يمكن تحديد حجم التداول بالدولار والتحكّم بسعره عند اللزوم “.
وبناء هلى حركة التداول اليومية الحقيقية بحسب حلاوة، يجري تسعير الدولار مع الأخذ بالاعتبار عدة مؤشرات منها (ميزان المدفوعات، الميزان التجاري، وموازنة الدولة، بالإضافة إلى دورٍ فاعلٍ للمصارف التجارية وقدرة مصرف لبنان على التدخل لركلجة سوق الصرف.
جهات خارجية تتحكم بالسوق
كل هذه العوامل، قال حلاوة، تحكم سعر الدولار. “لكن منذ عام حتى الآن اختفت هذه المعايير والمؤثرات الطبيعية، لتحلّ محلها سوق مصطنعة يتحكّم بها جهات غير شرعية ووسائل غير طبيعية”. وأضاف، “هناك جهات ومنظمات ومؤسسات تتمتع الإمكانيات المادية والتقنية، تقوم بإطلاق هذه التطبيقات في السوق ما يدفع المواطنين للاعتماد عليها في عملياتهم المالية والتجارية، لعدم توفر البديل”. مردفاً، يمكن أن تكون التطبيقات من خارج لبنان تتوفّر عبر وسائل التواصل والاتصال التقنية على الإنترنت والتي لا يمكن ضبطها”.
وأوضح حلاوة أنّ “التلاعب بأسعار الدولار هي عملية تقنية، وإلا من أين تتوفر ملايين الدولارات للمستوردين رغم أنّ الصرافين الشرعيين أصبحوا خارج اللعبة؟ ما يعني أنّ مصدر المستورد هو السوق السوداء، وهذا يحصل تحت مرأى الدولة والبنك المركزي”.
دور المصرف المركزي
فما هو دور المصرف المركزي في ضبط السوق السوداء، وهل هو شريك في “لعبة الدولار” أم أنّه عاجز عن ضبطها؟ إشارة إلى أنّ القوى الأمنية ألقت القبض على مدير العمليات النقدية في “المركزي” مازن حمدان، منذ أشهر قليلة بتهمة تشغيل صرافين وأفراد في السوق السوداء، حيث اعترف خلال التحقيقات القضائية معه بأنّ كل العمليات التي قام بها تمت بإشراف وعلم “الحاكمية”.
وأوضح نائب نقيب الصرافين في هذا الإطار، أنّ “مصرف لبنان لا يملك قوى أمنية لملاحقة المخالفات وبالتالي الأمر يفوق إمكاناته، لأنّ آلاف العمليات تحصل يومياً بين ملايين المواطنين الذي أصبحوا يعملون كصرّافين غير شرعيين”. والمشكلة برأي حلاوة، أنّ “المركزي” لا يستطيع حصر العمليات (المحققة يومياً)، لأنّها لا تنفذ عند الصرافين الشرعيين، بسلطة رقابته عليهم، كون المصرف يملك سلطة رقابة عليهم، وبالتالي تحصل العمليات بأسواق جانبية تسمى سوق سوداء”.
لكن مصادر اقتصادية وسياسية تساءلت عن سبب تعطيل وظيفة مجلس حاكمية مصرف لبنان الأساسية، وهي التدخل في سوق الصرف، سيّما بعد تعيين نواب الحاكم الأربعة ومفوّض الحكومة لدى المصرف؛ فضلاً عن إقصاء قطاع الصرافة الشرعي، ووقف تزويده بالدولار لصالح تشريع الأبواب للتجار غير الشرعيين، نتج عنها أسعار متعددة للعملة الخضراء، مشيرة إلى أنّ التلاعب بالدولار أصبح السلاح السياسي لتعميم الفوضى المالية والاجتماعية لاستكمال المخطط المرسوم للبنان منذ 17 تشرين 2019 حتى تفجير مرفأ بيروت، بضرب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني، توازياً مع مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية القائمة بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي في الناقورة.
ولفتت المصادر إلى أنّ جهات سياسية ومصرفية ومالية داخلية وخارجية تستغلّ الفراغ السياسي والحكومي القائم بأخذ البلد إلى الفوضى لتحقيق أهداف سياسية؛ فلا حكومة تصريف الأعمال قادرة دستورياً على التحرّك لمواجهة “حرب الدولار” ولا الحكومة المرتقبة تشكّلت، ما سيدفع البلد إلى مزيد من الإنهيار المالي والاقتصادي والنقدي ومحاولات للمسّ باحتياط الذهب، إذا ما نفذت احتياطات مصرف لبنان”. فيما علم “أحوال” من مصادر حكومية أنّ قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية بات محسوماً لكن يجري البحث عن بدائل لذلك، ما سيرفع سعر صرف الدولار إلى معدلات قياسية، خالقاً فوضى اجتماعية وتحركات في الشارع.
إقصاء الصرافين لصالح التجار غير الشرعيين
فلماذا تم إقصاء الصرافين عن التداول بالدولار لصالح التجار غير الشرعيين أو الصرّافين المتجولين والمتخفين؟ لفت حلاوة في هذا الإطار، إلى أنّه “ليس صحيحاً وجود شح في الدولارات في السوق، بل تشهد السوق يومياً آلاف العمليات بملايين الدولارات، خاصة بعد فتح المطار وعودة المغتربين إلى لبنان أوائل الصيف الماضي ولم يكن للصرافين نصيباً منها”. وتساءل عن سبب إيقاف الدولة والحاكم المركزي للصرافين الشرعيين عن ممارسة عملهم ومهنتهم الطبيعية؛ علماً أن الصيرفي يخضع لرقابة لجنة المصارف وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان الذي يستطيع إحصاء عمليات البيع والشراء ويستند إليها، لإجراء تحليله الخاص، ويستطيع التواصل مع نقابة الصرافين لتحديد كيفية ضبط التأرجح الحاد بسعر الصرف الذي يصل إلى 3000 ليرة خلال أيام، إضافة إلى تفعيل جدوى المنصة الإلكترونية التي أنشأها مصرف لبنان لضبط عمليات الصيرفة. لذلك على الدولة والمركزي تنظيم الوضع المالي خاصة سوق القطع، بإعادة الدولار إلى الصرافين الشرعيين) وإخضاعه للمراقبة.
لا سقف للدولار
ويبقى السؤال الذي يسأله أغلب المواطنون كونه يرتبط بمختلف جوانب حياتهم اليومية، هل سيكمل سعر الدولار ارتفاعه إلى معدلات قياسية؟
اعتبر حلاوة أنّ الدولار عادة يرتبط بالمؤشرات المالية والاقتصادية، وقدرة الدولة والمركزي والمصارف والقطاع الخاص، “لكن اليوم نحتاج إلى استعادة الثقة بهذه الكيانات لإعادة التوازن إلى سوق الدولار، وهذا يتم من خلال إعادة ضخ مليارات الدولارات المخبأة في المنازل إلى السوق والمصارف، باتخاذ إجراءات مكثّفة لإعادة الثقة إلى البلد لجذب المغتربين والمستثمرين الخارجيين. لكن حلاوة أعرب عن مخاوفه من عدم توفر المقومات المطلوبة، مشيراً وللأسف الى أنّ الإحتمال الأكبر ألّا يجد الدولار ما يلجم ارتفاع سعره في ظل استمرار المعطيات الحالية.
محمد حمية