قطر تستقبل العالم.. وتحديات أمام المونديال الأول في بلاد العرب
الحلم الذي كان “معجزة” في السابق تحوّل إلى حقيقة وواقع لا مجال لتحوير أحداثه، قطر تستضيف كأس العالم 2022 وتدخل التاريخ كأصغر دولة وأوّل دولة عربية وخليجية تستضيف أكبر حدثٍ للساحرة المستديرة على الكرة الأرضية.
قبل حوالي العقد، نالت قطر ميزة استضافة كأس العالم 2022، في ظل ضجة كبيرة من المرحّبين والمشكّكين بأهليّة الإمارة لهذا الاستحقاق واتهامات بنيلها المونديال عن طريق الرشى لمنظمة “الفيفا”. وجدت قطر نفسها أمام تحدٍّ مهول بالنسبة إلى سنواتٍ عشر، فقد عملت لبناء عدة مدرجات بمواصفات عالمية ومرافقها، وتأمين البنية التحتية الهائلة التي تضمّنت إنشاء شبكة مترو لتأمين المواصلات للمشجعين، وحاربت الحملات الإعلامية ضدّها.
لكن رغم ذلك دقّت ساعة التاريخ، الأحد عيون العالم تتوجه نحو قطر، الدولة الخليجية “المثيرة للجدل”، منذ العام 2003 عام إطلاقها شبكة “الجزيرة” الإخبارية التي كانت نقطة تحوّل إعلامي في الفضاء العربي مهما اختلف كثر في العالم على “أجنداتها”، وستستقبل في كأس العالم، ما يعادل عدد سكانها المليونين.
قطر “الاستثمارية” خلال الأعوام العشرين الماضية استثمرت في كل شيء: الحجر والبشر، السياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة، قلب أنظمة وتغيير دول، البارود والنار والدم والمساعدات. جازفت في كل الميادين حيث نجحت وأخفقت وخلقت لنفسها حلفاء وأعداء في كل القارات.
حملت بين يديها كل “الفضائل” و”الذنوب” ليكون لها كلمتها على الساحة الدولية ونجحت، في أن تكون الوسيط بين العدو والصديق ونجاحها الأكبر في تحويل قطر من صحراء إلى دولة عصرية متطورة تجلب الرخاء لشعبها وتضم أهم الجامعات العالمية والمراكز المالية.
وفي سياق الحديث عن الحدث الرياضي الأبرز على الساحة الدولية الذي سينطلق الأحد المقبل، قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في وقت سابق، إنّ استضافة كأس العالم “مناسبة نظهر فيها من نحن، ليس فقط لناحية قوة اقتصادنا ومؤسساتنا، بل أيضاً على مستوى هويتنا الحضارية”.
هذه الهوية الحضارية في عين الاستهداف الغربي الشرس، ولكنها ستكون بعد انتهاء الحدث الضخم مثار “تقييم” بالإضافة إلى التنظيم الجبّار والجهود الهائلة التي بذلت، سيدقق العالم في مجالات أخرى تتضمن مجيء ثقافات متعددة مختلفة والتحامها على أرض عربية إسلامية وما قد يمس قضايا تتعلق بجوهر الثقافة المحلية لدولة مسلمة عربية وأسئلة عن تعامل قطر مع ملفات عدة كحقوق العمال.
التقاليد والفطرة
رغم التطور العمراني الذي تشهده قطر، واحتياطات الغاز والنفط التي ترفد الدولة بعائدات ضخمة، فإن التمسك بالتقاليد لدى المجتمع القطري، متجذّر رغم تحول البلاد من النظام المشيخي إلى الدولة بمفهومها المعاصر، مطلع سبعينيات القرن الماضي.
لذا أشهر العالم الغربي سلاح “عدم احترام حقوق الإنسان” لتحريمها العلاقات خارج الزواج والكحول والمثلية الجنسية، وكلّها مفاهيم تندرج ضمن الحريات التي يريد العالم الغربي فرضها على المجتمعات وبات لها لوبيات وخلايا في المحافل الدولية حتى باتت معياراً لـ”تقدم” الدول و”نهضة” البلدان من دون معايير الصحة والتعليم والازدهار الاقتصادي.
وإن كانت الحريات الشخصية مقدّسة في المواثيق الدولية إلا أن التقاليد والعادات الاجتماعية والفطرة الطبيعية للإنسان، لا تزال هي الأقوى والأعماق في المجتمعات العربية والإسلامية وحتى المسيحية الغربية وبينها الكنائس الأميركية التي لا تزال تحارب الدعوات إلى تشريع المثلية والزواح والإنجاب في مجتمع “الميم”.
تحدي “مجتمع الميم”
خلال الأشهر الماضية، تعرّضت قطر لانتقادات شديدة من منظمات المجتمع المدني الغربية والجهات المتضامنة مع مجتمع الميم بسبب قوانين الدوحة الرافضة لهم.
دفع هذا الأمير تميم بن حمد آل ثاني، في 20 أيار 2022، إلى إعلان أن بلاده سترحّب بالزوار من مختلف دول العالم، ولن تمنع أحداً من الحضور لمشاهدة كأس العالم، لكنه دعا جميع الزوار إلى احترام ثقافة وتقاليد الشعب القطري. وأعلن رئيس “الفيفا” جيوفاني إنفانتينو، أن الجميع مرحّبٌ بهم في قطر، بما في ذلك مجتمع الميم، مشدداً على أنه سيلغي عقود كأس العالم مع أي فندق أو مزود خدمة يميّز ضد المثليين جنسياً.
لكن في سياق آخر، صرّح رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، اللواء القطري عبد الفتاح عبد الله الأنصاري، أن: “أعلام مجتمع الميم ستُصادر من الجماهير في قطر لأسباب أمنية”، وأضاف: “إذا لم أفعل هذا، يمكن مهاجمة الشخص، لا يمكنني ضمان تصرفات الجميع”.
الحملة الشرسة والمتواصلة ضد قطر، دفعت وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى وصف انتقاد استضافة بلاده كأس العالم لكرة القدم بـ”النفاق”، مؤكداً أن الأسباب التي تساق لمقاطعة كأس العالم لا تمتُّ للمنطق بصلة.
وقال الوزير القطري في مقابلة مع صحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” الألمانية، إن قطر واجهت حملة ممنهجة ضدها على مدى 12 عاما منذ اختيارها لاستضافة كأس العالم، وهي حملة لم تواجهها أي دولة أخرى حظيت بحق استضافة هذه البطولة.
عرق ودم العمال
حقوقياً، “هيومن رايتس ووتش” ترى أن “كأس العالم فيفا 2022” تأتي بعد سنوات من الانتهاكات الجسيمة لحقوق العمال الوافدين وحقوق الإنسان في قطر، وذلك تزامنا مع نشر “دليل المراسلين” لدعم الصحفيين الذين يغطون البطولة.
ومخاوف “هيومن رايتس ووتش” المرتبطة باستعدادات قطر لكأس العالم لكرة القدم واستضافتها البطولة، يكشف المشاكل الأوسع المتعلقة بحماية حقوق الإنسان في البلاد.
وهذا يتعلق بوفاة العمال الوافدين الذين بنوا البطولة، وغياب الإصلاحات العماليةعلى الرغم من التقدم الذي قامت به الدوحة في هذا المجال، وفق تقرير للأمم المتحدة.
وانتقدت المنظمة في بيان منذ أيام تقاعس “الفيفا” عن فرض شروط قوية لحمايتهم وأصبحت عاملاً ممَكّنا لسوء المعاملة الواسعة التي عانى منها العمال، منها رسوم التوظيف غير القانونية، وسرقة الأجور، والإصابات، والوفيات.
طموح أبعد
طموح قطر التي تصبو إلى أبعد من حدثٍ رياضي، إذ إن كأس العالم ستترك إرثاً سيتظهّر سياحياً في المستقبل انطلاقاً من أن البطولة ستشكّل مساحةً لتعريف العالم على الأماكن الجذابة التي ستثير اهتمام السياح الذين سيتقاطرون لاحقاً لزيارتها والتعرّف عليها، وإلى كونها أرض أمن وأمان لزوّارها ومربّع رابح للاستثمارات الآن وفي المستقبل.
المردود السياحي سيطفو في شهر المونديال لا على قطر فقط إنما على دول الجوار لا سيّما السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي ستجني أموالاً طائلة من قطاعات الضيافة والأطعمة والمشروبات والسلع الرياضية والأزياء حيث تشير التوقعات إلى أن حجم إنفاق مشجعي كرة القدم والسياح خلال فترة كأس العالم ستقارب الـ 4 مليارات دولار من خلال هذه القطاعات الرئيسية.
باقي الجنسيات العربية من لبنان وفلسطين ومصر وتونس وسوريا والمغرب والأردن والجزائر، كانت لهم اليد الطولى في رفد الحدث العالمي بمواهبهم ومهاراتهم وأفكارهم الإبداعية وعملهم الجاد في تنفيذ المشاريع والمشاركة والإسهام في إنجازات قطر الإعلامية والعمرانية والطبية والهندسية كما كافة الدول الخليجية الأخرى منذ الاكتشافات الأولى لنهضتهم النفطية.
من هنا الشراكة العربية والافتخار بهذا الإنجاز يمتد إلى كل العرب، فالتاريخ يُكتب لمعشوقة الجماهير في بلاد العرب من قطر. والأحد ستطلق الصافرة لفرح في وجوه المشجعين، والمقيمين، والمواطنين القطريين والمشاهدين في كل الكرة الأرضية، تحتم على الجميع القول “هيّا” لفسحة ترفيه تمتد على نحو شهر في العالم ولخفض الأسلحة جانباً وتجاوز التحديات.
رانيا برو