اللواء ابراهيم: من دون لبنان الجامع لا يمكن لفئة أو طائفة أن تنجو
صدر العدد العاشر بعد المئة، تشرين الثاني 2022، من مجلة “الامن العام” عن المديرية العامة للامن العام، وكتب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الافتتاحية بعنوان: عن “الإنتباه الوطني” وجاء فيها:
“في الاول من تشرين الثاني الحالي، دخل لبنان المحظور الدستوري وهو خلو سدة الرئاسة الذي لم يبقَ أحد إلا قدّم مطالعة فيه وعن أخطاره وتداعياته السلبية على مجمل الاوضاع. الآن بلغنا هذا الخطر ولا حياة لمن تنادي، والمؤسف أن “اللااستقرار” صار استقراراً ولكن بـ”كسل وطني” عام عن التفكير في الدولة وأهلها ومستقبلهم. جلّ التفكير محوره المصالح واستعراض القوى.
في بلاد غير تلك التي نحيا في كنفها وقد أنعم الله علينا، كان مثل هذا الامر ليغيّر جيلاً كاملاً من السياسيين. لكن الكسل الوطني معطوفا على غياب التمسك بالهوية اللبنانية الجامعة، وانتظار تفاهمات الخارج واتفاقاته على المنطقة، يجعلنا جميعا نترقب ما هو آت من دون ان يرف لنا جفن. اضحى لبنان في دولة بلا رئيس. هل لعاقل ان يتخيل كيف يكون عليه الوضع الآن؟ وقد مررنا في هذه التجربة مرات عدة، ونعرف كم هي قاسية ومدمرة.
كان يمكن استدراك الأمر في حد أدنى من الممارسة الدستورية والسياسية الجدية الملقاة على عاتق من تصدروا المشهد السياسي، لكن الغالب من هؤلاء لا يزال مهموماً بنتائج الانتخابات التي سبقت وتلك اللاحقة وبأصوات المنتخبين، وكان يمكن ان يكون الوضع في مكان آخر، وان تكون الاهتمامات في اطار افضل كما كل شعوب العالم المتحضر. لكن بلاد يختلف اهلها على جنس الملائكة لا يزالون يكررون حكاية ابريق الزيت.
الانتخابات النيابية واجب وطني أدّاه من أدّاه من اللبنانيين، لكن الغلبة التي انخرطت في هذه العملية إنما فعلت على قاعدة إحداث تغيير. وشعار التغيير رُفع من الجميع بلا استثناء حتى أن الكلاسيكيين ردحوا ردحاً بعزمهم على التغيير. لكن مجريات الوقائع اثبتت ان الانتخابات طوت الشعارات ولم يحصل جديد في معالجة مشاكل اللبنانيين التي ما عادت تُعدّ او تحصى.
الآن سيأتي من يُتاجر بالخلو الرئاسي ويشتغل على تحشيد العصب الاهلي لهذه الجماعة على تلك. اكثر من ذلك سيذهب هذا أو ذاك الى المقامرة باللبنانيين من أجل معركة رئاسية بدا أن الداخل لا طاقة له بها، وان الخارج يريدها وفقا لمعطياته ومصالحه. الاستثمار في هذا الفراغ قابل للاستعمال في كل الاتجاهات ومن كل الاطراف وتحت عنوان “الغيرة” الطائفية والوطنية. لكن هل سيحاسب احد احدا على مسار الامور التي وصلت الى هذا المستوى؟
أما وقد بلغنا ما بلغناه من انحدارات متعاقبة، فما ينبغي قبل اي شيء هو “الانتباه الوطني” في هذه اللحظة الحساسة، لأن اي مغامرة قد تنطوي على جحيم سياسي يأتي على البلد وأهله من دون تمييز. لنستفد من تجارب الماضي الطويلة والعميقة، ذلك انه في لحظة تفاهمات محلية مع اخرى اقليمية ودولية سيصير الى انتخاب رئيس وحكما ستكون عندها مفاجأة الاسم والتوقيت وسرعة الانتخابات. حينها ستتحول الكتل وجماهيرها من جموع غاضبة الى أخرى محتفلة ومهللة، وستبذل جهدها لتجيير نتائج هذا المعطى الدستوري إلى أرصدة حساباتها السياسية على طريق تمنين اللبنانيين بما هو حق لهم.
الانتباه الوطني المطلوب في هذه المرحلة هو من نوع الوعي من اي انزلاق قد لا يبقي ولا يذر من لبنان.
دخلنا فراغات دستورية وحكومية من قبل، ونجونا منها بأقل الخسائر. وطالما دخلنا إلى فراغ جديد ينضم إلى سوابقه المشينة، فلنفهم أنه من دون لبنان الجامع لا يمكن لفئة أو طائفة أن تنجو بمفردها”.