“على قيد الحب”: الرهان على نبل ووفاء الإنسان في زمن انهارت فيه الثوابت
لطالما كان الصراع الدرامي الموجود في حياتنا، صراع يمكن التعبير عنه بأشكال عديدة تشكّل بطيفها الواسع أنواع وأشكال الدراما. ومع تعدد وجهات النظر لمنتجي الدراما واختلاف توجهاتهم الفكرية، ظهرت تنوعات في هذه الصناعة الفنية، فالبعض اختار الحديث بعمق وهدوء حتى لو تعلق الأمر بالعنف والحرب بغية تقديم دراما لا تبحث عن حالة من التشويق بقدر ما تحمل هاجسًا لإذكاء لغة حوار وخلق مساحة جدل بين أفكار متضادة.
يعدّ المسلسل السوري “على قيد الحب” مثالا حديثا على ذلك، مشاهد مستقاة من اليوميات السورية، فقد كتبه فادي قوشقجي المؤلف البارع في تقديم أعمال بالغة الحساسية الاجتماعية ويخرجه المبدع باسم السلكا وتشارك فيه قامات فنية سورية كبرى أبرزهما الثنائي الكبير دريد لحام وأسامة الروماني.
مسلسل يعتمد نمط تشكيلي إبداعي محدّد مغامر يتجه نحو هدف يحوطه الحنين لشكل درامي ناجح سبق وتألقت فيه الدراما السورية. في السابق، قدم منتجو الدراما في سوريا مسلسلات طويلة حاكت حال المجتمع السوري ففككت شرائحه وألقت الضوء على العديد من شخوصه بشكل عميق وحميمي.
وتفاعل الجمهور مع هذه الأعمال حيث وجدوا فيها أنفسهم وأحلامهم وحتى هزائمهم الروحية التي استحالت جراحا قديمة لكنها لما تزل نازفة بصمت، منها “دقيقة صمت”، “قاع المدينة”، “الغفران”، “شوق”، و”أهل الغرام”. ورغم تغيّر مزاج صناعة الدراما في سوريا ودخول أشكال جديدة عليها من حيث الشكل والمضمون وتحقيقها شروط النجاح والقبول لدى الجمهور أبرزها مسلسلات التشويق والأكشن، إلا أن شكل هذه الدراما لم يغب عن الإنتاج، وظل محتفظًا برصيده وبقي صنّاع هذا النوع من الأعمال متمسّكين به.
دريد لحام وأسامة الروماني مجددًا سويًا
بعد انقطاع عن العمل المشترك دام أربعة عقود يعود أحد أبرز روّاد الفن السوري والعربي، دريد لحام وأسامة الروماني، إلى العمل سويّا في مسلسل على قيد الحب. الممثلان اللذان غابا عن الدراما لسنوات طويلة، جمعتهم قصة مسلسل “على قيد الحب” بعدد من نجوم الدراما السورية، ومنهم: سلوم حداد وصباح الجزائري ونادين خوري ووفاء موصللي وجرجس جبارة.
لحام والروماني يجسّدان شخصيتي صديقين يواجهان تحدي الحفاظ على علاقتهما بسبب الأبناء وأحداث الماضي. “أمين” و”حسّان” صديقان قديمان، تمتد صداقتهما الراسخة إلى أكثر من أربعة عقود، وتكللت علاقتهما بالمصاهرة، حتى أصبحت عائلتاهما عائلة واحدة، تجمع بين أفرادها المودة ووحدة الحال إلى حدّ كبير. لكن هذه العلاقة ستتعرض لاختبار كبير بسبب الأبناء وأحداث يلقي بها الماضي على الحاضر.
دريد لحّام المعروف بشخصية “غوّار الطوشة” الكوميدية التي أداها لثمانية مواسم تلفزيونية متباعدة بين 1963 و1998، كانت آخر مشاركاته في المسلسلات التلفزيونية كضيف شرف في مسلسل “شارع شيكاغو” الذي عرض في عام 2020 وضيف شرف في مسلسل ”ناس من ورق“ في عام 2019.
أما الممثل أسامة الروماني فقد غاب أكثر من ثلاث وعشرين سنة عن التمثيل لانشغاله بعمله الإداري في مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بالكويت كمشرف ومدير للمشاريع لأكثر من 40 عامًا، ثم عاد بدور “ممدوح” في مسلسل “وثيقة شرف” الذي يعرض حاليا على منصّة “ويّاك” وهو من إخراج باسم السلكا، عن نص للكاتبين مؤيد النابلسي وعثمان جحا.
الشام على قيد الحب
في قصة المسلسل، يتابع المخرج باسم السلكا كل تفصيل حيث تم تصويره في أماكن متفرقة من مدينة دمشق، في ثاني أعماله الدرامية مع شركة إيمار الشام بعدما أنجز لها منذ عامين مسلسل “بورتريه” عن نص للكاتب تليد الخطيب.
من المعروف أن السلكا سبق وأن قدم جهدا متميزا على منصة الكتابة التلفزيونية من خلال كتابته الأجزاء الأولى من مسلسل الهيبة الشهير، ثم توقف عن الكتابة ليكون مخرجا في مسلسل “العميد” بمشاركة تيم حسن وكاريس بشار ثم يقدم في سوريا مسلسله الأول “بورتريه”. وهو يحاول في مسلسله الجديد التقدم خطوة جديدة في تحقيق عمل في شكل الدراما الطويلة الهادئة التي تذهب عميقا في سبر المجتمع.
يحاول تقديم دراما كانت سوريا قد نجحت في تقديمها عبر انتاجات سابقة وحققت فيها خطوات كبيرة، تلك التي تخاطب الجمهور بهدوء وعقلانية بعيدا عن المحفزات الدرامية الصاخبة، فقد بحث كثيرا عن نص يحقق هذه المعادلة وكان له ذلك في نص مسلسل على قيد الحب الذي كتبه قوشقجي.
المسلسل يقدم نماذج من حياة اجتماعية بين أسرتين تجمعهما صحبة ووحدة حال على امتداد سنوات طوال إلى أن يأتي طرف ثالث يحمل معه الكثير من التغيّرات بما يمثله من قيم وأفكار تناسب وضعه ومكانته، فتواجه الأسرتان تحديات ومواقف حادة لا بدّ من القيام بها.
حتى المخرج الراحل حاتم علي طاله ابداع السلكا، حيث ظهرت صورته ضمن مجموعة صور من الشخصيات الفنية والثقافي، وذلك على حائط مقهى ثقافي، دار فيه مشهد جمع بين الفنانين هافال حمدي وإياس أبو غزالة.
لقاء أسماء لمعت في تاريخ الدراما السورية بعد أربعين عاما
مسرحية “غربة الشهيرة” التي كتبها محمد الماغوط، كانت آخرعمل فني جمع الفنان دريد لحام وأسامة الروماني الذي غاب بعدها بشكل شبه كامل عن منصة العمل في الأعمال السورية، لكنه عاد في مسلسل ”على قيد الحب“ ليكون إلى جانب صديقه دريد في تأدية أحد الدورين المحوريين في العمل.
لا شك أن التعامل مع قامة فنية كبيرة مثل لحام والروماني يشكّل فرصة ذهبية لأي مخرج سوري كان أم عربي، منذ نعومة أظافرنا كبرنا ونحن نشاهد أعمال الفنان دريد وكثيرا ما كنا نتمنى أن نلتقي به في مكان ما، فكيف والعمل معه. أحسن السلكا إعطاء تفاصيل الحركات في كل مشهد لكي يؤديه الكبير دريد لحام بكل أريحية وانسجام,
ربما في هكذا نوع من الدراما ما يزيد قلق أي مخرج أن دريد معروف كونه نجما كوميديا، وهو يؤدي في على قيد الحب دورا اجتماعيا بحتا لا علاقة للكوميديا به، وهذا ما يعني مسؤولية اخراجه من الشكل الذي عرف به على مدار أكثر من نصف قرن.
لا شك أن موضوع التعامل مع الفنان دريد من الناحية الاخراجية يحمل خصوصية كبيرة، فهو مخرج يعرف تماما أصول اللعبة الإخراجية، وهو يعي لماذا نفعل هذا ولا يجب أن نفعل ذلك، ولماذا يجب على الممثل أن يتحرك هكذا وغير ذلك من التفاصيل.
“الدراما السورية لم تغب، لكن الحقيقة أن ظروف الحرب في سوريا أدّت إلى تسرّب بعض الشخصيات، التي لم تكن على درجة عالية من الكفاءة، إلى حركة الإنتاج، مما أدى إلى ظهور منتج درامي بصيغة رديئة، وأحجمت القنوات العربية على عرضه ليس لأنه سوري بل لأنه رديء فنيا، والكلمة الفصل في ذلك كانت وجود العمل السوري الجيّد على تلك القنوات، العمل الجيّد يفرض نفسه ولا يمكن مقاطعته أو حجبه”.