دومينو الأزمة يصل إلى دور النشر… انخفاض عملها إلى الـ90%
الأزمة الإقتصادية وجائحة كورونا ضربت عشرات القطاعات في لبنان، وقطاع دور النشر أحد هذه القطاعات التي تصارع اليوم من أجل البقاء على الخارطة اللّبنانية والعربية، فبلد الحرف اشتهر بدور النشر وطباعته للكتب على المستوى المحلّي والإقليمي والدولي، لكن هذه الأزمات المتلاحقة تضع مصير عشرات دور النشر على المحك.
وللوقوف على واقع هذه الدور اتصل “أحوال” بمدير عام دار الفرابي الدكتور حسن خليل الذي يؤكد أنّ هذه الدور من أكثر المتضرّرين بالأزمة الحاصلة، لأنّ عملية إنتاج الكتاب بحاجة إلى إمكانات مالية، واليوم باتت هذه الإمكانات شحيحة وأولويات المواطن اليوم هي تأمين لقمة العيش والاستشفاء .
ويشير خليل إلى أنّ عملية إنتاج الكتاب تمر بدورة اقتصادية كاملة من إعداد وطباعة وتصحيح وثمن الورق والحبر والأغلفة والتجليد، فكلُّ هذه العناصر تتطلب دولار أميريكي، في ظل شحّه في السوق اللّبنانية، وهذا الذي أدّى إلى ارتفاع كلفة الإنتاج، مشيرًا إلى أنّ عمل دور النشر انخفض إلى حدود الـ90% .
وحول المعارض المحلّية والدّولية يؤكد خليل أنّه في الدول العربية تمّ إلغاء 15 معرضاً بسبب كورونا وهذه المعارض تشكّل 40% من عمل الدور اللّبنانية، أمّا معرض بيروت الدولي للكتاب فقد أعلن النادي الثقافي العربي عن موعد مبدئي في شباط 2021 مرجّحاً إلغاءه أيضًا.
ويلفت خليل إلى أنّ الدور كانت تعتمد على السوق العربي إلّا أنّها خسرت السوق في سوريا والعراق بسبب الحرب، كذلك انقطعت طريق البرّ من لبنان إلى الخليج، فلجأت الدور إلى الشحن عبر البحر ذات الكلفة الأعلى والوقت الأطول، كذلك تعرُّض الكتب للتلف جرّاء مياه البحر، وحلّت جائحة كورونا لتزيد التعقيدات في التصدير إضافة إلى إغلاق المطار، كلّ هذا أثّر سلبًا على تصدير الكتب إلى الخارج وألحق الخسائر بدور النشر.
ويؤكد خليل أنّ الدّولة اللّبنانية غائبة تمامًا عن رعاية دور النشر، وللأسف معرض بيروت الدّولي أيضًا والذي يعدّ أحد أهم المعارض، في وقت أنّ كلّ شروط فشله قائمة. المواطن يتعذب للوصول إلى الجناح بسبب بعد أماكن ركن السيارات وتكلفة ركنها، إضافة إلى التوقيت الذي عادة يكون في شهر كانون الأول والذي يكون ماطرًا وغالبًا ما يشهد حركة استثنائية وزحمة خانقة لكون هذا التوقيت يشهد عيدي الميلاد ورأس السنة.
ويضيف: وزارة الثقافة كانت غائبة منذ زمن عن تنظيمه وتأمين شروط نجاحه، وعلى عاتقها تقع مسؤولية تشجيع دور النشر للحضور إلى المعرض والتخفيف من تكاليف حجز المساحات داخله حيث تبلغ كلفة استئجار المتر المربع الواحد 110$، من هنا وَجَب العمل على تخفيض هذه الكلفة على دور النشر، وتأمين الجو الملائم لقيام المعرض وحضور المواطنين والقرّاء العرب والأجانب.
وللمصارف أياديها السود أيضًا في هذه الأزمة إذ يؤكد خليل أن المصارف تحجز على أموال الدور المحوّلة من المعارض في الخارج والتي ينبغي أن تؤمن السيولة للدار، فتدفع الأموال للدور على دفعات، داعيًا الكتّاب ودور النشر لأن يستمرّوا في عملهم بإنتاج الكتب للقرّاء وتأمينها بأفضل الأسعار، فالأوليّة اليوم هي للاستمرار وليس لتحقيق الأرباح.
هذه الصرخة نقلها ” أحوال” إلى وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى الذي لفت إلى أنّ الوزارة تدعم الكتّاب بمبلغ تشجيعي زهيد فموازنة الوزارة مقلّصة وصغيرة، وليس لدى الوزارة الإمكانات لدعم دور النشر، داعيًا الحكومة القادمة لأن تولي دور النشر الاهتمام والدعم اللّازمين من أجل استمراريتها، فلبنان كان مطبعة الشرق ويجب أن يحافظ على هذا الإرث الثقافي والتاريخي، ويجب أن تلحظ الموازنة موضوع دعم الكتّاب والطباعة أيضًا، لأنها ركائز الثقافة التي تميّز لبنان.
بلد الحرف وبلد أول طابعة للعالم يعاني اليوم للحفاظ على هذا الوجه الثقافي والإرث الحضاري والفكري الذي ميّزه عن دول المنطقة والعالم، فالأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية أرهقته، وأرهقت شعبًا بات همّه الأساسي تأمين لقمة العيش، في ظلّ سلطة مستقيلة من كلّ واجباتها، تؤخر ولا تقدم شيئًا.
منير قبلان