سياسة

بدء الحفر في حقل “كاريش”… متى الرد اللبناني وكيف؟

بعد أيام من انتهاء تمرين “ما وراء الأفق”، الذي أجراه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قبرص، بمشاركة وحدات برية وجوية وبحرية نخبوية، لفحص جاهزيتها للمعركة المقبلة، أصبحت سفينة الإنتاج FPSO التابعة لشركة “إنيرجيان” على مشارف المياه الفلسطينية المحتلة متوجهة لبدء الإنتاج من ‎حقل “كاريش” المتنازع عليه بين ‎لبنان و”إسرائيل”.

ويستهل الكيان المحتل، بكل أريحية، ارتكاب سرقة مزدوجة من حقل كاريش: نفط فلسطين ونفط لبنان، وسط صمت رسمي مريب من الجانب اللبناني.

البدء بالحفر ليس عبثياً بالنسبة لإسرائيل فهو مكفول بضمانات تحدثت عنها صحيفة “Les Echos” الفرنسية من خلال تصريحات صادرة عن المدير التنفيذي لـ”إينرجين” في إسرائيل، شاؤول زيماش، الذي أكد أن الشركة “تلقت ضمانات بأن كاريش بأكمله يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل”، من دون أن يوضح مصدر هذه الضمانات.

من الطبيعي أن تكون واشنطن هي من قدّمت هذه “الضمانات” التي مهّدت لإبحار سفينة الإنتاج إلى المياه المحتلة. علماً أن الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتين جمّد وساطته منذ مطلع العام الجاري، بعد أن نال بحسب الوقائع تنازلات أبرزها التراجع نحو الخط 23 والتخلي عن الخط 29، أي أن التخلي عن شمال كاريش كل ذلك وسط صمت رسمي مريب!.

الرئيس السابق للوفد اللبناني المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية العميد الركن بسام ياسين، لفت إلى أن الباخرة اليونانية سترسو فوق الحقل النفطي والغازي في “كاريش” خلال وقت قصير”.
وأنها خلال مدة زمنية من شهر الى شهرين والى ثلاثة أشهر على الاكثر ستسحب الغاز من هناك.

ياسين، الذي يعمل على حملة الدفاع عن الخط 29 طالب الدولة اللبنانية بالعمل سريعاً على تعديل الاحداثيات بالمرسوم ٦٤٣٣، بما يتلاءم مع الخط ٢٩ وإبلاغ الامم المتحدة بهذا التعديل قبل فوات الاوان.

وشرح أنه “باستطاعة كل من وزير الخارجية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية إرسال هذه الرسالة كما ينبغي وتوجيه إنذار الى شركة التنقيب اليونانية بعدم بدء العمل في هذا الحقل لأنه يتم في منطقة متنازع عليها”.
وإذا لم يتم تعديل المرسوم يكون لبنان أمام مرحلة صعبة و”يبقى القرار للدولة والمقاومة، ولا ترف للوقت عندنا” بحسب تعليق ياسين.

موضوع الترسيم كان من بين الملفات التي بحثها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في واشنطن خلال زيارته الأخيرة، وهو دعا إلى أن يرد الجانب اللبناني على آخر اقتراح تقدم به هوكشتين في بيروت (منح لبنان الخط 23 معدلاً، إذ يقضم جيباً إلى الجنوب من حقل قانا، ويأخذ في طريقه مساحات شاسعة من البلوك 8).

وفي حديث إلى مجلة الأمن العام منذ يومين أكّد ابراهيم أن “لبنان يعتبر أن خط 29 هو خط التفاوض. وقال “كل ما هو داخل الخط 29 يصبح مناطق متنازع عليها، ولا يحق للعدو استخراج النفط أو التصرف بأي شيء شمال هذا الخط. وبالتالي، سيصبح المساس بالثروة النفطية اللبنانية أو غيرها، بمثابة تعد على السيادة اللبنانية وحقوق لبنان”، مضيفاً أنه “طالما أن الحدود البحرية لم تُرسّم بعد، سيكون للبنان ردَّ كما لو أن لبنان قد تعرض الى اعتداء على سيادته وحقوقه”.

مواقف ابراهيم وتمسّكه بالخط ٢٩ نوّه بها ياسين قائلاً “ما من وطني لبناني إلا وعليه التمسك بهذا الخط، لأن التفريط به يعني المسّ بالسيادة الوطنية والثروة البحرية اللبنانية”.

أمّأ موقف المقاومة فهي التي أعلنها أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، ودعا فيه الى “تشكل إجماع وطني حول كيفية حماية هذه الثروة ‏وكيفية استخراجها”، معتبراً أن “ما نحتاج إليه هو امتلاك جرأة التلزيم لعدم الذهاب نحو مزيد من المديونية… وإذا أراد العدو منعنا من التنقيب فإننا قادرون على منعه”، كانت بمثابة تحذير لإسرائيل.

التحذير العلني للحزب على خط الترسيم، يدُلّ أنه لم يعد ممكناً الوقوف على “الحياد”، وإسرائيل تستغل الوقت في التنقيب وتلزيم الشركات والاستفادة من الثروة، بينما لم يحرك لبنان ساكناً بعد وهو الرازح تحت وطأة أزمته المالية.

في تصريح له ليلاً، أكد عضو المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي بأنه “لن نسمح بأن تنقب “إسرائيل” عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها”. فهل تدخل المقاومة عل خط التنقيب وتمنعها؟ كل الاحتمالات مفتوحة على الصراع لأجل حفظ الحق اللبناني بحسب ما تقول مصادر مطّلعة.

يذكر أن سفينة Energean Power انطلقت في 1 أيار/ مايو الماضي، لبدء شفط النفط والغاز من حقل” كاريش”، الذي أعلن لبنان رسمياً أنه حقل متنازع عليه وذلك بموجب رسالته الى الأمم المتحدة، التي أُرسلت بناء على توجيهات الحكومة اللبنانية بتاريخ ٢٠٢٢/١/٢٨.

وكانت Energean Power ووفقاً لاتفاقها مع العدو الإسرائيلي، بحسب ما هو منشور على موقعها الالكتروني، فقد عمدت في آذار/ مارس إلى ربط حقل “كاريش” بما يسمى “خط الغاز الوطني في إسرائيل”، قائلةً إن ذلك يشكّل حجر أساس في تسهيل الاستعداد العملي لتطوير العمل في “كاريش”.

وفي وقت سابق، تمّ تحقيق الاتصال العملي بين نظام Energean Power الواقع على شاطئ شمالي فلسطين المحتلة بما يسمى “خط الغاز الوطني في إسرائيل” عبر وصل قسمين من الأنابيب بقطر 30 بوصة.

ومن المتوقع أن يتدفّق الغاز من حقل “كاريش” إلى السفينة Energean Power الواقعة على بعد 90 كيلومتراً من الشاطئ الفلسطيني المحتل قبالة قرية الطنطورة التابعة لحيفا حيث ستتم معالجة ناتج الإنتاج وفصله. فمتى يُفصّل الموقف والرد اللبنانيين مما يجري من سرقة تاريخية لثرواته؟

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى