سياسة

حكومات الحريري السابقة… اعتذار واستقالة وانحلال

الحريري الرابع مكلفاً على طريق الجلجلة الحكومية

مع 65 صوتاً، يخطو الرئيس سعد الحريري خطوته الأولى على طريق العودة إلى السرايا الكبيرة لترأس حكومته الرابعة في سيرته السياسية في لحظة من الخسارات الوطنية أكثرها قساوة حرمان اللّبنانيين بديهيات مقوّمات العيش. الحريري مكلّفاً بأكثرية مقابل 53 نائباً لم يسمّوا أحداً وغياب نائبين، بعد خربطة الاصطفافات السياسية وتهشيم بنية التكتلات النيابية وموجة من النكد السياسي.

طريق الرئيس المكلّف ليست معبّدة بالورود ولو مشوبة بتفاؤل يصرّ عليه الرئيس نبيه بري للمرحلة المقبلة التي ستشهد تعاوناً بين الرؤساء بحسب قوله، وستشهد مخاطر شاقة تبدأ بجلجلة تأليف “حكومة المهمّة”، وتمرّ بالبيان الوزاري ونيل الثقة في المجلس النيابي، وتبلغ ذروتها عند معالجة الملفات الساخنة حول قضايا الاقتصاد ومكافحة الفساد وبرنامج عمل صندوق النقد الدولي وترسيم الحدود البحرية.

الحريري الرابع العائد بحلة جديدة، بعد سنة من تقديمه استقالته في 29 تشرين الأوّل من العام الماضي، لم يحظَ بحياة سياسية سهلة ولا متوازنة في استقرارها السياسي ولا انتاجها الوطني.  تجاربه الحكومية كانت مستعصية عانت تحت ثقل الانقسامات الحادة على وقع الملفات المتعثرة منها المحكمة الدّولية والصراع في سوريا والمناكفات الداخلية.

بعد حكومات حصص ووحدة وطنية لم تكن اسماً على مسمّى، يأمل الحريري اليوم العودة الوزارية بأسرع وقت على حصان الضمانات السياسية والاقتصادية بحكومة خالية من تأثيرات القوى السياسية، وأن يؤلّفها من وزراء اختصاصيين لإدارة دفّة الإصلاحات التي تطالب بها المنظومة الدولية والهيئات المالية العالمية، كما تقول مصادر مطلعة وتشير إلى أن تصوراً أولياً لها أصبح بحوزة الرئيس المكلف. ويعوّل الحريري على دفع دولي يستعيد من خلاله حضوره السياسي الذي تناقص محلياً ودولياً وإلى دعم عربي ليس ظاهراً حتى الآن.

 

حكومات الملمات

ثلاث تجارب حكومية للحريري الإبن يصح تسميتها جميعاً حكومات المهمات، لكثرة الأحداث والتغيرات والشدائد الخلافية التي عانت منها.

دخل الحريري نادي رؤساء الحكومات بعد ترؤسِه الحكومة رقم 71 بتاريخ الجمهورية منذ الاستقلال والثانية في عهد الرئيس ميشال سليمان في 9 تشرين الثاني 2009، بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 حزيران. نالت الحكومة يومها ثقة البرلمان بأغلبية غير مسبوقة 122 صوتاً على الرغم من الانقسام الحاد بين أطراف حكومة الائتلاف حول سلاح حزب الله.

“حكومة الوفاق” أو “الائتلاف الوطني” كما سمّيت آنذاك، شكّلت بعد خمسة شهور ويومين من تاريخ إجراء الانتخابات كلّف خلالها الحريري مرتين بسبب خلافات استعرت على شكل الحكومة وبسبب رفض الحريري توزير جبران باسيل بعد فشله في الانتخابات ورفضه إعطائه وزارة الاتصالات. واستمر الخلاف إلى أن قام الحريري في 7 أيلول بتقديم تشكيلة إلى رئيس الجمهورية إلّا أنّ المعارضة رفضتها وعلى رأسها حزب الله، ولم يوقع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيل الحكومة ما دفع الحريري في 10 أيلول إلى تقديم اعتذاره. وبعد جولة جديدة من الاستشارات النيابية أعيد تكليف رئيس تيار المستقبل في 16 أيلول لتشكيل الحكومة وذلك بعد حصوله على 73 صوتًا من أصل 128.

حكومة الحريري التي استهلها بزيارة سوريا يومذاك، عانت من الانقسامات والتجاذبات إلى أن وصل الأمر ذروته في 12 كانون الثاني 2011 يوم كان الحريري في زيارة إلى واشنطن وقدّم وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله استقالتهم بعد نزاع حول المحكمة الدّولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وظاهرة شهود الزور، وأدّت استقالة الوزراء الأحد عشر إلى فقدان الحكومة لنصابها الدستوري.

بعد الإطاحة بحكومته الأولى، نفى الحريري نفسه بعيداً عن لبنان وعاش لمدّة ثلاث سنوات متنقلاً ما بين السعودية وفرنسا. وقام بزيارته الأولى للبلاد في آب 2014، ليؤكد على مكانته السياسية كقائد للطائفة السنية في بلاده.

 

الاستقالة الغامضة

ولدت حكومة الحريري الثانية تحت عنوان ” حكومة الوفاق الوطني” في تشرين الثاني من العام 2016، بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فكُلِّف الحريري بعد أن نالَ 110 أصوات خلال الاستشارات وشكّل حكومته بعد 40 يوماً من التكليف.

شهدت ولايته الحكومية الثانية تطوّراً دراماتيكياً عجيباً ليس له نظير، بعد مرور عام

تقريباً على ترؤسه الحكومة، فاجأ الحريري اللّبنانيين بإعلانه استقالته من قلب الرياض خلال زيارة مفاجئة إلى السعودية أحاطها الكثير من الغموض. الاستقالة الغامضة، التي أعلنها رئيس التيار الأزرق يومها في كلمة متلفزة هاجم فيها إيران وحزب الله، أثارت البلبلة وخلقت حراكاً دولياً بقيادة فرنسا للمطالبة بعودته إلى لبنان. وبعد جهود فرنسية وتحرّك لبناني قاده رئيس الجمهورية ميشال عون الذيً رفض قبول الاستقالة في تلك الظروف، عاد الحريري إلى بيروت، وذلك للمشاركة باحتفال عيد الاستقلال. وبعد لقاء مع الرئيس عون أعلن تريّثه بالاستقالة واستمر في عمله الحكومي حتى موعد الانتخابات النيابية في العام 2018.

الحكومة اللبنانية الخامسة والسبعون بعد الاستقلال والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، كانت ثالث حكومات الحريري، بعد أكثر من ثمانية أشهر على تكليفه، وأشهر من الاستشارات الصعبة، صدرت مراسيم تشكيلها في 31 كانون الثاني 2019 تحت مسمّى “حكومة الوحدة الوطنية”. وضمّت 30 وزيراً بينهم أربع نساء لأوّل مرّة. صمدت حكومة الوحدة 9 أشهر فقط حتى إعلان استقالتها الثلاثاء 29 تشرين الأول على خلفية انتفاضة الغضب والاحتجاجات العارمة ضد الفساد والطائفية وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

حياة الحريري السياسية عبرت بمنعطفات كثيرة حادة وخطرة خلال أحد عشر عاماً من دخوله السرايا الحكومية لأوّل مرّة مصحوبة بالتفكك والانقسامات والتردّي، واليوم ربما يخوض أخطرها وأكثرها حراجة وبانتظار أن تعبر حكومته الرابعة تبقى الأمور مفتوحة على تحولات واحتمالات حول الشكل والأسماء وبرنامج العمل والآمال والحصاد.

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى