منوعات

مقاهي زغرتا تحتضر والحركة تتأرجح بين منطقة وأخرى!

تعيش المقاهي في لبنان أزمة وجود نتيجة حركة الدولار الحادة ووباء كورونا الذي يضعها أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما الإستمرار باللحم الحي أو الإقفال.

“أحوال” استطلع وضع هذه المؤسسات في مدينة زغرتا، وخرج بالانطباع التالي:

اسعد المكاري صاحب مقهى “ابو الزوز” في منطقة التل – زغرتا، رأى أنه بعد انطلاق التحركات الشعبية في خريف العام 2019، بدأ انهيار الليرة اللبنانية فنشط “تجار الدم” -وهم سياسيون وتجار وصيادو الفرص- لضرب الشارع من أجل مصالحهم الشخصية وتكديس الأموال في جيوبهم، وهذا ما انعكس سلبيا على أصحاب المؤسسات محدودة الحجم والتي يوجد مثلها اعداداً مرتفعة في قضاء زغرتا، بعكس المدن الكبيرة التي تحتوي على مؤسسات صناعية وتجارية ضخمة.

وبعد عتب واضح من المكاري على جمعية التجار وبلدية زغرتا لمساعدة وحماية هذه المصالح، لفت إلى أن “نوعية الزبائن لم تتبدل كثيراً، فمن دخل إلى نفسه الخوف جراء كورونا بقي في منزله، ومن تأثر بالوضع المالي والمعيشي يفضّل أن يخفف من زيارة المقاهي، مع الإشارة إلى أن “فنجان القهوة” أصبح أرخص إذا أردنا مقارنته بارتفاع اسعار الدولار”، مضيفا: “ففي السابق كنا نبيع فنجان القهوة بألف وخمسمئة ليرة، اي بدولار واحد، أما اليوم فبات ثمنه لدينا ثمانية الآف ليرة أي ما يقارب الثلث دولار أو الأربعين سنتاً وفق سعر الصرف، ولكن تدهور سعر العملة وبقاء المعاشات على حالها أفقد اللبناني الكثير من القدرة الشرائية، وباتت الأولوية لديه المأكل والمشرب، أما زيارة المقهى ففي درجات متأخرة إذا لم تكن قد ألغيت، وهذا ما إنعكس على حركة البيع لدينا بصورة كبيرة، فالمقهى الذي كان يبيع مئة فنجان في اليوم، بات أقصى طموحه أن يصل إلى الأربعين”.

ويتابع المكاري لافتاً إلى أن “حلول جائحة كورونا جاءت لتزيد في الطين أكثر من بلّة، فإضافة إلى الخوف الذي أحدثته في المرحلة الأولى من انتشارها، إتجهت الإجراءات الحكومية إلى فرض التباعد الإجتماعي على المقاهي كما على الكثير من المؤسسات الذي قصم ظهرها، من منطلق أن معظم مقاهينا محدودة المساحة -باستثناء إثنتين او ثلاث- وكان علينا استيعاب نصف الأعداد، وهذا ما دفع بالعديد من الزبائن بعدم الحضور لأن رواد المقاهي في الأساس يرغبون بالتقارب لتداول أطراف الحديث ومناقشة المواضيع المطروحة من سياسية واجتماعية وسواها”.

وأكد المكاري أنه في هذه الفترة لم يُقدم أحد على الاستثمار في فتح مقهى جديد، لا بل ان هناك مقاهي أقفلت؛ ففي محيطنا في محلة التل، أقفل مقهيان من أصل سبعة وبعضها أقفل المقهى ليفتح تجارة أخرى”، مشيراً إلى أنه “كان هناك مغتربون يرتادون المقاهي في فترات معينة من السنة، وقد تراجعت أعدادهم كثيراً، وكذلك رواد مقاهي من خارج المنطقة فبحكم قربنا من سراي القضاء كنا نلمس حركة رواد مرتفعة على هامش إنجاز المعاملات وهذه ايضاً قد تراجعت كثيراً، لأن دوائر الدولة لا تعمل الا في أيام محدودة خلال الأسبوع، بعدما أضيف يوم السبت إلى العطلة الأسبوعية، ناهيك عن أيام الإضرابات والدعوات إلى الإقفال”.

ورداً على استيضاح، جزم المكاري أن مقهى صغيراً لا تتعدى طاولاته العشر، كان يعيل عائلة مؤلفة من خمسة اشخاص، أما اليوم ونظراً للمدفوعات العالية المترتبة علينا فبتنا نتكئ على أبنائنا في الخارج لكي يساعدوننا للمحافظة على نمط عيشنا دون المتوسط، فمعظم مدخولنا يذهب لتغطية نفقات الكهرباء من اشتراك المولد والتي تتراوح بين المليونين ونصف إلى خمسة ملايين ليرة في الشهر”.

وعما إذا كان يمنح رواد مقهاه خدمة الإنترنت، قال: “أنا بالاساس لم افتح هذه الخدمة لرواد المقهى، لأن مجال عملي هو في فترة الدوام الرسمي وحتى الثالثة بعد الظهر، وأقفل في فترتي بعد الظهر والمساء وبخاصة بعدما أوقفنا تقديم “الأركيلة” بسبب إجراءات كورونا وفرض التباعد الإجتماعي”.

أما صاحب مقهى ومطعم  La casita في محلة العبي – زغرتا، غسان الدويهي، فقال: “المقاهي في زغرتا هي ككل المصالح التجارية في لبنان، أصحابها لا يستطيعون البناء على سعر تداول محدد للعملة اللبنانية تجاه الدولار بالنسبة لأية بضاعة تدخل إلى المؤسسة، وهذا الأمر يتصل أيضاً بموضوع المحروقات والتنقلات، أضف إلى ذلك ما ينتظر اللبنانيين حول الدولار الجمركي”.

وتابع: “ولذلك فإن أية تجارة يجب أن ترتكز على أساس الكلفة ليضاف اليها الربح، بينما ليس بالإمكان تحديد فاتورة الاشتراك بالمولد الكهربائي التي تصدر في نهاية كل شهر، وليس في أوله ليبنى على الشيء مقتضاه، فاذا وضعت مثلاً سعر فنجان القهوة على أساس أن الكيلووات بسبعة الآف ليرة، فتأتي الفاتورة بثمانية الآف وخمسمئة وهذه خسارة موصوفة، فكيف ستستطيع تغطيتها في الشهر التالي؟ فاذا حددت الربح بخمسة بالمئة فقد تأتيك الخسارة عشرة بالمئة وهكذا دواليك في الكثير من المواد”.

وبعد ان لفت إلى أنه مستأجر بعقد لبضعة سنوات وليس مالكاً، فإنه سيدخل مع صاحب الملك آجلاً ام عاجلاً بدوامة الإضافات غير المتوقعة والدخول في اتفاقات جديدة لن تخدم احداً.

وحول تأثر حركة رواد المقهى بانتشار كورونا، اشار الدويهي إلى أنه من سوء حظه أن الأقفال العام الأول الذي قررته الدولة قد جاء بعد يومين فقط من إفتتاح المقهى، لافتاً إلى أن حركة المقاهي في المنطقة مرتبطة بالزبون المحلي لأن الوافدين من خارج المنطقة عددهم محدود جداً ولايتخطون الإثنين بالمئة، ولذلك تأثرت الحركة بمدى إنتشار كورونا وإصابة الزبائن أو أحد أفراد العائلة، إضافة إلى التقيد بالتباعد الإجتماعي داخل الصالة من منطلق حماية الزبائن وحماية العاملين، “ولذلك فأنت مضطر لإعتماد التباعد بغض النظر عن فرض القانون، أضف إلى ذلك أن العديد من الزبائن إذا وجدوا عدة طاولات مشغولة في المقهى، فمن تلقاء انفسهم يفضلون الجلوس في الهواء الطلق أو التفتيش عن مكان آخر”.

وعن تأثير الأزمة على الاستمرارية، أوضح الدويهي أن “عامل تملك المقهى أو استثماره هو اساسي، ولا سيما إذا كان عقد الإيجار قديماً أو حديثا. أما إذا أردت المحافظة على نوعية وجودة الخدمة، فذلك يتطلب التضحية وأحياناً كثيرة الخسارة، ولذلك كلما ارتفعت الكلفة إزدادت إحتمالات الإقفال، وبخاصة إذا استمر الوضع بالتأزم التصاعدي، فارتفاع الأسعار لا يشكل أزمة في حال كان هناك استقرار لفترة محددة وليس أن يتبدل السعر بضعة مرات في اليوم الواحد، فعلى أي سعر يمكن وضع الأرباح؟؛ ولذلك فصاحب المؤسسة سيتجه إلى الخسارة المتكررة التي تؤدي حتماً إلى الإقفال”.

وعن تقديم الأركيلة قال: “إن تقديم هذا النوع من الخدمة جيد لأن زبائنه لا يستهان بهم، ولكنه سيزيد من الأعباء إذ سيرتب علينا أكلاف إضافية لجهة قوة شفط الدخان لتبديل الهواء داخل الصالة، كما أنه سينعكس على الزبائن الآخرين في حال كان الجو خارج الصالة غير مؤات للجلوس لجهة الأمطار أو البرد”.

وعن فترة العمل، أشار إلى أنه منذ الصباح وحتى الحادية عشرة ليلاً “لأننا نقدم القهوة ومشتقاتها والمقبلات وبعض أنواع الطعام، ولذلك نحن تأثرنا بظروف كورونا والحجر الذي يُفرض على المصابين والمخالطين أكثر مما تأثرنا بارتفاع الأسعار، وكانت نسبة التأثر بحدود الخمسين بالمئة من نسبة المبيعات في أوقات محددة”.

ووصف الدويهي دور جمعية التجار والمؤسسات الرسمية بالمحدود جداً لأنه ليس لديها خطط مستدامة، ولدى وقوع الأزمة لا يمكن استنباط الحلول بكبسة زر.

مرسال الترس

مرسال الترس

اعلامي لبناني كتب في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى