سياسة

العقوبات الأميركية “جرس إنذار” لباسيل… هل تقوّض مستقبله السياسي؟ 

باسيل كان يعلم بالعقوبات ويُدرك مفاعيل قانون ماغينتسكي حتى 2022

وسط الحديث عن تزوير في الانتخابات الأميركية، ومشاهد السلاح التفلّت وملفات فساد يتمّ درسها تمهيداً لرفعها بوجه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، وتنامي العنصرية والانتهاكات بحق الحريات والإعلام مارسها ترامب شخصياً ترمي الإدارة الأميركية قنبلة في حضن اللّبنانيين: فرض العقوبات على رئيس أكبر تكتل مسيحي منتخب جبران باسيل، لتُفجّر التفاهمات السياسية التي أفضت إلى تكليف رئيس الحكومة وتُعيد ترتيب أوراق الداخل اللّبناني.

“حب أميركا” المزعوم ودعمها للشعب اللّبناني هو العنوان الذي تختاره لفتح أبواب التدخل في شؤونه وفرض عقوبات لا تؤدّي سوى إلى شدّ الخناق على البلد مالياً واقتصادياً عبر استهدافها شخصيات لا تروق لتطلعاتها ومصالحها. وهذه المرّة تمّ انتقاء رئيس التيار الوطني الحر لأسباب عدّة منها علاقته بحزب الله واتهامه بملفات فساد لتضع باسيل في دائرة الاستهداف الذي لم يتوقف منذ عام حتى اليوم.

باسيل المُعاقب، الذي ارتضى حمل “صليب” عدم الرضوخ للإغراءات ولا التهديدات بحسب تعليقه المقتضب على العقوبات عبر “تويتر” قد يتحدّث يوم الأحد عن العروض التي رافقت الوصول إلى مرحلة العقوبات “الانتقامية” وهو بحسب العارفين بعقله “لن يتنازل عن أصول برنامجه السياسي الذي أرساه في الداخل اللّبناني ولا عن تحالفات أوصلته إلى ما هو عليه اليوم ولن يخضع للابتزاز ولن يطعن بأيّ مكوّن لبناني ويتخلّى عنه في مواجهته مع الخارج. أمّا اتهامات الفساد فليستلمها القضاء اللّبناني ويحقق فيها!”. 

إذاً في لحظة أميركية حارقة، وتوقيت لبناني حساس على الصعيد الحكومي، ستطرأ تعقيدات ربطاً بالعقوبات، ما يثير علامات استفهام حول توقيتها ومَغزاها في هذا الوقت بالذات، وإن كان يستهدف فقط باسيل شخصياً، أم أنّه يُعدّ أيضاً رسالة أميركية غير مباشرة إلى رئيس الجمهورية؟. “الرسالة متعدّدة الاتجاهات، تستهدف موقف لبنان من ترسيم الحدود، والتحالف بين التيار الوطني الحر مع حزب الله، وطبعاً لحائك اتفاق تحالف “مار مخايل” الأوّل رئيس الجمهورية”، تعلق مصادر مطلعة.

وتضيف “هذه الرسائل ليست مستجدة ولا وليدة أيام بل يجري العمل عليها منذ مدّة طويلة حيث وجهت لرئيس الجمهورية ولصهره رئيس التيار الوطني الحر، رسائل تهديد وترغيب للانقلاب على حزب الله بهدف إضعاف الحزب وإخراجه من الحياة السياسية اللّبنانية لكنّهما رفضا الخضوع لها”. 

الرجلان القويّان في هذا العهد، الذي عانى من انتكاسات واخفاقات أدّت إلى طريق الانهيار الشامل للبلاد، عون وباسيل أدركا مسبقاً هذه العقوبات، بعد إبلاغ كليهما بها عبر قنوات متعدّدة، وهي بحسب مصادر مطلعة مجرد “جرس إنذار” ليعيد باسيل ترتيب أوضاعه وحساباته في المشروع السياسي المراد “تنزيله” على الجسد اللبناني قبل موعد انتهاء مفاعيل العقوبات المفروضة عليه في شهر آب 2022. وعلى باسيل أن يعيد تموضع قبل ذلك التاريخ إذا كان يرغب بعدم تجديد العقوبات عليه. 

حتى آب 2022 يستطيع النائب جبران باسيل البحث في خيارات متعدّدة ومنها النظر في بنود قانون ماغينتسكي ولوائحه وتداعياتها، وهو العارف تماماً بتفاصيل القانون والأسس التي تُتبع لرفع اسمه المدرج على لوائحها وسيبني على الشيء مقتضاه.

حزب اللّه هو العنوان الذي تتناسل تحته محاور السياسة الأميركية تجاه لبنان، وعون وباسيل أدركا ذلك لكنّهما بقيا متمسكان بالمكوّن الأساسي في التركيبة اللّبنانية ورفض أي محاولات لعزله أو الصدام معه في الداخل اللّبناني. يقول الكاتب غراهام نيوسوم في “إنترناشونال بوليسي” إنّ النهج المتشدّد الذي تتبعه الإدارة الأميركية حالياً تجاه حزب الله، من المرجّح أن يزداد ويتم استهداف وزراء حكومة سابقين وشركات وقيادة حزب الله من قبل العقوبات الأميركية. هناك الآن ثمن يدفعه كل من يدعم “حزب اللّه”، لكنّ نفوذ التنظيم لن يختفي بين عشية وضحاها. فحزب الله متأصل في العملية السياسية وهو جزء من الحكومة”.

في المشهد السياسي اللّبناني العالق على شروط تأليف الحكومة، قد نستعيد ما حدث عندما كان السفير مصطفى أديب مكلّفاً بتشكيل الحكومة وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فينيانوس. حينها ثنائي حركة أمل-حزب الله ازداد تشدّداً للحصول على وزارة المالية ممّا أدًى إلى تراجع أديب عن التكليف. وفي منتصف تشكيل الحكومة المزمعة برئاسة الحريري فإنّ العقوبات على النائب جبران باسيل، قد تدفع رئيس الجمهورية لعدم التنازل عن حصته ورؤيته للتشكيلة الحكومية وهو الذي يملك حق التوقيع على مرسوم التشكيل.

العقوبات التي كان يتم التلويح بها من أطراف لبنانية بخاصة تلك الجماعات التي تشغل حيزاً كبيراً من المشهد السياسي منذ 17 تشرين الأول 2019 تحت راية “المجتمع المدني” وبعد انفجار المرفأ، تُظهر بوضوح أنّ الإدارة الأميركية تعمل انتقائياً لرسم خطوط المكوّنات السياسية اللّبنانية وهذه الإدارة، التي تنازع في أيامها الأخيرة أيّامها الأخيرة، كانت تزوّد “ثوار” المجتمع المدني، عبر مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر، بتفاصيل الإجراءات التي سيتمّ اتخاذها بحق سياسيين لبنانيين وتستعين أيضاً بهم لجمع معلومات الملفات التي يتمّ تحضيرها. وتكشف مصادر مطلعة أنّ الملفات على طاولة وزارة الخزانة الأميركية كثيرة وتطال شخصيات لبنانية من جهات مختلفة. والعمل جار على توثيق ملفات لمجموعة من سياسيين ورجال أعمال لوضعهم على لوائح العقوبات وأنّ ثمّة لوائح أخرى ستضم أسماءً متوقّعة وأخرى غير متوقعة، وهذا ما أكّد عليه شينكر نفسه في تصريح تلفزيوني.

حصر العقوبات بباسيل عقاب سياسي يُفقِدها المصداقية. فالكذب والاحتيال، يحوم حول الحاكم بها نفسه. “المحاسبة على الفساد ونهب أموال الدولة”، يقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في معرض تعليقه على قرار العقوبات بحق باسيل، ولسخرية القدر أنّ كبير الدبلوماسية الأميركية شخصياً هو محور شبهات، فالرجل المتدين الذي يتفاخر بتعاليم الكنيسة، تمَّ رصد قيامه بأعمال ومشاريع تجارية هو وزوجته. ويجري التحقيق من قبل مدّعي عام الكونغرس ووزارة الخارجية في سوء استخدامه لموقعه الرسمي. وقد نشرت شبكة “أن بي سي” رسائل الكترونية لبومبيو وزوجته سوزان يفاوضان على مشاريع لإدخال شركتهم الخاصة في أنشطة حكومية.

داخلياً، فإن باسيل سيكون عليه مواجهة تياره أولاً لما للأمر من تأثير على جمهوره في الخارج بشكل خاص، وهو الذي يعوّل بشكل كبير على المجموعات الاغترابية الكبيرة الداعمة له في الخارج، وتأثير هذه القرارات على حركتهم في أميركا ودول الانتشار اللّبناني وخوفهم من التضييق. وسيكون عليه خوض حوارات دقيقة مع كافة أبناء التيار الوطني الحر لتوضيح ملامح خريطة العمل في زمن العقوبات”.

أمّا خارجياً، فإنّ القرار إذ يُعطّل تواصل باسيل مع الإدارة الأميركية وهو الطامح للجلوس في قصر بعبدا في المستقبل، وسيفقد معه مفاتيح الحصول على دعم المجتمع الدولي الذي يطمح إليه أي رئيس جمهورية. لكن “هذا لا يعني أنّ العقوبات قوّضت المستقبل السياسي لباسيل، فهو يرتكز على حضوره اللّبناني ودعم المنتشرين في العالم وعلى تحالفاته السياسية والأهم على مدرسة ميشال عون للصمود والتحدّي” وفق ما تقوله مصادر مطلعة. 

قانون ماغنيتسكي Magnitsky Act الذي سيتمّ تداوله في الأيام القادمة بعد رواج قانون “قيصر” أقرّه الكونغرس الأميركي في كانون الأول 2012 لمعاقبة السياسيين الروس المسؤولين عن وفاة المحاسب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو عام 2009. وفي كانون الأول 2016 وسّعت الإدارة الأميركية نطاق القانون ليُصبح بمقدورها معاقبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين والمتورّطين في انتهاكات حقوق الإنسان في أيّ مكان من العالم من خلال تجميد ممتلكاتهم ومنعه من دخول الولايات المتّحدة.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى