ميديا وفنون

المثليّة الجنسيّة في الدراما الإسبانيّة تفضح ازدواجيّة المشاهد العربي

Someone Has To Die مسلسل إسباني انطلق عرضه في 16 تشرين الأول على منصّة نتفليكس، ضمن سلسلة أعمال تلقي الضّوء على معاناة المثليين في إسبانيا في مطلع ومنتصف القرن الماضي، حين كانت التقاليد والموروثات الاجتماعيّة تنبذهم، والقوانين تنزل بهم أشدّ العقوبات، قبل أن ينالوا حقوقهم، وتصبح إسبانيا من أكثر الدّول الدّاعمة لحقوق مثليي الجنس في العالم.

المسلسل يدور في خمسينيات القرن الماضي، خلال حكم فرانكو، حين كان المجتمع الإسباني محافظاً ويعيش تحت نظام الحكم الديكتاتوري للجنرال الذي وصل إلى الحكم بعد انتصاره في الحرب الأهليّة الإسبانيّة.

يقع العمل في ثلاث حلقات فقط، هو أشبه بفيلم طويل، يروي قصّة غابينو، الشاب الإسباني الذي عاش عشر سنوات في المكسيك، وعاد بطلب من أهله إلى إسبانيا، ليتزوّج فتاة اختارتها أسرته.

المفاجأة كانت في عودة الإبن مع صديقه الراقص المكسيكي لازارو الذي تقوم حوله الكثير من الشبهات في مجتمع ينبذ المثليين، لكن هذا الأخير ليس مثلياً وكان عليه أن يثبت أنّه ليس كذلك لإنقاذ ابن العائلة الذي يضطرّ والده قائد الشّرطة إلى سجنه للدفاع عن وظيفته ومصداقيّته أمام المجتمع المحلّي.

المسلسل قاسٍ بواقعيّته، وبتصويره الظلم الذي كان يتعرّض له أي رجل تحوم الشّبهات حول مثليته، ويلقي الضّوء على التحقير الذي يطال المثليين، وعلى معاناة قد تصل بالمثلي حدّ الانتحار لأنّه لم يتصالح مع ميوله، يخشى الاعتراف أمام ذاته أكثر مما يخشى سطوة قانون لا يرحم. كما يسلّط الضّوء على أشد مراحل سواداً في تاريخ الإسبان، حين كان الشعب منقسماً على ذاته، بين ولاءات سياسيّة تصل حدّ العداء بين أبناء البلد الواحد ويعطي لمحة عن النّهضة التشريعيّة التي شهدتها إسبانيا، حيث أصبحت البلاد أكثر إنسانيّة حين ارتدت ثوب العلمانيّة.

 

المثليّة الجنسيّة في الدراما الإسبانيّة

كثيرة هي الأعمال التي سلّطت الضّوء على المثليّة الجنسيّة في إسبانيا، إذ لا يكاد يخلو مسلسل إسباني من مثليين، حتى أنّ مشاهدي الدراما الإسبانيّة اعتادوا المشاهد المثلية ولم تعد تستفزّهم، وبات بعضها يمرّ مرور الكرام، وهو يحسب للدراما البعيدة عن التلقين، القادرة على إيصال رسالتها عبر تعويد الجمهور على أنّ ما يرونه طبيعي، وأنّه جزءٌ من المشهد العام لمجتمع متنوّع.

من الأعمال التي سلّطت الضّوء على معاناة المثليين، مسلسل Cable Girls الذي تدور أحداثه منذ العام 1929 وصولاً إلى الحرب الأهليّة الإسبانية، حين تتحدّى كارلوتا وسارة المجتمع والقوانين للدّفاع عن حقوق المثليين.

مسلسل السجون Vis a vis الذي يلقي الضّوء على مسألة المثليّة الاختياريّة، حين تقرّر ماكارينا في سجنها، أن تقيم علاقة حميمة مع كيرلي، الفتاة المثلية التي تقع في غرامها. علاقة جديدة بالنسبة إلى ماكارينا لكنّها مجرّد تجربة لم تكتمل.

مسلسل Elite يلقي الضّوء على عمر شاب مسلم من أصول عربيّة، يقع في غرام أندر الشاب الإسباني الذي تتفهّم والدته مثليّته وتتقبّله، أما أهل عمر، فيرفضونه وينبذونه قبل أن يقرّروا بعد معاناة طويلة أن يتقبّلا مثليّة ولدهما.

مسلسل La Casa De Papel الذي يكتشف متابعوه في موسمه الرابع، أن برلين (بيدرو ألونسو) مثلي الجنس، وأنّ ثمّة علاقة كانت تجمعه بـ باليرمو، وقد أثار مشهد القبلة الحميمة بينهما استياء الكثير من المشاهدين، ووجدوا أنّ القصّة برمّتها أقحمت في العمل في غير سياقه.

 

حقوق المثليين في إسبانيا

 

حصل المثليون في إسبانيا على حقوقهم في العام 1979، واليوم تعتبر إسبانيا واحدة من أكثر الدول التي أعطت حريات للمثليين، وقد شرّعت إسبانيا زواج المثليين وحقوق التبني للأزواج مثلي الجنس في العام 2005، وفي العام نفسه سُمح للرجال المثليين بالتبرّع بالدّم. كما تمّ حظر التمييز في التوظيف فيما يتعلق بالتوجّه الجنسي في جميع أنحاء البلاد منذ عام 1995. ويُسمح للأشخاص المثليين والمثليات ومزدوجي التوجّه الجنسي والمتحوّلين جنسياً بالخدمة بشكل علني في الجيش.

ورغم كافة الحقوق التي حصل عليها مثليو إسبانيا، لا تزال الدراما الإسبانيّة تحمل لواء الدّفاع عن المثليين، وتسلّط الضوء على معاناتهم لدرجة أنّه لا يخلو مسلسل إسباني من قصصٍ لمثليين بعضها أقحم عنوة في السّياق الدرامي للمسلسل، أما المشاهدون العرب، فبعضهم يصفّق للعمل وينتقد المثليين على طريقة “عدّاني العيب”، والبعض الآخر لم يعد ينتبه إلى أنّ ما يراه هو قصص لمثليين، كثيرون صفّقوا لعلاقة أندر وعمر في Elite، وكثيرون حزنوا لدموع ساراي (عرفناها بدور نيروبي في La casa de papel) حين انفصلت عن كيرلي في Vis a vis، وكثيرون تعاطفوا مع كارلوتا وسارة في Cable Girls، وكثيرون دقّوا ناقوس الخطر الآتي من إسبانيا، حين تصبح الظواهر المرفوضة لدى شريحة كبيرة من المجتمع مقبولة لمجرّد أنّها تُعرض في سياق درامي لا يخلو من الإبداع.

إيمان إبراهيم

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى