منصات اجتماعية لملء فراغ الدولة: الدواء والكتب قيد تبادل
وسط غياب الدولة عن احتياجات المواطنين وتقاعسها عن القيام بواجباتها وغطّة مؤسساتها الحكومية في سبات عميق، لم يبقَ أمام الشعب اللّبناني سوى التعاضد الاجتماعي والمؤازرة فيما بينهم.
ولأنّ معادن البشر لا تبرز إلّا عند النوائب، كانت الكوارث المتتالية التي لحقت بلبنان فرصة أمام شعبه لإبراز خصاله المتمثلة بالعطاء والإغاثة واللهفة والإعانة والإخاء.
وكان قد سارع اللّبنانيون إلى فتح بيوتهم أمام أبناء القرى التي اندلعت فيها الحرائق في تشرين الأول العام الماضي، وهذا ما تكرّر أيضا بعد انفجار مرفأ بيروت إذ نظُمَت مبادراتٌ على مواقع التواصل الإجتماعي لاستقبال الأهالي الذين تضرّرت منازلهم.
اليوم وبعد أزمة الدواء التي حلّت ضيفًا ثقيلاً على المرضى، برزت على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات يطلب عبرها المرضى الدواء المفقود من الصيدليات، فيما يسعى الآخرون إلى تأمينه.
محمد حرز وملاك علوية زوجان ناشطان في مجال الخدمة الاجتماعية، أسّسا مجموعة على منصة فايسبوك لتأمين الدواء، بعد تعذرهما تأمين الدواء لمرض مزمن تعاني منه والدة ملاك، وما لبثت أن تحوّلت المجموعة إلى ملتقى لكل من فقد الأمل بإيجاد دواء في الصيدلية.
ويلفت حرز لـ”أحوال” أنّ الدولة غائبة تمامًا عن أوجاع الناس وحاجاتها، واليوم يظهر الشعب مدى تكاتفه إلى جانب بعضه البعض من خلال هذه المبادرات التي تسدّ رمق المريض، فبسبب التجار المحتكرين أصبح الدواء مفقودًا بشكل كبير من الصيدليات، وعدد كبير من أدوية الأمراض المزمنة فقد نهائيًا، لذلك وعبر هذه المجموعة يدخل المريض ويسأل عن الدواء وفي حال كان أحد أعضاء المجموعة يمتلكه فيقدمه مجانًا، أما في حال لم يكن بحوزة أحد، يتم إرشاد صاحب الحاجة إلى الصيدلية التي يوجد فيها الدواء.
ويلفت حرز إلى أنّ البعض يقوم بتأمين الدواء من محيطه ليرسله إلى شخص آخر محتاج في منطقة أخرى وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على مدى حرص اللّبنانيين على الوقوف إلى جانب بعضهم خلال الأزمات.
بدورها علوية تؤكد أنّ هناك أعدادًا كبيرةً من المرضى لا تمتلك ثمن الدواء حتى إن وجد، لذلك تسعى إلى جمع التبرعات من الخيرين، وبمساعدة المغتربين يتم شراؤها من الخارج لتغطية النقص الحاصل في السوق اللّبناني.
أزمة الدواء ليست آخر مصائب اللّبنانيين، إذ تبرز أزمة الكتب المدرسية مع بداية العام الدراسي الجديد، وذلك بسبب ارتفاع كلفة طباعة الكتب مع ارتفاع سعر الورق والحبر، ما يرتّب أعباءً كبيرة على التلامذة وأهاليهم.
وعلى غرار المجموعات الناشطة لتأمين الدواء، برزت مجموعات تأمين الكتب للتلامذة. حسين قرعوني أستاذ في التعليم الثانوي ينشط ضمن مدينة صور مع إحدى الجمعيات، فأطلقوا مبادرة تحت شعار (كتابك بعلّم غيرك) والتي تفتح المجال أمام التلامذة بتبديل كتبهم، فيسلمّوا الجمعية كتب العام الدراسي الفائت ويستلموا بدورهم كتب العام الدراسي الجديد، كما تستقبل الجمعية الكتب من المتبرعين وتقوم بدورها بتسليمها للمتعثرين ماديًّا من التلامذة، أما ميسوري الحال فيقوموا بدفع 30% من ثمن الكتب وهذا المبلغ يخصص لحملة (دواك بيشفي غيرك) وهي الحملة الثانية التي تطلقها الجمعية لتأمين الدواء للمرضى.
ويشدّد قرعوني لـ”أحوال” على أهمية هذا المبادرات خصوصًا في هذا الظرف العصيب الذي يمر على جميع اللّبنانيين مؤكداً السعي الدائم لتأمين يد العون للمحتاجين ليس في صور فحسب بل على مساحة الوطن.
تغييب الدولة فتحضر الملائكة، أولائك الذين يفتحون كوة في جدار العتمة، فعلى الرغم من تعاسة الحال التي وصل إليها اللّبنانيون بسبب الأزمات المتلاحقة، يبرز اليوم دور الناشطين والجمعيات في وضع اليد على الجرح للحدّ من النزف الحاصل لدى المواطنين، لأنه لا يشعر بحال الناس إلا الناس، أما الدولة فخارج التغطية.