منوعات

سجال عون وبري الدستوري بين الصلاحيات والإصلاح

نجار: لا يحق للمجلس الدستوري تفسير الدستور صفير: نحتاج إلى ورشة إصلاحية

حرب صلاحيات وتفاسير دستورية أضافت مادّة جديدة للسجال السياسي في لبنان، وردود بين الرئاستين الأولى والثانية حول “تفسير الدستور” و”مرجعيته” قاربت التصويب والدعوة إلى “إصلاح” القوانين. “اجتهاد” رئيس الجمهورية ميشال عون، بإشارته إلى أنه لا يجوز أن يقتصر دور المجلس الدستوري على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور، استدعى سلسلة من المواقف والردود “المستهجنة” لإثارة هذا الأمر بما يتجاوز صلاحيات المجلس النيابي. والرد الأوّل والأسرع جاء من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي صوّب كلام الرئيس بقوله إن “صلاحية المجلس الدستوري هو مراقبة القوانين وليس تفسير الدستور الذي بقي من حق المجلس النيابي دون سواه”. إنه جدال بين الصلاحيات والإصلاح الذي يستوجب ورشة قانونية لا يملك اللبنانيون ترف الخوض في تفاصيلها وهم على منحدرات الانهيار.

يحسم وزير العدل السابق ابراهيم نجار الجدل في اتصال مع “أحوال”، ليس هناك ما يجب مناقشته “لا يحق في لبنان للمجلس الدستوري أن يفسر الدستور أو أن يكمل نواقصه”. ويقول البروفسور نجار “إنها صلاحية مجلس النواب حصراً ووفقًا لأصول دقيقة. لكن يحق للمجلس الدستوري مراقبة دستورية القوانين وفق شروط محددة”. ويوافقه الرأي الحاسم أستاذ القانون الدولي في الجامعة اليسوعية الدكتور أنطوان صفير، بقوله “نعم الدستور منح المجلس النيابي حق تفسير القوانين، وهو صاحب الصلاحية في ذلك وليس المجلس الدستوري”.

وكان رئيس الجمهورية رأى أن دور المجلس الدستوري لا يجوز أن يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور وفق ما جاء في الاصلاحات التي وردت في وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرت في الطائف في العام 1989. واعتبر رئيس الجمهورية أنه “من الطبيعي أن يتولى المجلس الدستوري، وهو ينظر في دستورية القوانين، تفسير الدستور لأن القوانين تصدر انسجامًا مع القواعد الدستورية المحددة وتترجم نية المشترع المرتكزة أساسًا على نصوص الدستور”.

الثغرات في النصوص القانونية، كانت مادةً لحديث الرئيس أمام وفد من المجلس الدستوري برئاسة القاضي طنوس مشلب زاره في بعبدا، لافتًا الى “وجود ثغرات في النصوص التي تحدد صلاحيات الوزراء “لاسيّما أولئك الذين يتقاعسون عن تنفيذ القانون ويمتنعون عن تطبيق قرارات مجلس الوزراء ومجلس شورى الدولةـ إضافةً الى تجميدهم مراسيم ترتّب حقوقًا لمستحقيها وذلك خلافاً لأي نص قانوني أو دستوري”. 

بالمرصاد كان الرئيس نبيه بري، وجاء ردّه سريعاً وحاسماً في بيان قال فيه “تبياناً الى ما ورد عن لسان فخامة رئيس الجمهورية لرئيس وأعضاء المجلس الدستوري فإن دور هذا المجلس هو مراقبة دستورية القوانين، دون أن يتعداها الى تفسير الدستور الذي بقي من حق المجلس النيابي دون سواه”، مؤكداً أن “هذا أمر حسمه الدستور ما بعد الطائف بعد نقاش ختم بإجماع في الهيئة العامة”.

 

إصلاحات دستورية مطلوبة

 

جدلية الصلاحيات والاجتهادات حول تفسير القوانين اللبنانية ساهمت منذ اتفاق الطائف إلى ما يشبه تعطيل المؤسسات ما يتطلب ورشة إصلاحية متكاملة بحسب مشرّعين وخبراء. وفي هذا الاتجاه يقول الدكتور أنطوان صفير “الدستور واضح في هذا الشأن وصلاحية تفسير القوانين هي لمجلس النواب رغم أن هذا الموضوع ليس من معايير الديموقراطية الدستورية الحديثة في العالم، التي تحمّل مرجعية تفسير الدستور للمجلس الدستوري باعتباره مجلساً تقنياً يمكنه تفسير وإقرار القوانين بالاستناد إلى الدستور وليس الواقع السياسي”. ويرى صفير في دردشة مع “أحوال” أنه حين يعطى المجلس الدستوري هذا الحق فعلياً يجب السير بتعديلات قانونية تتلاءم مع هذا التفسير. ويقول “هذه الصلاحيات تتطلّب تعديل نظام المجلس الدستوري بإعطائه صلاحية التفسير تضاف إلى مهامه في مراقبة دستورية القوانين، ومراقبة صحة الانتخابات الرئاسية والنيابية”. ويلفت صفير أن “الدستور اللبناني يحتاج إلى ورشة كبيرة بعدما تبيّن في الممارسة أن رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء لا يستطيعون التعاون بشكل يؤمن نظاماً منتجاً”.  

جلسة تعديل الدستور في 21 آب 1990، التي تلت إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف في 30 أيلول 1989، ألغت منح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور وحصرت دوره بمراقبة دستورية القوانين، بينما تُحصر صلاحية تفسير الدستور بالبرلمان.

وضوح النصوص بما لا يقبل الجدل أمر يُشدد عليه الوزير السابق رشيد درباس “النصوص واضحة وتنص على أنّ المجلس الدستوري لا يمكنه تفسير القانون”. داعياً إلى التوقف عن تناول القوانين كيفما كان ويقول “حرام أن يكون القانون ساحة للتجاذبات السياسية”.

ولكن المطلب إصلاحي ولا يندرج في خانة تجاوز الصلاحيات، والرئيس يعتبر أن المسار الإصلاحي يفترض البدء بتعديلات دستورية. يُفسر عضو تكتل لبنان القوي النائب ابراهيم كنعان موقف الرئيس المتعلق بصلاحية تفسير الدستور، ويقول “وجوب منح هذه الصلاحية للمجلس الدستوري مطلب إصلاحي ينطلق مما هو معتمد في أغلبية الدول الديموقراطية لا سيّما فرنسا” لافتاً إلى أنا هذا الأمر “كان ورد في وثيقة الوفاق الوطني قبل تعديلها في الهيئة العامة آنذاك علماً أن الصلاحية لا تزال وبحسب الدستور للمجلس النيابي”. 

طرح رئيس الجمهورية حول توسيع صلاحيات المجلس الدستوري وإن خلق تشنجاً وسجالاً حول صلاحيات المؤسسات واعتبر ترفاً في زمن “الانهيار الوطني” إلا أنه ليس جديداً. فهو يدرجه في خانة الاصلاحات القانونية التي من شأنها تحسين أداء المؤسسات لتأمين المصلحة العامة.

منذ أعوام، وتحديداً في العام 2016، أعدّ رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان مشروعاً لتعديل صلاحيات المجلس. ومنحه حق تفسير الدستور والنظر في دستورية القوانين دون الطعن فيها. وفي رأي سليمان، “أن التعديل قد يعالج بعض القوانين التي صدرت قبل إنشاء المجلس، والتي تتضمن كثيراً من المواد المخالفة للدستور، إذ لم تُدرس دستوريتها، بحكم عدم وجود المجلس في ذلك الوقت”. لكن المشروع لم يجد طريقه إلى التشريع كونه يتجاوز صلاحيات المجلس النيابي.

حدّدت المادة 19 من الدستور ومن بعدها المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة الأولى من نظامه الداخلي مهمات هذا المجلس كالتالي: مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون، والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات. وهذه الصلاحيات حصرية حيث أنه لا يجوز للمجلس أن يتصدى لأي مسألة خارجة عن هذه الحصرية المحددة في النص الدستوري وفي النظام الداخلي للمجلس الدستوري، كما ورد في كتاب “المجلس الدستوري في القانون والاجتهاد”، الذي أعدَّه المحاميان بول مرقص وميراي نجم شكر الله.

كما نصت المادتان 1 و18 من قانون انشاء المجلس معطوفتان على المادة الأولى من نظامه الداخلي على أن المجلس الدستوري يتولى الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى