صحة

تضاعف أسعار الدواء بعد رفع الدعم وصحة المواطن في خطر

يتمتع الإنسان بحقوقٍ كثيرة في العالم، ومن أهم هذه الحقوق هو حق الطبابة والدواء، إلا أنّ المواطن اللبناني يشعر أنَّ الدواء هو فقط “لمن استطاع إليه سبيلاً”. ويعاني العديد من المواطنين من نقص الدواء، حتى مع دعم القطاع الاستشفائي من الدولة اللبنانية عبر المصرف المركزي، وذلك واضح من خلال الحملات العديدة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تهدف لتأمين الاستشفاء والدواء لمواطنين غير قادرين على تأمين طبابتهم.

ناشطون يقومون بدور الدولة

تتفاقم الأزمة يوماً بعد يوم، وأدوية عديدة بدأت تُفقد من السوق. فلا يكاد يمر يومٌ على مواقع التواصل الاجتماعي إلاّ ونرى منشوراً عن دواءٍ مفقود، يسأل صاحبه الناشطين أين يمكن إيجاده.

إلى ذلك، يقوم عدة ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بحملات لتأمين الدواء للمحتاجين، ومنهم من ذاع صيته ويلقى دعماً وترحيباً من خيّرين ومغتربين وحتى من نشطاء الوطن العربي، نذكر منهم:

الناشطة جويس أبو زيدان أطلقت حملة #كفي_ب_كفك لمساعدة المحتاجين بعد استفحال الأزمة الاقتصادية. تحاول جويس المساعدة بأي مجال وتحديداً الاستشفاء والدواء.

الناشط عفيف شومان اشتهر حتى قبل بداية الأزمة بإدارته حملات تبرعات ناجحة لعدة حالات مرضية كانت تحتاج إلى كلفةٍ كبيرة. ومع بداية الأزمة أطلق حملة #وتعاونوا لمساعدة المحتاجين لناحية تأمين مؤن غذائية، مسكن، استشفاء، ودواء. ويشارك ناشطون آخرون بما يحظون به من فائض من الأدوية ويقدمونه للمحتاجين بمبادرات فردية. (تجدر الإشارة أنّه تعذّر نشر تغريدة للناشط شومان عن الأدوية، حيث يقوم بمسح التغريدة بعد تسديد فاتورة الدواء أو الإستشفاء.

ومن الحملات الناشطة لدعم المواطنين بتأمين الدواء:

https://twitter.com/PaulinaLebanon/status/1313474816264089615?s=20

 

رفع الدعم يهدّد الأمن الصحي

أكّد الصيدلي د. نجيب محفوظ في حديثٍ لأحوال أنّ نسبة الأدوية المفقودة من السوق في لبنان تتراوح بين 20 و 25 بالمئة، عازياً السبب إلى تأخير فتح الاعتمادات من قبل المصرف المركزي، “وهذا يؤثر على نسبة مخزون الدواء في البلد، التي لن تكفي أكثر من شهر ونصف بأفضل الأحوال”.

وأشار محفوظ إلى أنّ التقنين الحاصل من قبل وكلاء الأدوية سببه المحافظة على المخزون والإتاحة للفقراء بالحصول على الدواء، حيث يقوم ميسورو الحال بتخزينه. “بل وصلت الأمور إلى حدّ التهافت على الدواء، بعد انتشار أخبارٍ عن رفع الدعم، وتخزين الأدوية لشهور لاحقة.”

لهذا السبب، بحسب محفوظ، اعتمد الوكلاء على معدّل سحوبات الصيدليات في الخمسة أشهر الأخيرة. ولفت محفوظ أنَّ أسعار الدواء لم تتغيّر منذ خمسة أشهر إلى اليوم، ومرد ذلك إلى الآلية المعتمدة بتأمين 85% من قيمة استيراد الدواء بالدولار من المصرف المركزي على سعر صرف 1515 ل.ل.

وحذّر الصيدلي من تبعات رفع الدعم عن الدواء حيث سيصبح خمسة أضعاف سعره الحالي، لأنّ الوكيل سيضطر إلى شراء  الدولار من السوق السوداء، لافتاً أنَّ بعض أدوية الأمراض المستعصية ستُفقد بسبب أسعارها الغالية لعدم إمكانية المواطن تحمل كلفتها، التي قد تتراوح  بين 30 و 50 مليون ليرة لبنانية، مضيفاً أنَّ هكذا خطوة ستؤدّي إلى إفلاس الجهات الضامنة مثل الضمان وتعاونية موظفي الدولة، لعدم قدرتهما على تغطية كلفة الدواء؛ “لأنَّ الميزانيات المرصودة محسوبة على سعر صرف 1515 ل.ل”. وأردف أنَّ هذا الأمر سيفتح أبواب تهريب الدواء من الخارج، الأمر الذي سيشكل خطراً على الأمن الصحي، من حيث تعريض المواطن لأدوية غير خاضعة للجودة وتعاني من سوء التخزين؛ مستدركاً أنّ الإحتمال الأسوء في أن تكون الأدوية غير فعّالة أو مزوّرة. لذلك، “إنّ خطوة رفع الدعم عن الدواء ستودي بالقطاع إلى المجهول”.

قوانين طارئة للتخفيف من وطأة الأزمة

في محاولات لمعالجة أزمات قطاع الدواء، تقدّمت كتلة التنمية والتحرير النيابية في مطلع عام ٢٠٢٠ بمشروع قانون ينظّم قطاع الدواء ويخفّف على المواطن، المشروع الذي ما زال يُدرس في اللجان، أين أصبح اليوم في ظل توجّه مصرف لبنان إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية؟

أشار النائب فادي علامة عضو كتلة التنمية والتحرير في حديث لـ “أحوال” أنّ هناك مشروع لقانونين ممكن أن يساهما بتخفيض الفاتورة الدوائية، لكن لم يحصّلا دوراً في الجلسة التشريعية الماضية، وسيتم اقتراحهما في الجلسة القادمة في 20 تشرين الأول؛ أول قانون متعلّق بتعديل مادة بقانون مزاولة مهنة الصيدلة، أمّا الثاني فله علاقة بالمستلزمات الطبية. ويتأمّل علامة إقرارهما في الجلسة القادمة كقوانين معجلة مكررة، لعلّهما يخففان من العبء على المواطن بتخفيض فاتورة الدواء قليلاً.

وأكّد علامه في حديثٍ لـ “أحوال” أنّ مشروع القانونين وافق عليه جميع أعضاء لجنة الصحة النيابية ومضوه، ويبقى أن يسلك الطريق إلى النور عبر المرور بلجنة الإدارة والعدل وثمَّ لجنة المال، مردفاً أنَّ المشروع مسجّل في مجلس النواب منذ أكثر من شهرين، إلا أنّ تضرّر أجزاء من المجلس النيابي بسبب انفجار مرفأ بيروت يؤثر على اجتماعات اللجان ويبطئ عملها. ويشدّد علامة على أهمية القانون المقترح للبنان، كونه ينظّم عملية تسجيل الدواء من الناحية العلمية وآلية تسعيره، كما أنّه يضبط أيضاً آلية عملية المستلزمات الطبية والمتمّمات الغذائية التي لا تتوفر لها آليات صالحة لضبطها اليوم. ولفت علامه إلى ضرورة تحفيز صناعة الدواء الوطني، معتبراً أنَّ هذه المقترحات ستفرض تخفيض فاتورة الاستيراد وبالتالي تخفيض فاتورة دعمها، وأردف أنَّه لو تم اعتماد القانون المقترح، فهذا من شأنه التخفيف من وطأة الأرقام المرتفعة بالأسعار التي نراها اليوم.

رفع الدعم

أمَّا عن رفع الدعم عن الدواء، فطمأن علامة أنَّ ممثل مصرف لبنان أكّد في اجتماع لجنة الصحة النيابية الأخير، أنَّ الآلية المعتمدة ستستمر حتى نهاية هذه السنة، وبالتالي “لا يجب أن نشهد تغييراً بالأسعار قبل ذلك الحين”، مؤكدا أنَّ هناك آلياتٍ عديدة تدرس حالياً قبل الوصول إلى المحظور، مثلاً رفع الدعم عن أدوية ال “brand” والتحفيز على استعمال أدوية ال ” generic “ . أمّا في حال رُفع الدعم بدون استراتيجيةٍ واضحة، فهذا يؤدّي إلى ارتفاع أسعار الدواء أضعاف سعرها الحالي بحسب علامة، مستنداً إلى أغلب الدراسات والنقاشات مع نقابة الصيادلة، قائلاً: هذه أرقامٌ لا يستطيع أحدٌ تحملها، لا الدولة ولا المواطن، كون المستشفيات ستضطر إلى الفوترة حسب الأسعار المرتفعة الجديدة.”

لا ينقص المواطن اللبناني أزمةٌ جديدة تُثقل كاهله المرهق أًصلاً من تعامله مع تبعات الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، لذلك على المعنيين التحرك بسرعة لإقرار القوانين التي تجنبه الحرمان من أحد أهم الحقوق الانسانية، حق الحصول على الدواء، وليُفضح أي معرقلٍ بلعبة البيروقراطية من أجل بعض الشركات المحتكرة التي تنهش لحم المواطن منذ زمن طويل.

محمد شمس الدين

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى