مجتمع

تربية النحل في خطر.. الفساد ووقف الدعم قضيا على صغار مربي النحل في لبنان

منذ التحرير في العام 2000 ، بدأت تربية النحل تشهد تطوراً تدريجياً ولافتاً في القرى والبلدات الجنوبية، أدى في سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة الى ارتفاع عدد النحالين في منطقة بنت جبيل وحدها من 100 نحال الى ما يزيد عن 1000 نحال يملكون ما يزيد على 6000 قفير، بحسب رئيس تجمع نحالي جبل عامل طارق ياسين، الذي لفت الى أن “تربية النحل اليوم تواجه مشكلات كثيرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية، والمبيدات والكسارات والحرائق والزحف العمراني، وغياب الدعم”.

معدل انتاج قفير النحل في الموسم الواحد عادة بين 15 و20 كلغ من العسل، وقد يزيد عن ذلك أو يقل بحسب الموسم، الذي يتأثر بموقع القفران وكمية الأمطار وحرارة الطقس وغيرها من العوامل. ويلفت مسؤول جهاد البناء في الجنوب والمهندس الزراعي سليم مراد الى أن “الاحصاءات بينت أن نسبة الاستهلاك المحلّي للعسل هي 472 طن، وكمية فائض الانتاج هي 150 طن، أما عدد النحالين في محافظتي الجنوب والنبطية فوصل في العام 2020 الى 6283 نحّال يملكون 131199 قفيراً،  60% منها في أقضية بنت جبيل، مرجعيون وصور”.

لكن مراد أشار الى أن “قطاع النحل في لبنان يواجه اليوم مشكلات كبيرة، منها أن النحالين يعتمدون على أنفسهم بالكامل دون أي دعم حقيقي وفعّال من الدولة اللبنانية، وعدم متابعة تسويق الانتاج في الخارج، واستخدام المبيدات بشكل عشوائي، غلاء المواد المستعملة، ادخال ملكات النحل غير المتأقلمة الى خلايا النحل، ودخول العسل المغشوش بكميات كبيرة”.

 

كان من المفترض أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الى زيادة أعداد النحالين وقفران النحل لتحسين مستوى الدخل، لا سيما عند الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، لكن واقع الحال بدامختلفاً، اذ يبدو أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة التي يحتاج اليها مربو النحل من جهة، وغياب الرقابة التي أدت الى انتشار العسل المغشوش في الاسواق، اضافة الى توقف دعم النحالين وانتشار الأمراض التي تقضي على النحل، أدت الى تراجع أعداد قفران النحل بشكل لافت واضطرار المئات من صغار مربي النحل الى التوقف عن تربية النحل.

في العام 1993 بدأ بلال العلي، ابن بلدة شقرا ( بنت جبيل) العمل في تربية النحل، “كانت الفكرة جديدة، وبدت مربحة جداً”، يومها أصبح بلال يمتلك 3 قفران، لكنه بعد سنوات طويلة من العمل استطاع مع عدد من زملائه تطوير هذه المهنة الجديدة، حتى أصبح اليوم يمتلك 700 قفير، وكان في استطاعته مضاعفة هذا العدد كل عام، كما يقول، لولا تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار تجار العسل المغشوش.

اذ يؤكد العلي على أن  ثمن كيلو العسل المغشوش قد يصل الى 150 ألف ليرة أي ما يقل عن 5 دولارات، بينما كان ثمن كلغ العسل البلدي لا يقل عن 20 دولار، ليصبح اليوم أقل من 15 دولار، وهو ثمن  يؤدي الى خسائر كبيرة لصغار مربّي النحل.

يرى العلي أن قطاع النحل شهد في سنوات ما قبل الأزمة، ومنذ العام 2000 تطوراً لافتاً، ساهم في زيادة أعداد مربي النحل وزيادة انتاج العسل، لكن ما يجري اليوم يهدد قطاع النحل بأكمله، ومن يصمد هم كبار المربين، الذين تساعدهم امكانياتهم المالية على تخطي الأزمة.

ومن أهم الأسباب التي تواجه مربو النحل هي “خسارة ثلث الزبائن، وهم طبقة الموظفين والذين يتقاضون أجورهم بالعملة الوطنية، اضافة الى زيادة اعداد تجار العسل المغشوش المستورد والمصنّع في لبنان، خاصة في الشمال وطرابلس، والذي يصعب اكتشافه في مختبرات وزارة الزراعة، وكلفة فحصه في المختبرات المتطورة مرتفعة جداً”، ومن المشكلات المستجدة أيضاً هي ارتفاع أسعار الخشب وأدوات النحل بالدولار الأميركي.

فعلى سبيل المثال “ارتفع ثمن متر خشب الشوح المستخدم لصناعة صناديق قفران النحل تدريجياً من 270 دولار الى 550 دولار، وارتفاع ثمن لوح الحديد “الصاج”، الذي يستخدم لتغطية القفران، من 8 دولار الى 12 دولاراً. كما ارتفع أثمان الشمع والأدوية ولوازم تربية النحل بنسبة تزيد على 20%.

جابر غريب هو واحد من كبار مربي النحل في منطقة بنت جبيل، تراجع عدد قفرانه من 200 الى 50 قفير، وكذلك خسر ابراهيم العلي أكثر من ثلثي عدد قفرانه، “بسبب المنافسة غير المشروعة وزيادة الأمراض وكلفة الأدوية”.

منذ العام 2016 توقفت وزارة الزراعة عن دعم الأدوية المستخدمة لمواجهة الأمراض التي يتعرض لها النحل، كما يشير رئيس مركز بنت جبيل الزراعي، التابع لوزارة الزراعة، علي ياسين، الذي بيّن أن “الوزارة كانت بصدد اعادة تزويد المزارعين بالادوية، بدعم من منظمة الفاو، لكن الأخيرة قررت مؤخراً تقديم الدعم المادي لمرة واحدة ( 300 دولار لكل نحّال)، ولكن لعدد محدود، ضمن معايير غير دقيقة.

وبغياب تقديم الأدوية المرتفعة الثمن انتشرت الأمراض المعدية التي أدت عند بعض النحالين الى خسارة ما يزيد عن نصف عدد القفران”.

وفي هذا السياق يبين بلال العلي أن “الوزارة كانت تقدم الدواء مجاناً للقضاء على الحشرة المعروفة بالفاروا ، عبر مراكز الارشاد الزراعي، لكن غياب الدعم اليوم جعل معظم النحالين يلجئون الى شراء أدوية رخيصة غير مجدية، ما ساهم في انتشار هذه الحشرة التي ادت الى الأمراض المعدية، وخسارة مئات قفران النحل، حتى أن أحد النحالين من أبناء بلدة مركبا خسر 12 خلية من أصل 160، وأحد النحالين في بلدة حولا خسر 57 خلية من أصل 60، وهذا بعد كارثة على صغار النحالين الذين لا يملكون المال لشراء الأدوية الفعالة”.

يرى المهندس مراد أن أهم الحلول لمواجهة المشاكل التي يتعرض لها النحالين هي ” منع دخول وتصنيع العسل المغشوش، زراعة أشجار رحيقية، فتح أسواق جديدة، ايجاد مختبرات حديثة توثّق العسل ومحتوياته، اخضاع النحالين لدورات تدربية، وتقديم الدعم لمواجهة أمراض النحل”.

في حين يكشف العلي عن سبل ضرورية للاستفادة القصوى من النحل، من خلال ” نقل النحل من مكان الى آخر، للاستفادة من خمس مواسم، بدل موسم واحد أو موسمين”، مؤكداً على أن تجارب كبار النحالين في الجنوب جعلتهم ينقلون قفائر النحل الى جبل الشيخ في آخر فصل الصيف للاستفادة من نبات ” الشنداب” وزهور ” شرش الزلوع“، ومن بعدها الى بساتين صور للاستفادة من موسم الموز، ثم الى شرق صيدا للاستفادة من زهور أشجار ” الايكيدنيا“، الى أن يحل الربيع للاستفادة من زهوره في كل مكان، ومطلع الصيف حيث تتواجد زهور الشوكيات المختلفة.

كما يلفت الى أن خضوع النحالين لدورات متخصصة تجعلهم يستفيدون من كل عطاءات النحل المختلفة، اضافة الى العسل، والتي من بينها غذاء الملكة، اذ تنتج كل خلية 20 غرام منه، ثمن الغرام الواحد 20 دولار. كما تنتج 100 غرام من صمغ النحل الذي يستخدم كعلاج لمحاربة البكتيريا في الجسم، وخبز النحل الذي يباع بأسعار مرتفعة، ناهيك عن الشمع الذي يصل ثمن الكلغ البلدي منه الى 12 دولار، وسم النحل الذي يستخدم في تصنيع البنج ويباع الغرام الواحد منه ب 8 دولارات.

بينما يرى علي ياسين أن ارتفاع أسعار البنزين حرم معظم النحالين من نقل قفرانهم من مكان الى آخر للاستفادة من المواسم المتعددة، وجشع التجار الذين ثبت أنهم يعملون سراً الى استيراد العسل المغشوش والعسل ذات الجودة المنخفضة واعادة تصديره على أنه عسل بلدي، ساهم في لجوء عدة دول الى وقف استيراد العسل اللبناني.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى