صور| المرتضى رعى حفل إعلان نتائج جائزة انطون سعادة الأدبية
رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، حفل اعلان نتائج جائزة انطون سعادة الأدبية في مسرح المدينة.
وكانت للوزير كلمة بالمناسبة، استهلها بالكلام عن مكانة سعادة السياسية ونضاله، فقال: “أنطون سعادة، أول خسارة قومية بعد فلسطين، وأول ضحية فكرية من أجل فلسطين. ليس في قدرة أحد أن يقرأ حياة هذا الرجل العظيم واستشهاده، إلا في كتاب الحق الفلسطيني. فما كان يعقل أن تتغاضى الهجمة الصهيونية على “سوريا الجنوبية” عن رؤيوي أدرك ما سوف يجره الإجرام الاستيطاني من ويلات على أمة، مجتمعها في الأصل مقسم طوائف ومذاهب، ووطنها مشلع دولا وأنظمة”.
واضاف: “ما كان ممكنا له أن يقف نادبا أو راثيا، فأطلق عقيدته القومية الاجتماعية الموحدة، مستكشفا فيها حقيقة الأمة وتكونها عبر التاريخ، باحثا في أسباب تفرقها وواضعا أسس توحيدها. ثم نظم حزبه سرا فعلنا، مريدا له أن يكون التجسيد العملي للعقيدة والصورة الحقيقية عن الأمة والخطة النظامية التحريرية المقابلة للخطة اليهودية الاحتلالية. وبعد هذا، أيسأل: لأي علة قتل أنطون سعادة؟؟.”
وتساءل المرتضى: “كثيرا ما استوقفني كقاض، صرف ردحا غير قليل في القضايا الجزائية، ذلك الاستعجال المريب في إلقاء القبض على رجل فكر ومحاكمته شكليا وإصدار الحكم وتصديقه وتنفيذه… في خلال ساعات ليل قصير من صيف تموز. كأنما الرصاصات التي أطلقت على صدره في حلكة ذلك العتم، أصابت صدر النهار، فلم يبزغ من بعد على هذه البلاد التي بقيت مذاك رهينة مصائب لا تنتهي. وكقاض أيضا، كنت أرفض ولا أزال، أن تستعمل قيمة العدالة وسيلة لتصفية الحسابات السياسية مع أي كان من الناس؛ أما إذا حصل ذلك بحق رجال الفكر، فإن الدولة ساعتذاك تكون قد أعادت نفسها وشعبها إلى مفاهيم القرون الوسطى”.
وأردف: “لكنني، ومن أجل تنقية التاريخ بالنقد الموضوعي، أرى أن عملية اغتيال الرئيس رياض الصلح في الأردن كان يجدر تلافيها، لأنها استتبعت أفعالا وردود أفعال أدت إلى نكبات لحقت بالوطن كله وبالقوميين تخصيصا، كان أشدها ما حصل إثر المحاولة الانقلابية من ملاحقات نتجت عنها مناف وسجون وقبور. والله لو قرأ السياسيون المحدثون بتجرد آلام تلك المرحلة، لتبين لهم أنها أضرى وأقسى مما يقولون إنهم نالوه في الزمن القريب”.
وعلى صعيد الفكر والثقافة عند انطون سعادة، قال المرتضى: “الأثر الذي تركه أنطون سعادة على المسار الفكري والثقافي في بلادنا، يعادل، بل يفوق ذاك الذي تركه على العمل السياسي. فإن مؤلفاته: نشوء الأمم، والصراع الفكري في الأدب السوري، والإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، أعمق الكتب وأثراها في مواضيعها. بل لعل مؤلفه “الصراع الفكري في الأدب السوري” كان الأساس والمرجعية للأدب الملتزم، ولحركة الحداثة الشعرية العربية التي أطلقتها مجلة “شعر” في منتصف القرن الماضي. وما زال فكر سعادة ينبوعا يستقي منه الدارسون والباحثون مواضيع لا تنضب”.
وتابع: “من دواعي الفرح أن أشهد اليوم معكم هذا الاحتفال الثقافي الذي تحيونه باسم عظيم من وطني. فإن استكشاف المواهب الشابة وتحفيزها على الأدب والفنون الجميلة والقيم الوطنية، عمل جليل يطمئن إلى المستقبل، لأننا في هذا العصر بتنا بحاجة اكثر إلى إعلاء الشأن الثقافي على ما عداه، فالشعب الذي لا يجعل الفكر له قائدا، تتجاوزه الحياة وترمي به على هامشها. لذلك جعلت همي الأساسي في عملي الوزاري منذ توليته، تعميم النشاط الثقافي وتشجيع المثقفين واحتضانهم”.
وختم وزير الثقافة كلامه بالقول: “أنطون سعادة، أيها النازل في الضوء كما ينزل البحر من غيمة في أعالي الشتاء، أيها المنزرع في الفكر والسياسة والشهادة كمثل أرز لبنان وياسمين دمشق ونخل بغداد وزيتون بيت المقدس. أيها المطلع الناس من قمقم الخوف الطائفي إلى فضاءات اللقاء والبناء. لم يفهموك يوم أقاموا فيك العداء بين سوريا والعروبة، وبين القومية ولبنان. ولم يعترفوا مكابرة بصحة رؤيتك السياسية على الرغم من الويلات التي استشرفتها فنزلت بنا واحدة تلو أخرى في شرق امتزجت مياه أنهاره بدماء بنيه. وها هم الآن، إذا ما دعي إلى إصلاح في الدولة والمجتمع، وجدت كثيرين منهم يسطون على ميراثك الفكري، فيأخذون نتفا من رؤيتك العلمية الشاملة وينتحلونها لأنفسهم. أنطون سعادة يصح فيك قول الشاعر العربي القديم:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
ولكن، لا. إن الفكر لا يضيع. وإن الحقيقة ستنتصر”.
الصور للزميل عباس سلمان.