انتخابات

مقعد المنية بين “المستقبل” و”العزم”: العائلات أولاً

منذ تبنّي تيّار المستقبل مرشّحه عن المقعد النّيابي في المنية، عثمان علم الدين، وفوزه لاحقاً في انتخابات عام 2018، بقي عاملا الإنسجام والثّقة شبه مفقودَين بين علم الدين ومنسقية التيّار الأزرق في المنية، برغم محاولات عدّة لإزالة الخلافات وردم الهوة بين الطرفين وتقريب وجهات النّظر، والتي قامت بها القيادة المركزية لتيّار المستقبل في بيروت.

بداية الخلاف بين علم الدين والمنسقية الزرقاء ظهرت في 10 آذار/مارس من عام 2018، قبل أقلّ من شهرين على استحقاق الإنتخابات النّيابية التي جرت في 6 أيّار/مايو من ذلك العام، عندما تبنّى تيّار المستقبل علم الدين واستغنائه بالمقابل عن النّائب السّابق كاظم الخير، ما دفع حينها 5 أعضاء من منسقية التيّار في المنية، من أصل 18 عضواً، إلى الإستقالة إحتجاجاً، لقربهم من الخير الذي استطاع منذ انتخابه نائباً عن المنية في الإنتخابات الفرعية التي جرت في 13 حزيران/يونيو 2010، “زرع” مقربين منه داخل منسقية التيّار في المنطقة.

خلال فترة الشّهرين التي فصلت بين إبعاد الخير وتبنّي علم الدين، ساد إرباك كبير داخل منسقية تيّار المستقبل في المنية، فمن انسحبوا منها التحقوا بالماكينة الإنتخابية للخير الذي انتقل من ضفّة تيّار المستقبل إلى ضفّة تيّار العزم، وتحالفه مع الرئيس نجيب ميقاتي بدلاً من الرئيس سعد الحريري، ومن بقي داخل المنسقية الزرقاء بدا عليهم التوتر وساد الإرباك بينهم، وحصلت إشكالات عدّة بينهم، ما دفع علم الدين لـ”تركيب” ماكينة إنتخابية خاصّة به موازية للماكينة الإنتخابية للتيّار.

إنتهت إنتخابات ذلك العام على النتيجة التي آلت إليها، وهي فوز علم الدين بالمقعد النيابي الوحيد المخصص للمنية ضمن دائرة الشّمال الثانية التي تضم أيضاً طرابلس والضنّية، بعدما حصل على 10221 صوتاً تفضيلياً، والخير على 6754 صوتاً تفضيلياً، وجاء خلفهما كمال الخير ثالثاً بحصوله على 2182 صوتاً تفضيلياً.

خلال تلك الفترة وبعدها، كانت قراءة علم الدين والخير لما حصل متباينة. فالأوّل اعتبر أنّ “الحق عاد إلى إصحابه” إنطلاقاً من أنّ المقعد النيابي في المنية كان يجب أن يبقى ضمن عائلة علم الدين بعد وفاة شقيقه النّائب الرّاحل هاشم علم الدين في نيسان 2010، ضمن العرف المتفق عليه بين العائلات اللبنانية بهذا المجال في أن يبقى المقعد النيابي ضمن عائلة أيّ نائب راحل، وبأنّ “خطأ” الحريري بسحب المقعد النّيابي من عائلة علم الدين إلى عائلة الخير المنافسة، جرى تصحيحه أخيراً بعد 8 سنوات.

أمّا الخير فرأى في خطوة إبعاده “قلّة وفاء” و”خيانة”، فأعلن رفضه الإستسلام لقرار الحريري وإغلاق بيت عائلته السّياسي، فانضم إلى لائحة تيّار العزم الذي كان رئيسه ميقاتي يبحث عن حليف له وزنه في المنية من أجل رفع حاصل لائحته في الدائرة الإنتخابية ككل.

بعد طيّ صفحة الإنتخابات، بدا الإنسجام غائباً عن العلاقة بين علم الدين ومنسقية التيّار في المنية، ففي حين حاولت المنسقية أن تعمل بعيداً عنه بالتنسيق مع القيادة المركزية في بيروت برئاسة الأمين العام للتيّار أحمد الحريري، جهد علم الدين لمدّ يده إلى منسقية التيّار ووضعها تحت جناحه، إنطلاقاً من اعتباره أنّ أيّ منسقية للتيّار في أيّ منطقة لبنانية يفترض أن تكون تابعة لنائبها وتعمل لمصلحته، وهو ما جعل العلاقة بين الطرفين تتراوح بين مدّ وجزر طيلة السنوات التالية.

في الآونة الأخيرة، وقبل أشهر من موعد الإنتخابات في أيّار من العام المقبل، بدأت بعض الأصوات في المنية تتحدث عن “تغيير” نيابي مقبل فيها مبني على أساس تقارب بين الحريري وميقاتي، يقضي بتخلي الأوّل عن علم الدين والثاني عن الخير، وتبنّي مرشحاً ثالثاً يكون قاسماً مشتركاً بين التيّارين، المستقبل والعزم، لكنّ هذه الفكرة “ماتت في مهدها”، وفق ما أوضحت مصادر في المنطقة لـ”أحوال”، التي أضافت أنّه “يصعب تسويقها في منطقة تتقدم فيها الولاءات العائلية على أيّ ولاء سياسي، وترفض العائلات الرئيسية فيها الإنسحاب من المشهد السياسي”.

فالمقعد النيابي في المنية إستمر منذ عام 1960 وحتى اليوم، ينتقل بين مرشّح من آل علم الدين تارة ومرشّح من آل الخير تارة أخرى، باعتبارهما أكبر عائلتين في المنطقة من حيث العدد، من غير أن يتمكن أحد من مرشحي العائلات الأخرى من الفوز بالمقعد النيابي في المنية سوى النّائب الراحل محمود طبو في دورة إنتخابات عام 1992، إلى جانب النّائب السّابق صالح الخير، حينما فازت المنية عامها بمقعدين نيابيين لأوّل مرة في تاريخها.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى