مجتمع

الراحل وليد خويص كرّم وطنه في حياته… فهل من يكرّمه في عليائه؟

مُنيّ لبنان وشعبه ومحبي الثقافة والإبداع بخسارةِ كبيرة برحيل الدكتور وليد خويص، المرحوم والمأسوف على غيابه في الميادين الثقافية، ابن بلدة بتاتر الجبلية، غبّ من معين الأصالة والتراث اللبناني والعربي التليد، فكان علماً من أعلام الثقافة والعطاء والتميّز.
منذ نعومة أظافره شغف الفقيد الكبير بالموسيقار العربي الراحل فريد الأطرش، هذا العشق تبلور عام 1986 إلى بداية مسيرة كبيرة، وهذه القصة يرويها خويص بحب وشغف،إذ أنه وبعدما سافر لحضور دورة الالعاب الأولمبية في موسكو، هناك وعلى خشبة المسرح القومي الروسي الشهير “البولشوي” فوجىء بسماع معزوفات أغاني الموسيقار فريد الاطرش، إلى جانب موسيقى “باخ” و “بيتهوفن” وغيرهما من عظماء الموسيقيين العالميين، وهنا بدأت قصة من نوعٍ آخر.


بدأ الراحل العمل لتحقيق حلمه ببناء مكتبة خاصة بأعمال العظيم فريد الاطرش وغيره من المطربين الكبار، فراح يجمع “الأيقونات” الموسيقية، ساهراً مواظباً، منقّباً عن الفن الأصيل، جامعاً، مؤرشفاً، مسافراً إلى أي مكان سعياً وراء “أيقونات” و”تحف” موسيقية من اسطوانات وآلات ومراجع…
الجهد المنقطع النظير للمرحوم خويص وانغماسه في المراجع والكتب بعد سنين من البحث المتواصل، أهلّه لنيل شهادة الدكتوراه بامتياز.
يقول الإعلامي الزميل رمزي مشرفيه “لقد تحوّل منزل الراحل إلى متحفٍ بكلّ ما في الكلمة من معانٍ، ويجمع كثيرون ممن زاروا منزله أن في المكان اضخم وأكبر متحف للموسيقى في الشرق الأوسط يضم كل ما “تشتهيه” الأذن من المعزوفات والأغاني النادرة وعرف باسم “متحف ومكتبة الموسيقى العربية” في مدينة الشويفات الجامعة لقوس قزح اللبنانيين جميعهم.
وبات المكان محط انظار الاعلام اللبناني والعربي وحتى الأجنبي، متحفاً مفتوحاً يستقبل بالمجّان عشاق الطرب الاصيل، لا بل مزاراً لكبار الفنانين والسياسيين والدبلوماسيين والضيوف من مختلف دول العالم.


المكتبة من الداخل: نحن محظيون فعلاً!
مكان رائع تشنُف أذنيك فيه بالطرب الأصيل…. فتعود الهوينة إلى صدق الكلمة وعذوبة اللحن، وتسمح لدمعتك بالانسلال مع كل معنى ولحن فتطلب المزيد، تعبّ وتغبّ.. “تسلطن” وتهيمن في آن!
خويص “النظيف” قولاً وفعلاً جمع آلاف الاسطوانات الطربية العربية الأصيلة والأصلية، إلى مئات القطع القديمة والصالحة للعمل من كاميرات واجهزة صوت ومذاييع و… و… من دول العالم.
ما كنت أناديه “دكتور” فيني زورك فيضحك… “أستاذ” فيني جيب معي ناس فيستهجن…. ويجيبني “يا قلبي عبوديييي” أنا خيّك والبيت بيتك بتجي بلا استئذان، ومين ما بدّك بتجيب معك!
نعم محظيون هم من قدموا معي إلى دارتك “الخويصية”!، وخسارتي مضاعفة لأني لم أحضر أمسيات طربية في صالونك شارك بها كبار المطربين والعازفين اللبنانيين والعرب.
تلج منزل وليد خويص فينعقد لسانك وتعود لتحدّق وتدقق ولا تشبع من النظر في ذلك المكان الذي يحتضن الزمان… فصوته المبحوح سيأتيك من علوّ منذ هذه اللحظاتٍ!!!
في منزل الرجل البشوش الذي لم تفارق البسمة وجهه للدنيا والناس كنز أغنى من الذهب والياقوت لأنه عصارة فكر الأجيال في منزل، يوماً قال سفير دولة تونس لدى زيارته منزل خويص “إن في هذا المكان كنزٌ حقيقي”.


في هذا المكان تمشي الهوينى… بتؤدة على مدى أوتار إحساسك مخافةً أن تخدش رهافته…. فتناجي دفء وليد خويص وتعلم علم اليقين أنه موجود في الحنايا الدافئة والزوايا الداوية! في تلك الزاوية كان وليد يسرد مع صوت أم كلثوم صادحاً بكل عنفوان “أصبح عندي الآن بُندُقيّة.. الى فلسطين خذوني معكم”.. نذهب معه بلا أدنى تردد ، نبحث عن “فلسطين والقباب الخضر ووجه المجدلية ” ولكننا لا نجد البندقية! نبحث معها عن بيتها وطفولتها وكتبها … لكننا لا نجد البندقية ولا الرجال الذين كانت تخاطبهم ، فندرك أن آلة الزمن أعادتنا إلى زمننا هذا .. تنسلّ دمعة رغماً عنا، تشاركنا بها – طبعاً- مقلتا “أبا حمادة” مع هزة رأسٍ حنونة رؤومة!!
ما تركه الكبير ليس إرثاً سهلاً، وهو الذي رفض “شيكات على بياض” مقابل أسطوانة أو قطعة نادرة…
المسؤولية كبيرة الآن على العائلة، خاصةً شريكة دربه السيدة نورا والأبناء حمادة وأياد وأدهم وميرنا، وبلديتي الشويفات وبتاتر ووزارة الثقافة والجميع لحفظ هذا التراث وهذه القيمة الفنية الكبيرة.
زوروا مكتبة ومتحف الموسيقى العربية وكرموا الراحل وليد خويص، فهو يستحق التكريم، هو من كرّم وطنه وعالمه العربي في حياته فلنكرمه بعد رحيله.

عبدالله ذبيان

عبد الله ذبيان

كاتب وصحافي لبناني. منتج أخبار ومسؤول تحرير في قناة الميادين. حائز على الإجازة في العلوم السياسية وشهادة دكتوراه فخرية من جامعة كاليفورنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى