منوعات

بخطابه لا بسلاحه.. السيد نصر الله حمى السلم الأهلي  

منذ ظهر ذاك الخميس الأسود، وكلّ اللبنانيّين على اختلاف مشاربهم، ينتظرون الكلمة الفصل، ينتظرون ردّ حزب الله، وخطاب السّيد نصر الله. العدو قبل الحليف، تابع خطاب الأمين العام لحزب الله مساء الإثنين كلمةً كلمةً. خطابٌ فيه من الوضوح والتفصيل ما يخاطب أيَّ عاقلٍ، ومن الرسائل المبطّنة ما يردع أيَّ عاقلٍ أيضاً. هو لم يمنح قنّاص السّلميين الأبرياء شرف لفظ اسمه، فدلّت عليه أفعاله وجرائمه وخططه الخبيثة التي أرادت جرّ حزب الله ولبنان كلّه نحو حربٍ أهليةٍ ما زالت ندوبها واضحةً في محيّا الوطن.

خلال السنوات الماضية، واجهت المقاومة في لبنان مختلف أساليب القتل المباشر والاغتيال والضّغط من خطرٍ إرهابيٍّ، وحربٍ إقتصاديةٍ، ومحاولاتٍ لتأليب الرأي العام، ومشاريعَ فتنويّةٍ يخطط لها ويموّلها الخارج، وتنفّذها أدواتٌ داخليةٌ لا تستحق الذّكر.

هي أدواتٌ وأصواتُ نشازٍ لطالما اعتلت المنابر واندسّت في التّجمعات واشترت وسائل إعلامٍ وإعلاميين ضمائرهم معروضة للبيع، هدفها وشعارها واحدٌ هو “سحب سلاح المقاومة”. فكانوا هم مَن استخدموا السلاح، هم من غَدروا بلبنانيّين مثلهم، هم من اعتلوا أسطح المباني ليتصيّدوا متظاهرين سلميّين عُزّل، وكيف كان الرّد؟

بخطابٍ وطنيٍ عقلانيٍّ جامعٍ، ردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على رصاصهم وغدرهم وإجرامهم وفتنتهم، مغلّباً لغة العقل والمنطق وضبط النّفس على صوت الرصاص وزغاريد الشماتة البلهاء وعلى الأصوات المطالبة بردّة فعلٍ لاجمةٍ، فألجم كلّ هؤلاء بكلماته.

 

مخاطبة العقل والوجدان المسيحي

توجّه السيد نصر الله في الجزء الأكبر من خطابه إلى المسيحيين خصوصاً، وهم من يحاول حزب القوات اللبنانية استخدامهم كوقودٍ لحربه. فاستذكر الأمين العام وذكّر اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، بالماضيين القريب والبعيد، الذي لم توفّر خلالهما القوات فرصةً لتصوير حزب الله على أنّه عدو يهدد الوجود المسيحي في لبنان.

فقال السيد نصر الله إن “هناك من يصنع لأهلنا ولجيراننا في هذه المناطق عدواً وهمياً دائماً، وهناك من يريد أن يشعر أهل عين الرمانة والحدث وفرن الشباك بالخوف والقلق ليعتقدوا دائماً أن جيرانهم في المناطق المجاورة، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، أعداء لهم”، فـ “كل الخطاب والتوجيه والجهد يركّز على إبقاء المسيحيّين في دائرة القلق على وجودهم وعلى بقائهم وحريتهم وشراكتهم للمسلمين ويتم استغلال أي حادثة صغيرة قد تحصل بين عائلتين لإثارة مخاوف المسيحيين وقلق الوجود لديهم”.

وتوجّه السيد نصر الله إلى المسيحيّين بالقول: “أيها المسيحيون في لبنان كل من يريد أن يقدم لكم الشيعة والمسلمين عدوًا هذا ظلم وافتراء ولغم كبير في البلد، وأكبر تهديد للوجود المسيحي في لبنان هو حزب القوات اللبنانية ورئيسه وحلفاؤه الإقليميون والدوليون وأكبر تهديد لأمن المجتمع المسيحي هو هذا الحزب ورئيسه وراجعوا التاريخ القريب”.

 

سرد الوقائع

طمأنة السيد نصرالله للمسيحيين لم تكن بالحديث العاطفي، بل مبنيّة على سرد أحداث ووقائع عمد البعض إلى تناسيها ووضعها في غير سياقها. فطرح الأمين العام مذكّراً اللبنانيين أسئلةً، في الإجابة عنها ردٌّ واضح على ادعاءات أن حزب الله خطرٌ على المسيحيّين. فقال الأمين العام لحزب الله: “لمن يريد أن يقول إن حزب الله عدو للمسيحيين يمكن أن تسألوا الكنائس والأديرة التي دافع عنها الجيش السوري وحزب الله كيف تصرف مع الوجود المسيحي”، و “من حافظ على المسيحيين في سوريا الجيش السوري وحزب الله وحلفاؤهم أم القوات اللبنانية وحلفاؤها؟”، لافتاً إلى أنّه عندما كان حزب الله مع المسيحيين والمسلمين في الجرود، كانت القوات اللبنانية مع الثوّار، ومن دافع عن المسلمين والمسيحيين في بعلبك الهرمل هم أهل المنطقة وحزب الله ولاحقا جاء الجيش، لأنه كان ممنوعاً من إطلاق النار وممنوعاً من استرداد جثامين شهدائه، وهذا القرار السياسي حزب القوات اللبنانية شريكٌ فيه”.

ثم تطرق السيد نصر الله إلى تفاهم مار مخايل الذي هاجمه حزب القوات لعدم قبوله الآخر وسعيه إلى منع انفتاح المسيحيين والمسلمين على بعضهم. وتحدّث عن رفض حزب الله فكرة المثالثة التي طرحها الفرنسيون وتمسكه بالمناصفة، وقبوله بالقانون الارثوذكسي لأن حليفه المسيحي اعتبر أنه يضمن تمثيلاً حقيقياً وصافياً للمسيحيين، إلّا أن حزب القوات نسف هذا القانون.

ومن خلال هذه المطالعة المبنيّة على الوقائع والأحداث، عرّى خطاب نصر الله القوات اللبنانية من حججها وافتراءاتها، وأوضح المسار الذي اتبعته لخلق مزيدٍ من الشقاق بين المسلمين والمسيحيّين، وبين الشيعة والسّنة، في محاولاتٍ جليّةٍ لإشغال الفتن وإحياء ذاكرة الحرب الأهلية، ولا سيما عند خطوط التماس القديمة.

 

قوة الرّدع: اقعدوا عاقلين

خطاب الأمين العام لحزب الله كان مفصلياً ولعلّه كان الأبرز خلال الفترة الماضية (وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية). فهو لم يكتفِ بالخطاب الهادئ، بل وجّه رسائل قويّة وحاسمة ورادعة أيضاً، بقوله “إن الهيكل العسكري لحزب الله الذي يضم رجالاً مدربين ومنظمين وأصحاب تجربة وروحية – لو أشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها – يضم 100 ألف مقاتل مع أسلحتهم المتنوعة والمختلفة، وهم جاهزون للدفاع عن أرضنا ونفطنا وغازنا الذي يسرق أمام أعين اللبنانيين ولنحمي كرامة وسيادة بلدنا من كل عدوان وارهاب وليس للقتال الداخلي.” وأضاف: “لحزب القوات ورئيسه لا تخطئوا الحساب قعدوا عاقلين وتأدبوا وخذوا عبرة من كل حروبكم وخذوا عبرة من كل حروبنا”.

هذه لم تكن فقط رسالة إلى حزب القوات اللبنانية ورئيسه، ومَن تسوّل له نفسه من أفرقاء الداخل وأصدقاء القوات القدامى أن يتجاوز حدود المنطق وموازين القوى، بل إلى الأطراف الخارجية أيضاً، ومن جملتها الولايات المتحدة وإسرائيل وداعميها العرب.

 

تحميل المسؤوليات

بالطبع الأمين العام لحزب الله، الحريص على لبنان وحامي السلم الأهلي، لن يتوعّد في خطابه بالانتقام والاقتصاص من القتلة المجرمين، فهذا تحديداً ما يريدونها من خلال المحاولات المتكرّرة لجرّ حزب الله إلى استخدام سلاحه في الداخل، ولكن هذا لا يعني تجاوز ما جرى وكأنّه لم يكن. ومن هنا، حمّل السيد نصر الله كلّ جهةٍ معنيّةٍ مسؤولياتها، من قضاءٍ وجيشٍ ومرجعياتٍ دينيّةٍ مسيحيّةٍ قادرة على توعية مَن ضلّ عن طريق الوطنية والسلم الأهلي.

فأكّد أن هناك مسؤولية على الدولة اللبنانية وعلى المرجعيات الدينية وخصوصا المسيحية، في الوقوف بوجه القاتل المجرم السفاح التقسيمي كي يمنعوا الاقتتال الداخلي ويثبتوا السلم الداخلي والأمن والسلام في البلد.” وللقضاء توجّه بالقول: “إنّنا نريد أن نعرف كيف حصلت هذه المجزرة وننتظر التحقيق، كما نريد محاسبة المسؤولين الذين قتلوا واعتدوا على الناس وهذا محسوم”، مشيراً إلى أنّ كل ما صدر عن رئيس حزب القوات ونوابه هو تبنٍّ كامل للمعركة وهم جاؤوا وحرضوا أهل المنطقة وقالوا لهم غداً هناك اجتياح لمنطقتهم”، ومضيفاً: “التحقيق من المفترض أن يظهر ما إذا كان ما حدث تصرفاً فردياً أم تنفيذاً لأوامر، وهي مسألة لا يمكن التسامح بها على الإطلاق وأول جهة يجب أن لا تتسامح بهذا الأمر هي قيادة الجيش اللبناني”.
وأوضح السيد نصر الله أن “مشروع حزب القوات اللبنانية الحقيقي هو جر حزب الله والجيش اللبناني إلى صدام”، مؤكّداً الحصول على  “تطمينات من الجيش والأجهزة الأمنية قبل يوم الخميس بأن ما تقوم به القوات في عين الرمانة ومحيطها هو جهد احترازي” و”نحن سلمنا أرواحنا ودماءنا للجيش اللبناني احتراماً لمشاعر أهلنا وجيراننا ولم نجرِ اجراءاتنا”.

 

آلاء ترشيشي

 

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى