مجتمع

الأهالي في بنت جبيل يسافرون الى “دبي”

قلعة أصبحت منتزهاً شائعاً يهدد ما تبقى منها

منذ مطلع الربيع وفي كل ربيع ، بعد التحرير عام 2000، يسافر يومياً عشرات الأسر من أهالي بلدات ميس الجبل وشقرا وحولا وغيرها من البلدات القريبة، برّاً الى “دبي” ، للاستراحة والاستجمام وتذوق طعم الطبيعة الخلاّبة هناك.

“دبي” أو “دوبية” كما ذكرت في كتب التاريخ هي “قلعة قديمة لها خندق وفيها لوازم الحصار، يحيط بها واد من جهاتها الثلاث عدا الجنوبية”.

تقع في منطقة وسطى بين بلدات حولا وميس وشقرا، والموقع هناك يتمتع بجمال طبيعي لافت، يضاف الى مشهد القلعة الشامخ، ويكاد يكون الوحيد الخالي من الأبنية السكنية، التي اجتاحت أغلب الأودية والجبال العاملية الجميلة. وادي السلوقي الشهير، المتصل بوادي الحجير، يقع شمال القلعة ويفصل بينها وبين الأبنية السكنية لبلدتي مجدل سلم وشقرا، وهذا الوادي التاريخي مع محيط القلعة يشكلان الأن منتزها شعبيا عاما، يقصده الأهالي هناك، وتنظّم اليه رحلات طلبة المدارس والثانويات الذين لا يستطيعون الذهاب بعيداً لمشقة ذلك مع ما يتطلبه من أكلاف مادية.

يقول محمد حمدان (ميس الجبل): “نقصد يومياً محيط القلعة للتنزه والاستجمام، بعد أن أصبح الذهاب الى أي منتزه بعيد يكلّفنا اموالاً لا نقدر على دفعها”، بينما يشير محمد قطيش (حولا) الى أن “هذا المكان الوحيد الذي يشعر الأهالي بالراحة، بعيداً عن أي تكاليف مالية، لكن على الدولة والبلديات أن تولي اهتمامها لهذا المكان التاريخي وتحافظ عليه، وتراقب المعتدين وتحاسبهم”.

أشجار الوادي والمكان المحيط بالقلعة باتت قليلة جداً وتعد على أصابع اليد، لكنها قديمة وكبيرة وهي من نوع “البطن” المعمّرة، فيعود تاريخ بعضها الى مئات السنين، حسب أحد كبار السن في حولا.

ويتسابق أبناء المنطقة  لحجز الأمكنة المحيطة بهذه الأشجار للتفيء تحتها ووضع عدة ” النزهة”. ففي أغلب الأحيان تكون العدّة من لوازم القهوة والشاي، وبعض المشروبات الباردة، والبعض يفضل القيام بطبخ طعامه هناك، خاصة طبخة “المجدرة”، أو اللحم المشوي مع التبولة وتوابعها.

واللاّفت أن هذه الأمكنة تقصد أيضاً ليلاً، فيتم اشعال الحطب وشي اللحم والدجاج، مع ضرورة توافر الأركيلة (موضة الجيل الجديد)، حتى أن بعض المحال التجارية في شقرا تقدم خدمة ايصال الأركيلة الى الوادي.

سهرات وادي السلوقي، وقلعة دبي، ليست جديدة على أبناء المنطقة، لكنها جديدة على الجيل الجديد فيها، فقد كان لوادي السلوقي حكايات تتناقلها الأجيال، وكان البعض يسكن قلعة دبي، التي تعقد فيها السهرات الخاصة والعامة، الى أن جاء الاحتلال الاسرائيلي فحرم أبناء المنطقة من نعمة الطبيعة هناك، لمدة اكثر من عشرين عاماً، لكن ذلك ساهم في عدم الامتداد العمراني، وبالتالي بقيت الأراضي هناك جميلة وطبيعية.

شهد وادي السلوقي وقلعته الكثير من الأحداث والوقائع، جلّها ما له علاقة بالمقاومين الذين كانوا يعبرون هذا الوادي، للدخول الى الحزام الأمني (سابقاً)، فعشرات الشهداء سقطوا هناك، في معارك متعددة أو بكمائن اسرائيلية، حتى سمي الوادي بوادي الموت أو وادي الشهداء.

ففي كل زاوية من الوادي سقط شهيداً أو عبر. ويوجد اليوم بعض العلامات التي وضعت بعد التحرير والتي تشير الى أماكن استشهاد بعض المقاومين. بالقرب من القلعة، يتوافد الكثير من الأهالي بقصد التنزّه ، وخاصة جيل الشباب الجديد، لكن القلعة التي استبيحت مراراً من قبل الاسرائيليين، عندما قصفت من قبلهم لأكثر من مرة، هي الأن مستباحة من قبل الجيل الجديد، الذي يستخدم بعض حجارتها المتناثر جزء كبير منها، وتترك الأوساخ في أماكن القلعة وغرفها المتعددة، دون أن يعمد أحد من المهتمين الى حماية ما تبقى من هذه القلعة الصليبية القائمة على أنقاض بناء روماني، بدليل ما يوجد قربها من المدافن الشبيهة بالمدافن الرومانية كما ورد في معجم جبل عامل.

بينما عملت بلدية شقرا ودوبيه، الى احاطة آبار القلعة بأسوار صغيرة، تجنباً لسقوط المواطنين فيها، اضافة الى تنظيف القلعة من الداخل، بالاستعانة بقوات الكتيبة النيبالية العاملة في المنطقة.

أما ما ميّز عمل البلدية، فهو “المحمية” الصغيرة التي انشأتها في موقع مطلّ على القلعة من جهتها الشمالية، وهو موقع يسمّى “الزنّار” الذي “توجد فيه آثار صليبية، تدل على أنه كان مستخدماً كمربض لحماية القلعة من أي اعتداء خارجي”.

وباتت هذه “المحمية” مزاراً لأبناء البلدة، بعد أن عمدت البلدية الى بناء المقاعد، وتربية الحيوانات المختلفة داخل سورها الجديد.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى